“شيّاب” و “عجائز” في عالم “سناب شات” و “واتساب” وبرامج الفيديو مُسنون يلتقون أولادهم عبر التواصل بسبب "التباعد الاجتماعي"
القطيف: فاطمة المحسن
اعتادت الأسر في محافظة القطيف – وفي أماكن أخرى –الاجتماع أسبوعياً، وبعضها الآخر بين فينة وأخرى لا تنقطع، ولكن مع فرض منع التنقل والتجمعات بكل أشكالها أصبحت اجتماعاتها إلكترونياً عبر برامج التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت التجمعات الأسبوعية تُعقد عبر “سناب شات”، والسؤال عن الوالدين والأرحام عبر “واتساب”.
رفض تام
الكبار في السن يرفضون الجديد دائماً، هذا ما تعتقده فاطمة العلي في حديثها عن جديها، فلم يكن عرض التكنولوجيا عليهما بجديد، وكان الجواب الرفض بطبيعة الحال،وتكرر هذا العرض أكثر من مرة، من أولادهما، وحتى الأحفاد، لاقتناء هواتف جوالة تحوي برامج تواصل اجتماعي، ليتمكنوا من محادثتهما في أي وقت.
وعن السبب قالا إنهما يريدان اللقاء بأحبابهما مباشرة،وتقبيلهم وعناقهم، لأن جدتها –حسب تعبيرها – تعتقد أن “الصور والفيديو للمتوفين”.
بيد أن الحجر المنزلي غيّر موقفهما من التقنيات الحديثة، أو كما قال جدها: “مجبر أخاك لا بطل”، فطلب من ابنائه تحميل برامج التواصل الاجتماعي، ليتحدث معهم ومع أحفاده.
وعن تجربته، قالت حفيدته فاطمة العلي: “كان من الصعب على جدي أن يتقبل التكنولوجيا، ولكنه لم يعد اليوم يفارق جهازه أبداً”.
الحجر زاد من التواصل
لكن الحال يبدو مختلفاً مع زكية محمد، فهي من بحثت عن البرامج المرئية والصوتية التي تتيح لها التواصل مع ابنتيها وأحفادها.
لزكية ابنتين متزوجتين، كانتا تتناوبان على زيارتها، وتجهيز احتياجاتها قبل الحجر المنزلي، ودائماً ما كانت تقول لهما إنها قادرة على ذلك، ويكفيها رؤيتهما والحديث معهما والاطمئنان عليهما، حتى جاء الحجر المنزلي، فكانت تحدثهما بمجرد استيقاظها من النوم، لتبادرا بالحديث معها في الأوقات التالية من اليوم.
وأشارت إلى أنها أصبحت تراهما أكثر من ذي قبل، وتستمتع بالحديث معهما ورؤية أبنائهما.
تفاعل في البرامج
ويرى عبدالله الهلال أن رؤيته تفاعل ابناءه وأحباءه في وسائل التواصل الاجتماعي هو “صلة رحم إلكترونية”، تكفيه ليطمئن عليهم من دون الحاجة لمهاتفتهم أو رؤيتهم.
وقال الهلال: “إن التزام الحجر المنزلي جعلني استخدم جهازي النقال لوقت أطول”، ويتشارك عبدالله مع أحباءه بعض مواقفه في المنزل عبر تصوير مقاطع صغيرة وبثها في تلك البرامج.
كما أنهذه البرامج أتاحت له فرصة تعويض متابعة المجالس والقراءات التي كان يحضرها، وبإمكان الجميع الاستفادة منها طوال وقت الحجر المنزلي.
تواصل.. بشرط الحجاب
لكن الحجر المنزلي لم يشفع لزهراء اليوسف لاستخدام برامج التواصل الاجتماعي، للتواصل مع أبناءها وبناتها، واكتفت بمهاتفتهم واستقبال مكالماتهم فقط.
زهراء وهي أم لـ6أبناء و4بنات، تقول: “إن من يريدني سيتواصل معي، ولا أسمح لبناتي بأن يظهرن على برامج التواصل، حتى وإن كانت فقط لمكالمتي والاطمئنان علي، من دون أن يكون الحجاب على رؤوسهن”.
وذكرت ابنتها كوثر أن والدتها “كانت ترفض التواصل الإلكتروني تماماً قبل الحجر المنزلي، ولكنها تنازلت بعد فرضه، مع اشتراطها أن نظهر بالحجاب كاملاً عند محادثتنا لها عبر برامج التواصل المرئية”.
فيما أكدت اليوسف أنها لا ترغب في التعامل مع التقنيات كثيراً، مع ما يتردد من خطورة كثرة استعمالها،مبينة أن ما تريده هو “الاطمئنان عليهم عبر سماع أصواتهم عبر الجوال، ولا أكثر من ذلك”.
اختصاصي: تواصل رغم التباعد
ويقول الاختصاصي النفسي ناصر راشدلـ”صُبرة”:”إن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ساهمت بشكل ايجابي في التقليل من الأثر النفسي للتباعد الاجتماعي، وربما ساهمت في تحييد أثره على التواصل الأسري، الذي يُعتبر من مقومات الدعم الاجتماعي الأولي بالنسبة لأفراد الأسرة”.
ويوضح راشد،أن التقنية ساهمت في تقليل حدة وانعكاسات التباعد الاجتماعي الذي كانت تحدثه في أزمنة ما قبل ثورة الاتصال التقني”.
ويرى أن الترابط والتواصل الأسري “أحد الأبعاد المهمة التي تخفف من مستوى الضغوط التي تسببها الأزمات، فهي خط الأمانالاجتماعي الأول، ومن هنا تأتي أهمية الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة في إبقاء العلاقات الأسرية في حيويتها والشعور بالتقارب النفسي الذي يبدد القلق، ويقلل من الفراغ السلبي الذي يساهم في تنشيط بعض الخبرات النفسية السلبية، ويكثر من النشاط النفسي السلبي الذي ينعكس بدوره على الصحة النفسية للإنسان”.
الاطمئنان على كبار السن
ويشير الراشدإلى أن كثافة التواصل الأسري ستساهم في تخفيف أثر التباعد الاجتماعي بشكل كبير، “فمن خلاله نحافظ على حيوية ونداوة العلاقات الأسرية، وأيضاً يساعدنا في تناقل المعلومات الايجابية، والاطمئنان على بعضنا، كما سيثري أوقاتنا بالنشاط النفسي الإيجابي لجميع أفراد الأسرة من الأطفال إلى كبار السن، مما يشعر الجميع بالاطمئنان”.
ويقول الراشد: “إننا نحتاج أن نتقن عملية التواصل من خلال التركيز على الجوانب الايجابية، والتنوع في أنشطة التواصل، ونخصص جزءاً للترفيه أيضاً،فهو مهم”، مشيراً إلى التواصل قد يكون على مستوى الأفراد، خصوصاً من نشعر بانهم بحاجة إلى دعم، وقد يكون التواصل جماعياً، وعلى مستوى الأفراد،ونراعي في عملية التواصل فهم الطرف الآخر وتلمس احتياجاته”.
ويلفت إلى أن لكبار السن نصيباً من التواصل،”خصوصاً من لا يتقن استخدام وسائل التواصل الأخرى، وأن نكون معهم بالمكالمات الهاتفية أيضاً”، مشيراً إلى أن كفاءة الأسرة في استخدام وسائل التواصل ستنعكس إيجاباً على كل أفرادها، وتساهم فيتقليل مساحةالتباعد الاجتماعي.