ابنُ يامِن
أمجد المحسن
“أو المُكرِعات من نخيلِ ابنِ يامنٍ”
امرئ القيس
“عدوليّة أو من سفينِ ابنِ يامنٍ”
طرفة بن العبد
حين أُلقيَ في رَوْعِيَ الشِّعرُ وابتزَّني عُمُري، نعم ابتزَّني،
عُدتُ أرسُمُ نخلاً، كما الألِفاتِ، وعُدنَ ليرسُمنَنِي.
وخلايا سَفينٍ بَقِينَ على السِّيفِ صَاحبتُهنَّ وصاحَبْنَنِي.
ولمَّا على جبلٍ شاهقٍ بين شَطرين ذكَّرتُنِي فتذكَّرتُني.
صِرْتُ فوقْ
مِن فوقْ
فوقَ الجبَلْ
مِن علٍ،
قُلتُ: هذا نخيلُ ابن يامِنْ
وهذا سفينُ ابنِ يامِنْ
جُمَّارةٌ،
ودَقَلْ.
وأنا ذا الأقلُّ الأقلْ
الصّواري ثلاثٌ: على نخلةٍ، وعلى محملٍ، وجبَلْ.
الثّلاثُ دولْ.
كيفَ يُمكنُني خَرْقُ هذي السُّقوفِ برأسِ قلَمْ؟
وأنا.. لا، ولَمْ؟
[]
.. كان يُدعى”ابنَ يامِنْ”،
ويملِكُ أسطولَ بحرٍ سفيناً، وأسطولَ ظلٍّ نخيلاً،
وكنتُ فقيراً على قدِّ حالي.. ومالي وخيلي تُرابُ.
وجئتُ “ابْنَ يامِنَ”، قُوتي كَفافٌ وحُلمِي ضَبابُ،
لأعملَ في نخلِهِ أو سفائنِهِ،
قُلتُ: إيه ابْنَ يامِنَ يا مَنْ إليه انتهتْ نجمةُ البحرِ،
هل فيكَ مَن يحملُ المُتربينَ على بحرهِ؟،
قال: فاركبْ..
وأوصَى ربابنةَ البحرِ بي،
ولكنّهُ في السجلِّ دَفْتَرَنِي، واستجَبتُ،
لأنِّي بلا حيلةٍ.. وخلاصِي سَرابُ!
وأصبحتُ بحراً رديفاً لبحري، أربِّي حواسِّي وحدْسِي
به، وتلوتُ كتابي على رُوحِه وتلاني الكتابُ!
وصار صوابي إذا أخطأ الملحُ فيَّ، فإنَّ المِلاحةَ بابُ الحواسِّ العظيمُ، ولكنَّ صاحبنا الدَّفتريَّ
أسقمني بالدّيونِ لئلا أرى درَجاً فأفرّ،
وآليتُ أن لا أعود إلى البحرِ،
لكنَّ دَينِيَ أثقَلُ مِن حَجَرِ البِلْدِ..
والبحرُ لا والدي كي يحنَّ عليَّ ولا هو أمِّي فيحرُسني بتعاويذه.. لا،
و لا هو حرزُ الدّعاءِ المُجابُ!
[]
وكان “ابن يامنْ”
شديدَ الترفُّعِ،
واختارني أنا كي أحرثَ الأرضَ لَه.
لم يقلْ لي: احتملْ!،
وتَمَرْحَلتُ في ملح أرضِيَ مِرحلةً مِرحلَه.
لهذا سيُصبحُ أمرُ البساتينِ مُحتَرَفي، واقتراحُ العُذوقِ
سيبدأُ من راحَتيَّ ويستأنِفُ البَسْمَلَه.
وأصبحتُ صاعودَ نخلٍ ونازولَهُ، كقِياسِ ابنِ يامِنَ أطوالَها بالنَّظَرْ.
واخترعتُ أمثلةً لاتّقاءِ كتابِ العِبَرْ.
صَحِبتُ نخيلي وأشبَهْتُهُنَّه
ومن فرطِ أنّيَ سارَرْتُهنَّهْ
تمثَّلتُهُنَّهْ
وأكبرتُهنَّ عليَّ، وهُنَّ بقينَ استواءَ القوامِ بحيثُ انحنيتُ
كقوسٍ،
لأنِّيَ حدَّرتُ أعذاقهُنَّهْ
فَصِرتُ كأنِّيَ هُنَّهْ.
إذنْ.. نخلتي وتري، وأنا قوسُها!
أيُّ قوسٍ وما مِن وتَرْ؟!
نخيلي يُعبِّئنَني في السِّلالِ ويسألنَني: مَنْ.. لِمَنْ؟
لأبينا ابنِ يامِنْ!
فيهْزأنَ بي…
ثمَّ آتيهِ، ظهري زبيلٌ ثقيلٌ، فيُفرغُني ثُمَّ يُلقي إليَّ فراغي،
وحمَّلَني صُبرةَ السّنواتِ العجافِ..
وأورَقَ في حينَ أذوي، وجذعي على ذمَّة الرّيحِ وقفُ!
ونابَ عن اسمي لأنِّي انشغلتُ وأهلي ببيعِ المراحلِ،
هذا يُهيِّئُ خُوصَ الجريدِ وهذا يَسِفُّ!
[]
وقد لا يرانيَ “ابنُ يامِنَ” إلا صَبيَّاً، لأنَّ الذي أنتَ غربَلْتَهُ ذات يومٍ لأجلِ حصيدِكَ يبقى صبيَّكْ!
وذلكَ أنِّيَ لا أبلُغُ الرُّشْدَ في حضرةِ المتنفِّذِ جاءتْ به أمُّهُ راشِدا!
وأرسَلَ أبناءَهُ للحواضِرِ دوني، لأنِّي سأصبِحُ ميراثَهُمْ ذات يومٍ، وكانَ يُرفِّهُ عن ذاتِهِ بمهافٍّ من الخوصِ مسرودةٍ، ثُمَّ يُسقِطُني في يد القِسّ، والقسُّ يُقنِعُني أنَّ فقرَ الفقيرِ ستَعقبُهُ جنَّةٌ لاحقاً، فتموضَعتُ في حيِّزي قانِعاً حامِدا.
وهُما يسمُرانِ على قهوةٍ هي مِن بعضِ لوني الذي صار لونيَ من فرطِ أنِّي تطيَّنتُ في تُربتِي راكعاً ساجِدا
ألا إنَّ بين ابنِ يامِن والقِسِّ سِرَّاً..
[]
وطُوفانٌ، اثنانِ.. مرَّا،
تغربَلَ قمحُ الزَّمنْ،
رأيتُ “ابنَ يامِنَ”
مَنْ؟
إبنَ يامِنَ، حَبَّ الرؤوسِ الذي ما انطحَنْ،
في حانةٍ من حوانيتِ أهل الجُزُرْ.
وناديتُ: “هيهِ ابنَ يامَنَ”، قالَ: “ابنُ يامِنَ؟ مَنْ؟”
أشرتُ إليه بكأسي.. أشاحَ كأنْ لمْ يَرَنْ!
حكَكْتُ بقلبي إشاحَتَهُ عن إشارةِ قلبي،
وقلتُ: “غَفَرتُ لنفسِيَ..
فاغْفِرْ لِنَفْسِكْ!”