منظومة الأمن الصحي الوطنية تبدأ بنا

كامل الخطي

 

منذ إعلان السلطات الصحية عن أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا COVID-19 في الثاني من شهر مارس ٢٠٢٠ في محافظة القطيف، لمواطن قادم من إيران أخفى المعلومة في منفذ الدخول، حتى اليوم، أخذ تطبيق الإجراءات الاحترازية في محيط المحافظة منحى متدرج، بدأ بفرض حجر صحي على محافظة القطيف من سيهات جنوبًا حتى صفوى شمالًا. قامت السلطات المعنية في المملكة باتخاذ خطوة وضعت من خلالها اعتبار الأمن الصحي الوطني فوق اعتبار الأمن الوطني بمعناه الأمني الصرف؛ حيث أُعْلِن رسمياً عن إعفاء مخالفي نظام السفر من المسائلة إذا أفصحوا طواعية عن الجهة القادمون منها، وأعطي المستهدفين بالعفو مهلة ثمانية وأربعين ساعة للاستفادة من العفو، لكن انتهاء المهلة المعلنة لم يلغِ نية الحكومة السعودية العفو عن المفصحين، وقد سبق لي إعلام بعض النوافذ الإعلامية المحلية بذلك في حينه وعلى مسؤوليتي، لثقتي بأنه رغم الحزم البادي على القرارات السيادية في السعودية، إِلَّا أنه حزم مترافق ومتزامن مع قيم العدل والرحمة، وهذا أمر اعتدناه فأصبح من المسلمات في تعامل الدولة مع مواطنيها.

واجهت خطة الحجر الصحي على محيط محافظة القطيف بعض الصعوبات في البداية، وهذا غير مستغرب، بخاصة إذا أخذنا في الحسبان حقيقة أن الخطة وضعت على عجل، إذ لم يكن هناك متسع من الوقت لوضع الخطة موضع التجريب لكشف مواضع الخلل فيها؛ فخطة الحجر الصحي وضعت موضع التنفيذ في الثامن من شهر مارس ٢٠٢٠ أي بعد ستة أيام من إعلان حالة الإصابة المؤكدة الأولى. أقول من واقع أعيشه يوميًا، منذ بداية أزمة انتشار العدوى إلى اليوم، أن جميع أجهزة وإدارات الدولة التي تتولى مسؤوليات تطبيق الخطة على الأرض، تتمتع بصلاحيات الحوكمة الذاتية التي وفرت المرونة اللازمة لتعديل الخطة أثناء مراحل تطبيقها، وقد أخذت التعديلات طريق واحد تجاه عدم التأثير السلبي على الحياة اليومية لسكان النطاق المحجور من مواطنين ومقيمين؛ فلم يحدث نقص في غذاء أو دواء أو لوازم التعقيم والوقاية أو في الخدمات العلاجية المعتادة.

بذلك عملت منظومة الأمن الصحي الوطنية بكفاءة وفاعلية، وأدّت ولا تزال، دورها بكل اقتدار، وبذلت من الجهود ما يعجز الكلام عن إظهار ما تستحقه من عمق الشكر وصادق الامتنان، ويبقى دور الفرد العنصر الأساس في إحداث الفارق الجوهري؛ فجميع القرارات والأنظمة التي أصدرتها الحكومة، وكذلك المنصات الالكترونية التي صممت وأطلقت لضمان استمرارية تقديم الخدمات العدلية، والتعليمية، وتصاريح المرور والانتقال، وغيرها الكثير من الخدمات، بالإضافة إلى الأعباء المالية الهائلة التي أخذتها الدولة على عاتقها عبر إعلاناتها عن حزم الدعم المالي للقطاع الخاص لحمايته من الانهيار جرّاء الأزمة؛ كل ذلك يستهدف في نهاية المطاف، الأفراد على مستوى وقايتهم من الإصابة، وعلى مستوى صيانة مستوياتهم المعيشية، وأحوالهم الاقتصادية.

علينا كأفراد أن لا نتسبب في هدر استثمارات الدولة فينا؛ فعدم التزامنا بالإجراءات الوقائية، وعدم تقيدنا بالتباعد الاجتماعي، وممارستنا الاحتيال على الإجراءات الاحترازية، يؤذي عمل منظومة الأمن الصحي بالتسبب في تأخير وصولها إلى مرحلة السيطرة على انتشار العدوى، وكلما تأخرنا في إدراك مرحلة السيطرة على انتشار العدوى، كلما تسببنا في الضغط على الموارد المتاحة لإدارة الأزمة على المستويات كافة؛ حيث بات من المؤكد أن المعروض من كل أنواع السلع والبضائع بدأ في التناقص في مقابل الطلب المتزايد على مستوى العالم. أفضل الممارسات الواجب علينا جميعا الأخذ بها هي ترشيد استهلاك الموارد، والأخذ بأساسيات إدارة الأزمات والكوارث على المستوى الفردي؛ فالتكالب على التبضع، وتكديس السلع بما يفوق الحاجة إليها، سلوك به شبهة هلع، والهلع آخر ما نحتاج في ظل الأزمة. نعم، الأزمة أمر واقع، لكن ليس هناك نقص أو قصور في الإمدادات، وبالتالي فليس هناك ما يستدعي الهلع، وكل ما علينا القيام به هو التزام التعليمات الصادرة من الجهات المعنية لأن الجميع يبحر في زورق واحد، وعلى الجميع القيام بدوره حتى يصل الزورق إلى شاطئ الأمان، فالوضع لا يحتمل الحماقات، ولا يحتمل السلوك الأناني، ولا يحتمل الجشع، ولا يحتمل التذاكي على الأنظمة والإجراءات؛ فشعار “كلنا مسؤول” ليس مجرد شعار وقعه جميل على أذن السامع فقط، بل هو شعار يكثف معنى الخطة الوطنية الشاملة التي وضعت موضع التنفيذ لكي يمر الوطن أزمة الجائحة وهو ومواطنيه والمقيمين على ترابه بخير وسلام؛ فلنتوكل على الله ونتمثل “شعار كلنا مسؤول” في القول والعمل، وفي السر والعلن، لنصبح بذلك جميعنا شركاء في تجاوز الأزمة والسيطرة على أضرارها.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×