صوتُكِ.. سربٌ من الأطفال
جاسم عساكر
إلى ذاتِ الصوتِ المخمليِّ، وهي تجلو وحشةَ الليل بالغناء.
مابينَ (جيمي) في الحياةِ و(ميمي)
يمتدُّ صوتُكِ ممسِكاً بصميمي
أُصغي لهُ.. أُصغي إلى ترنيمهِ
فأطيرُ.. أخفقُ في صدى الترنيمِ
وأعودُ مُبتلَّ الجوانحِ مثلمَا
يبتلُّ زهرٌ، تحتَ سربِ غيومِ
هل كانَ صوتُكِ قد أتتْ أنغامُهُ
من جوفِ حنجرةٍ ومن بلعومِ؟
أم روضةٌ عزفتْ صداهُ، فزارَني
إذ كانَ لي من رزقيَ المقسومِ؟
سربٌ من الأطفالِ فيهِ، تضاحكوا
ما بينَ أقمارٍ بهِ ونجومِ
يجري رشيقاً في دمايَ فسحرُهُ
سحرُ الرشاقةِ، في قوامِ الريمِ
قد سالَ في رئتيَّ شَهْداً وانتهى
لجلاءِ أدخنةٍ، وطرْدِ سمومِ
وسمعتُ إذ رفَّ الغناءُ بمهجتي
نفَسَ الورودِ، وشهقةَ المشمومِ
يا لذةَ الأصواتِ بين ترائبي
من عذبِ سلسالٍ ومن تسنيمِ
حاكى صداكِ العندليبُ فلم يعدْ
إلاّ بصوتٍ في الغناءِ، ذميمِ
كبُرَتْ مساحاتُ الأسى فتمدّدي
نغَماً، بهذا العالمِ المشؤومِ
وأنا المؤقّتُ لانفجارِ قصيدتي
يلهو الهيامُ، بقلبيَ الملغومِ
هيّأتُ منضدةً وكوبَيْ قهوة
متلهِّفَينِ، ومقعدَينِ، فقومي
قومي، نعيدُ علاقةً مقطوعةً
ما بينَ دُنيانا وبينَ (حليمِ)
قد جئتِ في زمنٍ تكادُ ببئرهِ
تهوي أغاني الحُبِّ من تقويمي
وأظافرُ الوجعِ المريرِ تمدّدتْ
في لحمهِ، تفري بلا تقليمِ
فأعدتِ لي فصلَ الربيعِ نديةً
أزهارُهُ، ما عدتُ بالمحرومِ
وأعدتِ لي مرْجَ الطفولةِ أخضراً
أوفى صديقٍ في الحياةِ، حميمِ
وكأنّني أُنفى من الزمنِ الذي
تسعى دقائقُهُ، إلى تحطيمي
فلتقطفيني لم أجدْ من قاطفٍ
حولي، سوى قيثارتي وهمومي
لو ذقتُ نهرَ الخُلْدِ.. صفوَ رحيقِهِ
ما شئتُ غيرَ رحيقكِ المختومِ
فأكادُ أسبحُ في صفائكَ حينما
تأتينَ في صحوي وفي تهويمي
وإذا ضَحِكْتِ فتلكَ تلكَ حكايةٌ
أُخرى سوى المنثورِ والمنظومِ
مرّتْ بموكبكِ الطيوفُ وحاصرتْ
دنيايَ، واستولَتْ على إقليمي
حتّى لمستُكِ في الطيوفِ فلم تعدْ
كفّي سوى بأزاهرٍ ونسيمِ
وسألتِني: ما الحبُّ؟
قلتُ: تأمّلي
كَبداً بها منهُ اشتعالُ جحيمِِ
من ليس يسهرُ في انتظارِ حبيبةٍ
مهما يُحمَّ، فليسَ بالمحمومِ
تُكوى حشاهُ إذا أحبّ، فصدقُه
صدقُ اللهيبِ، بدعوةِ المظلومِ
لو أنّ قلباً، أُحرقتْ أطيارُه
ما كانَ عندي في النَّوى بملومِ
قد ضيّقَ الدُّنيا، وسدّ رحابَها
من رامَ سجنَ الحبِّ في مفهومِ
من أينَ يأتي الحبُّ؟؟
من زنزانةٍ
من وجهِ فجرٍ.. من دُجىً مأثومِ
والقلبُ لا يُنهى ولا يُؤتى بهِ
بأوامرِ التحليلِ والتحريمِ
والقلبُ لا يقفو بنبضِ غرامهِ
مجرى قرارٍ أو صدى مرسومِ
أنهيتُ في كنَفِ الحياةِ إقامتي
إن كان فيها الحبُّ، غيرَ مقيمِ