[ميناء القطيف 12] عام 1900 حُجرت القطيف صحياً ومُنع المسافرون من دخولها
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
في شهر أغسطس من عام 1900، أفاد المعتمد السياسي المساعد في البحرين (ج. س. جاسكن) بأن وفدًا من التجار (البانيان) المقيمين في البحرين عرض عليه شكوى مفادها أنهم، ومنذ أقدم العصور، كانوا وجاليتهم يتعاطون التجارة مع القطيف، وأن عراقيل ومصاعب كبيرة جدًا قد وضعت في طريقهم خلال الأعوام الأخيرة، وقد أدّت بهم إلى التخلّي عن زيارة ذلك الميناء (القطيف) نهائيًا (انظر: المصالح التجارية الهندية والبريطانية في القطيف. اقتراح تعيين المعتمد السياسي المساعد في البحرين في منصب نائب قنصل في الحسا، وتعيين معتمد قنصلي محلي عام في القطيف. خارجي / A / ، أغسطس 1901، رقم 419). أمّا مظلمتهم فكانت تقول بأن بعض التجار من أهالي القطيف والذين يشغلون مناصب في مجلس الحكم المحلّي استغلّوا مراكزهم ونفوذهم لدى سلطات الجمارك لتأخير مرور بضائع التجار الهنود (البانيان) المعدّة للتصدير إلى ما بعد مغادرة بضائعهم هم الميناء وذلك بهدف إيصالها إلى أسواق الاستهلاك قبل غيرها، وبالتالي تأمين بيعها وتصريفها بأسعار أعلى<.[i]..
إنجليز، وكرنتينا (محجر صحي) وحمير في الميناء
ليس هذا قولي، ولا رأيي، وإنما هو قول قبطان إنجليزي كُلِّف باستخبار أوضاع القطيف العامة، سواء العسكرية والاقتصادية أو الاجتماعية تحت ذريعة التحقيق قي قضية قيام أفراد من فرع البحيح من قبيلة المرّة، بقتل أفراد من شيوخ البحرين بالقرب من القطيف وأسباب تلكؤ السلطات العثمانية في القبض على الجناة. ولكن التقرير الذي بعثه المكلف بالتحقيق في القضية المعتمد السياسي البريطاني المساعد في البحرين: ج. س. جاسكن، بأمر من الكولونيل كمبل، نائب المقيم السياسي في بوشهر يكشف عن حقيقة الهدف. ولأترك المجال له ليوضح مهمته له نفسه في رسالتين:
الرسالة الأولى[ii]
>قامت السفينة (سفنكس) بزيارة إلى مياه البحرين يوم الأول من هذا الشهر (فبراير 1902)، وتطبيقاً لتعليماتكم، رافقت الكابتن (كمب) في صبيحة اليوم التالي إلى رأس تنورة التي وصلناها في الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم ذاته.
عند وصول السفينة إلى المرسى المذكور، وجدنا أن حركة المدّ والجزر لم تكن مناسبة، وهكذا اضطررنا إلى تأجيل زيارتنا الى قائم مقام القطيف إلى صبيحة اليوم التالي، وحوالي الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم، صعد إلى ظهر السفينة مسؤول مرسل من قبل القائم مقام ليقوم بالاستفسارات المعتادة عن أسباب رسو السفينة في تلك المياه، فأبلغ بأننا قدمنا من البحرين، وطلبنا منه نقل تحياتنا إلى القائم مقام، وإبلاغه بأننا سنزوره في الصباح.
بدأنا رحلتنا إلى القطيف في الساعة السابعة والنصف صباحاً عن طريق القناة المحيطة بالجانب الشمالي لجزيرة تاروت، وعلى إثر مغادرتنا السفينة صعد إليها ضابط الحجر الصحي، وحين اكتشف أننا غادرناها لحق بنا ليبلغنا بأن هناك حجرًا صحيًّا مفروضًا على جميع القادمين، وأنه، إن كان لدينا ما نقوله للقائم مقام، فمن الأفضل إبلاغه إليه كتابة، فأُبلغ هذا الضابط أنه كان من الواجب نقل هذه المعلومات إلينا في الليلة الماضية، وأنه ليس بإمكاننا العودة والتخلّي عن هدفنا.
حين اقتربنا من البلدة – القطيف – وجدنا المياه ضحلة جِدًّا إلى حدّ أجبرنا على التوقّف على بعد ميل منها تقريباً، ثم السير نصف المسافة على ضفّة جافة، وهناك استأجرنا حميراً حملتنا إلى الشاطئ، حيث استقبلتنا مجموعة صغيرة من الجنود حاولت ردّنا على أعقابنا بحجّة الحجر الصحّي المفروض، ولكنهم سمحوا لنا بعدها بمواصلة رحلتنا، ثم احتجزونا في كوخ قالوا أنه دائرة الجمارك.
أرسل القائم مقام وكيلاً عنه يدعى محمد بيك، ويحمل رتبة مدنيّة هي (بمباشي). قال إن مهمته الاستفسار عن سبب زيارتنا، وطلب منّا إرسال رسالة مكتوبة إلى القائم مقام، وهنا أبلغه الكابتن (كمب) بأن لديه الكثير من الأشياء لإبلاغها، ونظراً لبعد المسافة عن القطيف حيث رست السفينة فقد استحال حمل رسائل مكتوبة، وقال إنه يجب أن يلتقي بالقائم مقام دون تأخير.
وبعد احتجازنا مدّة ساعة واحدة عاد الوكيل وحاول المراوغة، وعندها احتجّ الكابتن كمب بقوة، وطلب ردًّا فوريًّا حول ما إذا كان القائم مقام سيقابله أم لا، وإذا كان الأمر يتعلق بالحجر الصحي، فعلى السلطات إبلاغه بعدد الأيام التي يتوجّب على السفينة قضاؤها في الحجر تحديداً.
لم يعد الوكيل، وبعد انتظار دام ساعتين أرسل الكابتن كمب رسالة أخرى شفوية، حملها ضابط الجنود المرافقين لنا، وحين لم يأتِ الرد تظاهرنا بالرغبة بالعودة من حيث أتينا، ولكن ما أن وصلنا إلى زورقنا وانطلقنا حتى وصل رسول على عجل وقال: إن القائم مقام يرغب في ملاقاتنا، وأنه يأمل أن نعود.
وهكذا نزلنا من القارب ومشينا إلى منزل القائم مقام، حيث استقبلنا حرس الشرف الذي رفع سلاحه تحيّة لنا. واستقبلنا القائمقام ومعه تسعة من أعضاء المجلس البلدي عند المدخل.
بعد تبادل التحيّات المعتادة، أعرب الكابتن (كمب) عن أسفه للطريقة التي عوملنا بها، لكن القائم مقام ادّعى بأنّه لم يعلم بوصول السفينة إلى البلدة قبل وصولنا إليها، وأنه ليس من المعتاد أن ترسو سفن حربية أجنبية هناك، ولهذا احتار الجنود ولم يعرفوا ما كان يتوجّب عليهم أن يفعلوه، وأعرب القائمقام عن أمله في أن ننسى الموضوع.
بعدها أبلغه الكابتن (كمب) بأسباب زيارتنا، وأشار عليه بأن يسمح لأولئك الذين لا يرغب أن يسمعوا الحديث بمغادرة المكان. هنا أخذنا القائم مقام إلى غرفة مجاورة، واستدعى أعضاء المجلس البلدي، وعندها تمّ الاستفسار عن الخطوات التي اتخذتها السلطات التركيّة بخصوص القضايا الواردة في رسالتكم (الحديث موجّه الى الكولونيل كمبل) رقم 1348 والمؤرخة في 27 ديسمبر 1901م، والموجّهة إلى كبير ضباط البحرية، فوج الخليج الفارسي).
رد القائمقام على جميع الأسئلة التي طرحها الكابتن كمب، فقال إن الضابط الذي وقعت الجريمة (المقصود مقتل الشيخ دعيج بن خليفة وآخرين على يد بدو البحيح)(3)، وعمليات القرصنة خلال فترة ولايته مسافر الآن في إجازة، وبما أنه يقوم بأعمال ذلك الضابط منذ خمسة عشر يوماً تقريباً، فإنه لا يعلم شيئاً عن هذه القضايا، أو الإجراءات التي اتخذت بشأنها. وأضاف بأنه يعتقد – في مثل هذه المسائل – أن الحكومات الأجنبية اعتادت إحالة القضايا إلى الباب العالي لإصدار الأوامر إلى الحاكم العام في المنطقة التي تقع فيها تلك القضايا، وأنه من الأفضل – في هذه الحالة – أن يكتب الكابتن كمب إليه بخصوص الموضوع المطروح، فيحيله هو بالتالي إلى متصرف الأحساء لاستصدار الأوامر اللازمة.
قال الكابتن كمب إنه سينقل ردود القائم مقام إلى حكومته، وطلب منه أن ينقل – في هذه الأثناء – ما أبلغ به إلى متصرف الأحساء في أقرب وقت ممكن، وأن يحصل على المعلومات المتعلقة بالقضايا موضوع البحث.
أظهر القائم مقام تكتُّمًا شديدًا عندما سُئل عن وضع البدو في منطقة ولايته، وصرح بأن كل شيء في غاية الهدوء والنظام، وبعد لقائنا بالقائم مقام حاولنا العودة إلى الـسفينة “سفنكس”، ولكن حالة المدّ والجزر لم تسمح لقاربنا باجتياز العبّارة القائمة (؟[iii]) على بعد حوالي نصف ميل من البلدة، الأمر الذي اضطرنا إلى العودة الى القطيف وطلب مأوى من القائمقام، فخصص لنا غرفة في الطابق الأرضي من مكتب رئيس الميناء، وفي الطابق العلوي كانت هناك مفرزة من الجند تحرس خزينة رواتب الجند الموجودين في قطر.
أرسل إلينا القائمقام وجبة عشاء وبعض الفرش، وفي صبيحة اليوم التالي أرسل إلينا طعام الإفطار. ولمّا كان علينا انتظار ارتفاع المدّ بقدر يسمح لقاربنا باجتياز الحاجز عند العبّارة، فقد عبّر الكابتن كمب عن رغبته في رؤية السوق، ولكن الحرس المتمركزين في الطابق العلوي منعوه من ذلك، وهكذا غادرنا القطيف حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهر يوم الثلاثاء، وقد واجهنا ريحًا شديدة معاكسة بدءًا من منتصف المسافة باتجاه السفينة التي وصلناها في الساعة السادسة والربع مساءً، وغادرت الـ (سفنكس) رأس تنورة في الساعة الثامنة والربع من صبيحة اليوم التالي، فوصلنا الى هنا (البحرين) الساعة الواحدة والنصف ظهراً.
يلاحظ من التقرير المثبت أعلاه أننا عوملنا من قبل السلطات التركية معاملة غير لائقة، وأنا أرى بأنه لا يجوز أن نتغاضى عن المماطلات غير المبررة، والحجج الواهية التي قدّمها القائم مقام، ولا عن الإهانة التي لحقت بنا؛ أولاً عند احتجازنا في دائرة الجمارك، ثم في منزل مكتب رئيس الميناء حيث وضعنا تحت الحراسة. وأرى أن يتمّ الاحتجاج على هذا بقوّة لدى الباب العالي، بهدف تأمين معاملة لائقة للضباط والمسؤولين البريطانيين(4) حين يزورون الموانئ التركية في المستقبل، وقد أرسل القائم مقام، الذي أعرفه شخصيًّا، رسالة خاصة لي حملها نوخذا عربي رافقنا باعتباره خبيراً بجغرافية المنطقة، قال فيها إنه يدرك أن مرتبتنا تستحق معاملة أفضل لم يكن بإمكانه تقديمها خشية أن يتهمه أعداؤه بالتواطؤ معنا، وأنه يأمل ألاّ نلومه على ذلك. من هذا يبدو أن السلطات كانت على علم وإدراك كاملين بما كانت تفعله<[iv].
فأين هي القضية المزعومة في هذا التقرير؟
————–
([i]) PRESI’S OF BAHREIN AFFAIRS [1854 – 1904 ص: 96 – 103 .
([ii] ) الرسالة مؤرخة في 6 فبراير 1902.
[iii]) ) يتعين أن تكون مجازًا، مثل قناة وما شابه.
([iv] ) مجلة الواحة، بيروت، العدد الأول، محرم 1416هـ، يوليو 1995م. ص: 87 – 90.