سياحة داخل منزلي
بلقيس السادة
منذ بدأ الحجر أخذنا الأمر بجدية وقوانين صارمة، وبدأنا العد التنازلي للانتهاء، والكلمات الإيجابية، “فترة وتعدي”، ووضعتْ الخطط والبرامج لتفعيل دور الأفراد، والضحك والألغاز، حتى ضقنا ذرعًا وبدأنا في الدخول للركود النفسي الحصري، كلما مددت الدولة فترة الحصار، وبدأ الأطفال يضجون، والكبار يصرخون من الحصار حتى بات الكل مختنق لما آل إليه الأمر، وخصوصا ونحن نرى العالم الآخر وقد ضج بالوفيات بأعدادٍ مهولة، مما حدا بالعالم المحيط بي في مجتمعنا الصغير بالتريض والصبر والتحمل حتى اِنكشاف هذه الغمة..
وأخذتُ بالتشمير بإعداد المأكولات والسلطات كأننا في شهر رمضان المبارك، والتجول داخل منزلي كل يوم أنام في غرفة للتغير النفسي، مرة في المجلس، وأخرى في الصالة، وأخرى في غرفة النوم حتى بات أبو الأولاد يسأل ساخرًا؛ أين سننام هذه الليلة زوجتي العزيزة..
وإذا بي أفاجئه بالمبيت في العراء.. فوق السطح.. مثل أباءنا وأجدادنا..
فما كان مني إلا أن أصعدتُ الفراش بالمفرش وتلحفنا والسماء غطاءنا والنجوم كأنها قطعًا من الألماس تبرق برونقها وجمالها، أردتُ أن أحادث زوجي العزيز في جمال هذه الليلة الخارقة ورومانسيتها، فما كان منه إلا أن أخذ غطاءه ومخدته وهو يتمتم ضاحكًا، تصبحي على خير يا رومانسيتي العزيزة لقد أكلني البعوض، ابتسمتُ له ساخرة؛ لقد كان نظرك أقصر من أن تفهم تراتيل الجمال الرباني في السماء..
قليلًا وبدأ القرص يجتاحني، حاولتُ التغاضي عن ذلك!!، فلم أستطع، فما كان مني إلا أن أخذتُ مفرشي ومخدتي ونزلتُ مهرولة إلى غرفتي، فما أن رأني خجلة إلا وهو يضحك تلك الضحكة الساخرة بلطافة وكلمات رائعة، تصدر كما أعتدتُ منه دائمًا، فلو كان غير ذلك لانقلبت الأمسية إلى مالا تحمد عقباه!!!
وهل استسلمت؟؟ لم استسلم..
جلستُ طول الليل وأنا أفكر معه كيف نكون في حماية من البعوض وأذنابه؟؟، لقد أعجبتني فكرة النوم خارج المنزل كما أسميتها
في اليوم الثاني أخرجتُ الشراشف القديمة وربطتها مع بعض بمساعدته طبعًا ونصبنا خيمتنا للحماية وجعلت السقف من التور بحيث لا يمنع عنا جمال السماء والنجوم.. وكانت ليلة أعادتنا إلى جمال عصر الأجداد والآباء والبساطة..
وهكذا حتى نفذت مني الأفكار والرؤى، ودخلت مرحلة الاكتئاب النفسي والملل والتأفف وعدم الاهتمام والاكتراث بما حولي!!
لا أغادر مجلسي أمام التلفزيون والموبيل، والأكل البسيط الصحي!!
حتى كشر الطفل الذي معي عن أنيابه وبدا أمره خارج السيطرة معلنًا تأثره بالهدوء تارة، والمساعدة مرة أخرى بالكلمات الإيجابية، حتى تململ هو الآخرة من هذه المرأة المتقلبة، فما كان منه إلا أن أصبح على جهة وطورٍ آخر!!!
هنا انتبهت من التزحلق!!
لقد وضعنا أمام اِمتحان إلهي، فعلينا التحمل والصبر وبضع كلمات هنا وهناك لن تزعزع مشوار عمر مضى بالجمال والسكينة لفترة وضعّتنا الظروف فيها خارج إرادتنا، وعلينا التحكم بما ينتابنا بين فترة وأخرى..
هنا نفضتُ الغبار عني وبدأت ابتسامتي وحيويتي تعود لي وبدأ الرجل يبتسم من جديد
ما ارقه وأطيبه، طفلٌ هو يحتاج التحضير والطمأنينة بأنكِ حوله وتداريه ليلهو مستكينًا هادئًا، ليعطيك من جمال روحه أكثر وأكثر..
كما علاقتنا بخالقنا كلما صعّدنا ذكره وعبادته وجماله وعطاءه وشكره في داخلنا ومحيطنا، اِزداد مكياله كشلالات خير وبركات في الدنيا وغدًا في الآخرة..