الانطباعيون الجدد…! (2)
أقنعتُ نفسي، ذات مرة، بأن أخطاء المتعلّمين في الإملاء؛ ما هي إلا عينةٌ يمكن إخضاعُها لمزيد من الفحص، ضمن فرَضية “إعمال العقل” أو “التفكير الحر”. حين يكتب متعلّم ما “بسّلامة” وهو يقصد “بالسّلامة”؛ فإن ذلك يدلّ على أنه “يفكّر” دون أن “يعرف”..! لديه “عقل” لا “معرفة”..!
اكتشف عقله أن الحروف المنطوقة هي “ب، سّ، ل، ا، م، ة”، فكتبها “بسّلامة”. وهذا منطقيٌّ تماماً بحساب الأصوات الفعلية الموجودة في كلمة “بالسّلامة”، الألف واللام لا وجودَ صوتياً لهما مطلقاً. لكن الأمر لا يتوقّف عند “التفكير”، بل يحتاج إلى “المعرفة”، والمعرفة متوفّرة في قواعد الإملاء، وهذه القواعد تقول لنا إن هناك “لاماً شمسية” في “ال” التعريف، وهذه تُكتبُ ولا تُنطق. وعلى هذا الأساس فإن كلمة “بسّلامة” خطأٌ إملائيٌّ لا يليق بمتعلم أن يقع فيه..!
فقر “المعرفة” يقود العقل إلى “التفكير”. يحدث ذلك كلّ يوم لأيّ منا. في كلّ شأنٍ من شؤون الحياة نفزع إلى “التفكير” دون انتباه إلى أن “التفكير” وحده غيرُ كافٍ. نحتاج إلى “المعرفة”. وما لم نحصل على المعرفة؛ فإن العقل لن يكون محصّناً في حساباته بالضرورة.
يقولون في الإعلام: لا رأي بلا معلومة. الرأيُ الذي لا يقف على معلومة؛ انطباعٌ محضٌ. تماماً مثل الخطأ الإملائيّ الشنيع المبنيّ على واقع منطقيّ من الأصوات المنطوقة في الكلمة.