العوامي رادّاً على دعبل: هذا تعقيب..؟ أم تأنيب..؟
عدنان السيد محمد العوامي
في منازلة الأخ الأستاذ حسن الدعبل معي على أثر تعقيبي عليه قال: >عندما كتبت متابعتي وتعقيبي لما يكتبه الأستاذ الشاعر عدنان العوامي عن ميناء القطيف وما تعرض له من أحداث وحروب تاريخية ليس من باب الإشارة وحسب، ولكن لمكانة هذا المكان الجغرافي ومكانته التاريخية منذ أقدم العصور، وممالكه وحضاراته، وتجارته البحرية ومدنه، التي ازدهرت معها تجارة البخور والنحاس والعطور واللؤلؤ، وحروب القبائل ومدى تسابقها للسيطرة على هذه البنادر البحرية حتى فتراتها المتأخرة<.
أكرر هنا ما قلته في تعقيبي السابق، من أنني كتبت عن “ميناء”، تستوعب اسمَه خمسةُ حروف يجوز أن تقصر فتصبح أربعة، ولم أكتب عن تاريخ الأرض والسماء.
وأما ما قاله عن إشارة الكاتب ماجد شبر أشار في كتابه “القبائل والصراعات السياسية والقبلية، والكاتب جلال الهارون في كتابه تاريخ القطيف السياسي إلى دور هذه الصراعات، وما تعرض له ميناء القطيف من سيطرات وتدمير وحروب<، فلا أود أن أجزم بأن الأستاذ إما أنه لم يقرأ مقالتي بتمعن، أو أنه لم يقرأ الكتابين، فالكتابان إنما يسردان أحداث فترة احتلال إبراهيم باشا للدرعية وسيطرته على الأحساء والقطيف، وتلك هي الفترة ذاتها التي ذكرتها في إحدى فقرات مقالتي مدار منازلة الأستاذ الدعبل، ومن اطلع على تقديمي لرواية (شيخة) لعلي بن حسن أبي السعود[1]، يدرك – بدون أدنى ريب – أن مسرح تلك الرواية أحداث تلك الفترة.
وأما إصرارُه على وجود طريق بحري من الصين إلى الخليج يسمَّى (طريق الحرير) مرادف لطريق الحرير البري، تتحدث عنه النقوش والمستوطنات التجارية والنقود والمعثورات، إلى ما قال، ثم يحيلني على من أسماه “المؤرخ تيسير خلف في كتابه “ألغاز مليحة”، وبذات الطريقة العائمة، التي اتبعها في تعقيبه السابق، فتيسر خلف ليس مؤرخًا، بل هو باحث آثاري. هذا ما يفهم من بحثه، وما عثر عليه في بلدة مليحة بإمارة الشارقة هي لقى آرامية وحضرمية[2].
ووصول الآثار الآرامية إلى مليحة لا يعني بالضرورة أنها قادمة من الشمال. فالمعروف أن اللغة الآرامية انتشرت في الشرق الأدنى كله في القرنين السادس والسابع ق. م، ثم أصبحت لغة الإمبراطورية الفارسية فيما بعد[3].
وما نسبه الأستاذ الدعبل إليه من تدمير أردشير لذلك الطريق هو محض اشتباه فالذي قاله بالنص: >علماً أن المدينة دمرت وأحرقت على يد آردشير الفارسي قبل تدمير ميسان والحضر دورا اوروبس بعدة سنوات< فهو يعني مدية مليحة لا غير، وحتى لو صح وجود آثار صينية في الشارقة أو غيرها فهذا يعني قيام تجارة بين الخليج والصين، وهو ثابت في المصادر[4]، وليس طريقاً، الطريق في اللغة لا تطلق إلا على السبيل ذي المسار المحدد المطروق في اليابسة[5]، إلا أن يكون جسرًا، أو لفظًا مجازيًّا، ولكي يتأكد الأستاذ من هذا آمل منه الرجوع لكتاب (فقه اللغة) للثعالبي، ففيه فصل في أسماء الطريق، وليس فيه اسم الطريق في البحر[6]، وفي القرآن الكريم قال: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا لا تخف دركًا ولا تخشى}[7].
فالطريق لا يكون إلا في اليابسة، وحسب، فإن اعتبر أحد الطريق في الماء، فلا ينبغي أن يحمل إلا على تواضع بصرٍ باللغة، فهو ليس بحجة، هذا إذا اعتبرنا أنَّ النص المقتبس كلَّه من كلام تيسير خلف، وليس فيه أية إضافة.
بعد كل هذا إلا يحق لأحدٍ أن يسأل: كيف؟ وبأية وسيلة نفَّذ أردشير تدميره لطريق يمتد في البحر من الصين إلى الخليج؟
مسك الختام في منازلة الأستاذ الدعبل معي قوله: >وتذكر المصادر التاريخية الإسلامي (ص: الإسلامية)، ذات المرجعيات الساسانية، أخبار هجوم أردشير على الساحل الغربي للخليج العربي، وتدمير المدن التي كانت قائمة في ذلك الوقت. ويذكر الطبري، الذي يعتمد على مصادر ساسانية أن عددًا كبيرًا من ملوك العرب ورؤساء الحجاز تركوا بلادهم وسكنوا البحرين ومدن الخليج أمثال الحجر والحسا وسبع أو ثمان غيرها في عهد الملوك البارثيين (الإشكانيين)، وكانت الحجر حسب قوله المدينة الأهم في مدن البحرين فأجلوا أهلها الأنباط واحتلوا مكانهم، والأنباط في عرف المؤرخين المسلمين تشمل جميع الآراميين،ومن هنا نشأ التنوخ الذي انطلق في جنوب العراق. ويضيف الطبري أن أردشير بنى في البحرين مدينة أطلق عليها اسم تبن أردشير، لأنهم فارقوا طاعته، وعصوا أمره..!!<.
لتاريخ الطبري، يا سيدي الفاضل، أكثر من عنوان حسب اختلاف المحققين والطابعين ودور النشر، أحدها (تاريخ الأمم والملوك)، و(تاريخ الرسل والملوك)، و(صحيح وضعيف الطبري)، وكل منها يشكل دورة كاملة تتألف من عدد من الأجزاء تزيد وتنقص أقلها عشرة مجلدات، والأستاذ العزيز دعاني إلى وليمة العصفور الذي دعا النبي سليمان على مأدبة في عشه على ساحل المحيط، وحين حضر بجنده وحاشيته ألقى في المحيط جرادة، وقال: هيا تفضلوا، من فاته اللحم لم يفته المرق.
لقد ضن علينا الأستاذ حسن حتى بعنوان من عناوين تاريخ الطبري المختلفة نهتدي به، ومع ذلك ألتمس صبر القارئ عليَّ لنرى ما لدى الطبري من أخبار أردشير.
في الجزء الأول من (تاريخ الرسل والملوك) يطالعنا أردشير بهمن، وهذا بنى مدينة في السواد، أسماها (آباد أردشير)، والأخرى في دِجلة وأسماها (بهمن أردشير)، وأما غزوه فجهته سجستان في الشرق، وعن نزول العرب البحرين، فينقل الطبري عن هشام بن محمد، وهو ليس مرجعًا ساسانيًّا، فيقول: >فلما كثر أولاد معد ابن عدنان ومن كان معهم من قبائل العرب، وملأوا بلادهم من تهامة وما يليهم فرقتهم حروب وقعت بينهم، وأحداث حدثت فيهم، فخرجوا يطلبون المتسع والريف، و فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارف الشام، وأقبلت منهم قبائل حتى نزلوا البحرين، وبها جماعة من الأزد كانوا نزلوها في دهر عمران بن عمرو من بقايا بني عامر، وهو ماء السماء بن حارثة ، وهو الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن من الأزد. وكان الذين أقبلوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن أسد بن وبرة في جماعة من قومهم ….<.
وبعد سرد سلسلة طويلة من أسماء أولئك الخارجين من تهامة، يكمل: >فاجتمع بالبحرين جماعة من قبائل العرب، فتحالفوا على التنوُّخ- وهو المقام، وتعاقدوا على التناصر، فصاروا يدًا على الناس، وضمهم اسم تنوخ، فكانوا بذلك الاسم كأنهم عمارة من العمائر…<. ويستمر في سرده إلى أن يصل إلى قوله: >تطلعت أنفس من كان بالبحرين من العرب إلى ريف العراق، وطمعوا في غلبة الأعاجم على ما يلي بلاد العرب منه، أو مشاركتهم فيه، واهتبلوا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف فأجمع رؤساؤهم بالمسير إلى العراق، ووطن جماعة ممن كان معهم على ذلك، فكان أول من طلع منهم الحيقار بن الحيق في جماعة قومه وأخلاط من الناس، فوجدوا الأرمانيين – وهم الذين بأرض بابل وما يليها إلى ناحية الموصل – يقاتلون الأردوانيين، وهم ملوك الطوائف – بين نِفْر – وهي قرية من سواد العراق إلى الأبلَّة، فلم تدن لهم، فدفعوهم عن بلادهم. قال: وكان يقال لعاد إرم، فلما هلكت، قيل لثمود إرم، ثم سموا الأرمانيين، وهم بقايا إرم، وهو نبط السود، ويقال لدمشق إرم. قال: فارتفعوا عن سواد العراق وصاروا أشلاءً بعدُ في عرب الأنبار وعرب الحِيرة، فهم أشلاء قَنَص بن مِعَدِّ. . . <. من هذا نعلم أنهم لم يجلوا أحدًا من البحرين بعد قدومهم إليها، ثم يختم الطبري مضيفًا مرجعيةً أخرى إلى مرجعيته السابقة، فيقول: >وهذا قول مُضر، وحمَّاد الراوية، وهو باطل[8].
في الجزء الثاني يتحدث الطبري عن أردشير بن بابك، وأنه بنى ثمان مدن منها بفارس مدينة “أردشير خرة”، و”رام أردشير”، و”ربو أردشير”، وبالأهواز مدينة “هرمز أردشير”، وبالسواد، “بِه أردشير”، و”إستاباذ أردشير”، وهي كرخ ميسان، وبالبحرين مدينة (فيناذ أردشير)، وهي مدينة الخط، وبالموصل بود أردشير، فأين هي مدينة “تبن أردشير”[9]، وأين الحجر والأحساء؟ وأما الأنباط فهم عند الطبري وغيره: >أنباط السواد في العراق، وأنباط الشام<[10].
—————
[1] إصدار نادي المنطقة الشرقية الأدبي، مطابع الشركة الشرقية – الدمام، 1435هـ، 2014م.
[2] ألغاز مليحة ، تيسير خلف، دراسة في الآثار والنقوش والرموز. موقع التبرات الإماراتي، الرابط:
https://bit.ly/2S9vBR2
[3] موسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1981م، جـ1/142.
[4] Persian GulfK Lt.-col. SIR ARNOLD T> WILSON. HYPERION reprint edition. 1991. PP: 106, 108, 132. 134,
[5] تاج العروس ، السيد مرتضى الزبيدي,، ولسان العرب. مادة (طَرَق).
[6] فقه اللغة ص: 259.
[7] سورة طه، آية: ٧٧.
[8] – تاريخ الرسل والملوك، تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية، د. ت. جـ1/ 907.
[9]– نفسه: جـ2/37.
[10]– نفسه: جـ2/42، وموسوعة المورد، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1982م، جـ7/94، والمنجد في الأعلام، لجنة من المتخصصين، دار المشرق، بيروت الطبعة 11، د. ت.
اقرأ السابق
تعقيب على تعقيب.. دعبل: أشكر العوامي.. ولكن الصورة ما زالت ناقصة
الهارون معقّباً على العوامي: ابن عريعر هاجم القطيف.. لا رحمة بن جابر