[فيديو] عثمان أبو الليرات يُعيد كتابة تاريخ قلعة القطيف.. على طريقته بائع الـ "گاز" صار مصوّراً.. فنجّاراً.. وكرّم مسقط رأسه بعد سن الـ 70
القطيف: ليلى العوامي
لأنها مسقط رأسه؛ استمرّت في ذاكرته حتى بعد أن غادرها شابّاً إلى حيّ خارجها.. ولأنها مسقط قلبه؛ وثّق فوتوغرافياً تفاصيل إزالتها قبل قرابة 40 سنة. ولأنها مهدُ روحه؛ صنع لها مجسّماً متكاملاً. إنه عثمان بن علي بن عبدالله أبو الليرات.. الفوتوغرافيّ.. النجّار.. وإنها قصة قلعة القطيف التي يُخبّئها في بيته، ويُخرجها في الفعّاليات، لا ليستعرضها فحسب، بل ليقول للناس إنه يعيد كتابة تاريخها على طريقته..!
بائع گاز..!
في بداية حياته؛ ساعد والده في بيع الكيروسين “الگاز” داخل أحياء “القلعة”. ومن تجوالهِ اليوميّ في إيصال براميل الكيروسين إلى الناس؛ خَبَرَ تفاصيل التفاصيل. عرف كل “زرنوق” و “ساباط” و “عايُرْ”؛ حفظ أبواب البيوت، وانتبه إلى الـ “درايش”، وانطبعت في حافظته حتى الـ “عناصيص” التي يتعثّر بها الناس..!
كان يانعاً قويّ البُنية يبيع بضاعةً مطلوبة جداً، حيث لا كهرباء ولا غاز ولا وقود إلا ما تقدّمه طبيعة القطيف من مخلفات النخيل.. و “الگاز” التي تُسوّقه أرامكو، ويشتريه والده، ثم يُعيد بيعه إلى الناس.. وعثمان أبو الليرات ساعد والده في هذه “الشغلة” المستحدثة، وقتها..!
فوتوغرافي
من بيع “الگاز” جمع وحيد والديه ـ عثمان ـ أرباع الريالات، ربعاً بعد ربع، إلى أن جمع 20 ريالاً. وهو المبلغ الذي أمّن به ثمن أول كاميرا تصوير اقتناها في حياته، ليتحوّل “بائع الگاز” إلى فوتوغرافيّ علّم نفسه بنفسه، خاصّة أن الكهرباء وصلت إلى القطيف سنة 1961م، ولم تعد بضاعته رائجةً، كما كانت من قبل.
من محاولات تقليد الأمريكان الذين يجولون في القطيف ويصوّرون معالمها؛ كوّن عثمان الليرات ثروة بصرية هائلة، قُوامها عشرات الألوف من صور وثّقت القطيف في مراحل متتالية من التحوّلات.. وحين أزيلت قلعة القطيف، سنة 1402هـ، كان عثمان الليرات واحداً من أهمّ الشهود على توثيق تلك الإزالة التاريخية..!
توثيق الإزالة
لكنها لم تكن مجرد عملية نزع ملكية وإزالة مبانٍ قديمة بالنسبة له.. كانت نهاية حزينة لمعالم مسقط رأسه وقلبه.. عاش عثمان بن علي أبو الليرات أكثر من 30 سنة، ولم يخرج منها إلا بعد زواجه، حيث بنى بيتنا في حي “باب الساب”، ومع ذلك؛ بقي قلبه معلّقاً بما حملته الذاكرة والوجدان..!
حين قارب سن الـ 70؛ قرّر إعادة كتابة تاريخ قلعة القطيف التاريخية على طريقته.. لم يحصل عثمان أبو الليرات على تعليم متقدم، ولم يُمنح موهبةً في الكتابة، ولم يُرزَق فصاحة خطيب.. لكنه مُنحَ حسّاً فنيّاً فطرياً عالياً، وكان التصوير جزءاً من ذلك..!
ومُنح أيضاً حرفةً لا تستغني عن الحسّ بالدقة والجمال.. حرفة النجارة.. ومن حسّه العفوي؛ أعاد كتابة قلعة القطيف بصناعة مجسّم لها.. مجسّم ظهرت فيه أهم معالمها: سورها، أبراجها، مسجدها، مبانيها الحكومية، وبيوت سكانها، الدرويشية.. براحة الخيل.. مبنى اللاسلكي.. مدرسة الحسين بن علي.. الدراويز.. برج العلم.. وصولاً إلى الفرضة، حيث تتصل القلعة التاريخية بالبحر..!
مجسم
أمضى عثمان أبو الليرات 4 سنوات في صناعة المجسم.. أعمل ذاكرته التي تكوّنت مذ كان يبيع “الگاز” في أحيائها، وربط عمله بمرعى لعبه ولهوه مع نُظرائه من أبناء القلعة، وقبل ذلك؛ حرّكه قلبه وشجنه وخطواته الأولى في مسقط رأسه..
وهكذا كان؛ صنع المجسم، وأخرجه إلى العلن قبل سنوات في مهرجان “واحتنا فرحانة”، وهذه الأيام يعرضه في مهرجان “براحة الحليب”.
وأثناء زيارة “صُبرة” له قال إنه المجسم من أجل تعريف الأجيال الجديدة بها..!