المستحيل هو الهدف!

محمد الحميدي

 

سَاحرٌ وساخِر، يَصعد، من أَعلى البِئر، إلى أسفلِه، لا حدَّ لِجبروتِه، يُديرُ رَحى المكَان، والزَّمان، والنُّبوءَات، تِلكمُ النهاياتُ الغَريبة، والمختلَطة؛ الغاشمةُ حيناً، والخائفةُ أكثرَ الأحيان. لا تهطلُ الأمطارُ عبثاً، فوراءَ الأكَمة، ما يسيلُ له الُّلعاب، وليسَ وراءَ الأكَمة؛ إلَّاي.

قِف أيُّها الوَقت، ما عادَ لِلمرءِ أن يَستمِر. البارحةَ؛ اِنطفأت فوانِيس، وسَادت عَتمة، وهاكَ: مَا لا يُرى، باتَ البوحُ به، أصعَب، فالعينُ العميَاء، تتسَاوى الظلالُ أمامها، والمستحِيل؛ هوَ الهَدف! إلى أينَ تَمضي، رحلةُ الوحدة؛ هذه، وهيَ تتلفعُ بالغِياب، وتتسمُ بالغُموض؟

مخاتِلَة؛ تلكَ الأموَاج، حيثُ الروحُ فَارغة، والحقيقةُ تَائهة، ويظلُّ المعنى؛ قمةَ الانتصَار، لِلذَّات. البحثُ مُضنٍ، والرِّحلَة، تَحفُّها المخَاطر، أمَّا الشجاعَة، فَعالمٌ من لا مَكان، لا يَنطرح، إلا عَبر رائحةِ الموتى، وأجيالٍ فُقدَت، ضمنَ توارِيخ، غيرِ مَكتوبة، إلَّا بحبرٍ سرِّي، لم يُكتشف، بَعد، وأنت، تهيمُ لِوحدِك، بينَ الظِّلال.

أفرِغ مَا في أحشائِك، دَفعةً واحدَة، فالسائلُ الذي شَرِبتَه، استفاقَ بركاناً بداخلِك، وأمدَّك بالموتى، وأرواحهِم، فلا قدرةَ لك، على اجتراحِ المعجِزات، إلَّا بهِم، يملؤُون أنفَك، وحنجرتَك، وجسدكَ البالي. ترنَّم بأهازيجِ العمَاء، ثمَّ أدِر وجهكَ لِلشَّمس؛ كي تتقيَ أشعتَها الحارقَة. أمثالُكَ، لا يؤبَهُ لهم، إلَّا بعدَ حين.

وإنِ استفاقتِ البراكين، واهتزتِ الأعاصير، على وقعِ خطوِك، أَ مَا كُنتَ تأمَل، خِلسَة، في انتصارٍ صغير؟ يُطيحُ بأحلامِ هؤلاءِ الموتى، وأنتَ تدعوهُم لِلفرار، لِيتحرَّروا من سُلطةِ المعنى؛ تلكَ القابعةِ بداخلِك، الآكلةِ لجسدِك، الناهشةِ لمجاري الروح، وأنغامِ السُّمو، والألَم.

لَا، ليسَ لكَ الحق، أن تُبديَ وجهةَ نَظر، حِيالَ مَا لا تَرى، وحدكَ تجوبُ العالمَ السرِّي؛ عالمَ العتمةِ والظِّلال، ووحدكَ مَن لا يلتزمُ القوانين. أمثالُك، يُؤخرونَ الحيَاة، ولا تستفيدُ من وُجودهِم الأرضُ، اللعنَة، تحلُّ بأطرافِك، وهيَ تَنتفض؛ بوجهِ الشَّمس، والهوَاء، والبَحر، والرِّيح، أمَّا أنت، فلا تؤمنُ إلَّا بك.

لِتكن مشيئتُك الباقيَةَ، وحدَها مَن يقررُ الموت، ووحدَها، مَن يقررُ الحياة، أمَّا عالمَكَ الواهِي، فليسَ له إلَّا السُّقوط، كَما سقطَت معاركُك، على حَافةِ البئر، وانتشلتكَ من العَدم. ثِقلُكَ؛ لا ينوءُ بحملِهِ، إلَّاك، وتذكَّر: مشيئتُكَ، وحدَها الباقيَةُ، أمَّا رحيقُ الموتى، فلا يتوسَّطُ بينَك، وبينَ الخراب، أَي؛ عالمَكَ، فاقدَ الَّلون، والرَّائحة، والطَّعم.

اِحمل معكَ ما شِئت، أو، مَا لم تَشأ، ولا تنسَ أنفاسَكَ اللاهبَة، فالعينُ العميَاء؛ لا تَرى الحقيقَة، ولكنَّها، تَرى مَا وراءَ الحقيقَة؛ المعنَى، بكلِّ شَغفه، وكِبريائه، يتجولُ بينَ يديك، ورأسِك. أَن تُؤمنَ بأنفاسِك، وأَن تثقَ ببصيرتِك؛ هوَ ما تحتاجُه، أثناءَ عُبورك الآثم. متِ الآن، أَو فلترحَل، ناحيةَ العَدم.

مَا كانَ ينقصُ الموت، إلَّا احتضارُك، فالرائحةُ المنبعثَة؛ ساذَجة، ولا تَفي بالمُراد، فرارُك؛ لا يُفيد، إذَا شاهدتكَ الوطَاويط، وانسدلَت عَليك الذُّبابة، تمتصُّ دمكَ الموبُوء، وتهتفُ لِرفيقاتها، هَا هُنا لحظَة، من عَدم. أَفِق، فليسَ لِسُباتكَ من جَائزة، والخسَارات، تلاحقُ حتَّى أحلامَكَ الماضية.

أَفِق، وانعَم ببعثِك، فالرَّماد؛ اِنطفأَت جَذوتُه، وأطلقتكَ لِلرِّيح، تحملُ وِزرَ مَن ماتوا، ومَن ظلُّوا، كأنَّ السماءَ استدانَت خُطاك؛ لِتجلبَ كلَّ رُوح، تَهيم، ولا تدركُ مَعنى الخلود! أَ لستَ الذي لا يُقال، ولا يُعرف، إلَّا برائحةِ الموتى، وأنغامِ قيثارةٍ ضائعَة؟ أمَّا رفيقُك، فدَعه، أوِ اهرُب إليه، سِيَان.

آهٍ، أيُّها القدرُ الغاشِم، وأنتَ تُزاولُ قدرتكَ البارعَة. لِتطُف، حيثُ الليل؛ يبدأُ هذا الصبَاح، ولا يَنتهي. سَاحرٌ أنت، وسَاخر، تهبُ المرءَ أحلامَه، وسُرعان، مَا تنفلتُ آهة، لِتلتهمَ الأحزانُ؛ أحلامَهُ المخمليَّة، وتنكسرَ عُرَى الحقيقَة، حينَ يشيخ، ولا يعودُ آدمياً، بَعد.

أمَّا الحقيقَة، مَا عادَ لَها من زمَان، أو مكَان، ليسَت إلَّا شُعلة، اتَّقدت، ثُم اِنطفأَت، وخلَّفت وراءَها؛ مَعنى، ورحيقَ مَوتى، وظلالَ بِئر، ووسوسةَ شيطَان، وأنت.

هل تصوَّرت؛ أَو هَجسَت بكَ الظُّنون، أنَّ داخلَك، يَحوي الشَّيء، ونقيضَه؛ العدَم، والوجُود، الحيَاة، والموت، الحقيقَة، والسرَاب. البَاقي من الأشيَاء كلِّها؛ أنت، وحدكَ مَن يُطفئُ المعنَى، ووحدكَ مَن يشعلُه، فاحملْ جذوتَك، يَا مَن لا تَرى، وانطلِق، فالطَّريق، لَا اِتجاهَ لَه. المعرفَة، أثقلُ من حبَل. اِنطلق، واكتشِف، لِترى، ما لا يُرى، أيُّها الأعمى.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×