دنماركي تمنى شراء “تاروت” وإفراغها من السكان للتنقيب عن الآثار تحت “التل المستحيل” رجال الجزيرة يمنعون علماء الغرب من مواصلة أعمالهم بسبب النساء
تعتذر صحيفة “صُبرة” عن تأخر نشر التغطية، لأسباب خارجة عن الإرادة.
سنابس: ليلى العوامي
كشف الباحث في التاريخ والأدب عبدالخالق عبدالجيل الجنبي، المزيد من تاريخ جزيرة تاروت، والآثار التي تتمتع بها، وجعلت منها أقدم مدينة في الخليج، معلناً أن هذه الآثار تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد (3500)، كاشفاً عن خطأ وقع فيه المؤرخون قديماً، عندما أطلقوا مسمى “دلمون”، على البحرين فقط، مؤكداً أنه ثبت أن “دلمون تشمل المنطقة بأكملها، من الكويت شمالاً، إلى الإمارات، بما فيها الخط والأحساء وجزيرة أوال.
وقال الجنبي في المحاضرة التي ألقاها أمس (الجمعة) في ديوانية سنابس، إن تاريخ تاروت الموغل في القدم، أغرى عالماً دنماركياً، بان يعبر عن أمنية، بأن يكون غنياً، ليشتري جزيرة “تاروت”، ويفرغها من سكانها، لمواصلة التنقيب عن آثارها كيفما يشاء، وهنا كانت تفاصيل المحاضرة..
بدأ الجنبي محاضرته، بأبيات من قصائد علي بن الحسن العبدي (ابن المقلة)، ذكر فيها “تاروت” عام 450 قائلاً:
قبح الله ليلتي ومَبيتي
أتلوى للجوع في تاروتِ
ليس عندي سوى ثيابيَ شيء
مثل ميت قد حلَّ في تابوتِ
وحِصاني نضوٌ من الجوع مثلي
فاقدٌ قَتهُ كفقدي قُوتِي
وذكر إبن ماجد البحارة المعروف، وهو من أشهر ربابنة الخليج حيث قال:
ومغرب التيرِ على تاروتَ
ترى القطيف عامر منعوتِ
آثار البحرين
وساق الجنبي أقوال بعض علماء الآثار عن تاروت منهم “جيفري بيبي”، الباحث عن الآثار في دلمون البحرين سنة 465ق-م، وهو أحد زعيمي البعثة الدنماركية، التي قدمت إلى البحرين، للبحث عن آثار دلمون، وثقافة معبد “باربار”، وعمل في البحرين، واتيحت له فرصة زيارة تاروت. ويرجع عدم قدرة “جيفري بيبي”، التنقيب عن الاثار، تحت تل قلعة تاروت، إلى أن تلاً، يطل على العين التي كانت النساء يستخدمنها للاستحمام والغسيل، فمنع رجال تاروت، “جيفري بيبي” ورجاله من التنقيب، حتى لا يرون النساء، وهن يسبحن في العين.
ويقول الباحث الجنبي: “وجدوا أن التل الموجود بقلعة تاروت، يحتوي على صخور، أسميها “المهذبة”، ما يعني أنها كانت سوراً أو بناء لبيوت، وهذا ما لم يستطع “جفري بيبي”، أن ينقب أسفلها، فتحسر الرجل، وكان يقول في كتابه: “لو كنت أملك من المال الكثير، مما يجعلني أشتري جزيرة تاروت، وأفرغها من السكان، وأبحث فيها كلها”، لكنه مات، ولم يتحقق له ذلك، وظلت آثار تاروت هامدة، تحت التل العظيم، أو كما سماه جيفري بيبي “التل المستحيل”. وقال “تاروت ليست مجرد مدينة، أو أقدم مدينة في السعودية، وإنما أقدم موقع في الخليج، وقد ثبت صحة رأيه، لأنها تعاصر أم النار الأثرية الموجودة في أبو ظبي، فهما في الحقبة نفسها”.
ويتحدث الباحث التاريخي الاسترالي “دانيال بوتس”، وهو من أشهر من عشقوا الآثار في المملكة، والمنطقة الشرقية، عن أواني الحجر الصابوني، الذي اكتشف في تاروت، قائلاً: “لا تضاهى مجموعة تاروت المعمولة من الحجارة الصابونية، بحجمها وغناها، بتنوع زخرفتها في أي مكان من الشرق الأدنى؛ ايران والهند وتركيا ومصر”.
خريطة تاروت
وعرض الباحث الجنبي، خريطة لجزيرة تاروت، الواضح فيها الدفن، وأشار إلى منطقة بالأوجام، اسمها “تويريت”، وعلى نفس المسار، ونفس الإمتداد، تتوسطهم واحة القطيف الكبرى. وأكد أن المنطقة بها الكثير من الأسماء، ومصغرها، فمثلاً عين ملده، وبالقرب منها عين أخرى شبيه منها، ولكنها أصغر منها وأسمها “مليدة”.
وسُئل الجنبي “لماذا هذه التسمية لتاروت هنا، وتويريت بالأوجام؟، فيجيب: “السبب عندما حصل الطوفان العظيم، بعده غطى البحر الأراضي المنخفظة في المنطقة، ومن ضمنها واحة القطيف، التي كان البحر يغطيها، وكانت أقرب منطقة إلى جزيرة تاروت، التي كانت أصغر من ذلك الأوجام، وبها خور تويريت.
أقدم خريطة
وتعتبر أقدم خريطة ورد فيها اسم تاروت، هي خارطة بطليموس، الذي كان يعيش في الاسكندرية، وهو من العلماء الجغرافيين اليونانيين الكبار، وكان هناك الحكم الهنلسكي، الذي يعود إلى الإغريق اليونانيين، وهم خلفاء الإسكندر المقدوني، الذي كان يعمل في الإسكندرية، وكان بها مكتبة عظيمة يأتيها التجار من كل الأماكن، فاستغل بطليموس وجودهم، فكان يسألهم عن بلادهم، ويرسم لها خريطة وكانت من أجمل الخرائط المرسومة وأفضلها، فرسم خريطة للجزيرة العربية، وذكر فيها جزيرة تاروت، وسماها “تارو”، وهو الإسم الصحيح، فاسمها السومري في ثقافة بلاد ما بين النهرين “تارو”، واسمها الفينيقي “تاروت”، وحرف (ت) أشبه بحرف العلة، الذي يحذف في بعض اللغات، ورسمت خارطة بطليموس الأصلية، عام 150 للميلاد قبل الإسلام بأكثر من 500 سنة.
وأشار الجنبي في عرضه للخرائط الى منطقة قضبة ودارين، وذكر قضبة، ولعلها هي المذكورة في نص الأصمعي المشهور “إنما سميت البحرين لأجل عينين فيها؛ الأولى محلم في هجر، والأخرى قضبه في الخط ، ولربما العين العظيمة في تاروت، هي عين قضبه، وذكر حي الوقف الذي تميزت بيوته من العشش البرستيج، وذكر جزيرة جذا البحرينية، التي مازلت محتفظة برونقها.
قلعة تاروت
هي ايقونة تاروت، فحينما يذكرون تاروت، ينطبع لدى الآخرين في الخارج القلعة التاريخية، فتاريخ جزيرة تاروت في التل الرفيع، وفي أسفل منه ما هو أقدم. ونوه الجنبي إلى أن تاروت كانت محط أنظار الأمريكان، الذين يعملون في شركة أرامكو السعودية، وكانوا يستخدمون عربة القاري، التي يدفعها الحمار، للوصول إلى الجزيرة، ليشاهدوا قلعة تاروت وعينها وآثارها.
مجاري العيون
ويواصل الجنبي “كان في تاروت ثلاثة مجاري للعيون، الأول الحلقوم، الذي كان يسقي الحسينيات، وفريق الوقف إلى القضبة، وقد يصل قرب دارين، والثاني المجرى الشمالي، يسقي الأطرش والدشيش والمانعية وقريب من أم الفرسان، والثالث والأخير مسقى، يذهب الى النخيل عند السوق المسمى بالجساسي، والجساسي من الأسماء التاريخية المذكورة في المعاهدة بين حاكم جزيرة تاروت العيوني وحاكم جزيرة بني قيس”.
ويتابع: “هناك عين أم الفرسان، التي دفنت، وكانت عين جميلة جداً وطبيعية، لم تبنى ولم يبنى حولها”.
آثار دلمون الخزفية
وقال الجنبي: “قدمت تاروت في الحقبة الدلمونية، الكثير من الآثار الجميلة، منها ما عرض في المتحف الإقليمي، ومنها ماهو موجود بمخازن المتحف”. وتابع “الحضارة في تاروت، تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد (3500)، وحينما وجد “جفري بيبي” هذا الأمر، قال: “أخطأنا حينما سمينا دلمون، وهي البحرين، فدلمون كل هذه المنطقة، من الكويت شمالاً، إلى الإمارات، بما فيها الخط والأحساء وجزيرة أوال، لذلك قال “جفري بيبي”: “دلمون بدأت في البر الشرقي للجزيرة العربية، حيث واحة القطيف والأحساء، وانتهت في دلمون، وهذا طبيعي، لأنه وبسبب ازدهار المدن، آتى الغزو من داخل الجزيرة العربية، وحارب السكان الموجودين، وبسبب الخوف من الغزو، وجد الناس مأمناً ينتقلون إليه، وهي البحرين (جزيرة أوال) ويجلسون مدة، وما أن يأتيهم هناك أيضاً، ينتقلون إلى العراق وبلاد فارس، هذه الحلقة كانت تتكرر باستمرار على مدى تاريخ المنطقة”.
وأشار الى الفخار المزجج، الذي يشير إلى وصول الرجل الصانع التاروتي، إلى هذه الصناعة سنة 3000 قبل الميلاد، ومكتوب على الخزفيات “من الألفية الثالثة قبل الهجرة”.وقال: “فإذا سمعت أثار دلمونية في الألفية الثالثة قبل الميلاد، فأعرف أنها تعود لدلمون تاروت”.