[شعر] أمجد المحسن: في رثاءِ إنكي إلى حين قيامة الماء
أمجد المحسن
قصيدة عن عيون الواحات
و”إنكي” هو إله المياه العذبة في دلمون
*
خَمِّـن النَّرْدَ، لا، ابتكِرْ أنتَ نرْدا
شاعراً؟، لا، بل طاغياً مُستبدّا !
لا تجئْ فكـرةً كمن يخطُبُ الودَّ
وهل يطلُـبُ الرَّدى منـكَ ودَّا؟
افْعَل الشِّعـرَ، لا تقُلْـهُ، وإنَّ
الشِّعرَ أدهى، مما يظنُّونَ، أهدى ..
فاستعِدْ ما استطعْتَهُ وأعِدَّا
وتخيَّلْ خـيلَ الفُتُـوحِ وشُدَّا
وافْترِ الخيْـلَ والخيالَ إلـى تلكَ
العُـروق التـي تجفَّفْنَ صَهْدا
وتدوخَـلْ والماءَ في جسَـدِ الأرضِ
تدفَّـقْ مثلَ الغواياتِ حشْدا ..
وارْثِ “إنكي”، من ذا سيرثِيه؟
وانْدبْهُ كنَدبِ الثّكلى عشيراً وولْـدا
إنَّ للمـاءِ في القـياماتِ يومـاً
سوفَ تأتـيهِ بالقصيدةِ فردا
بتُـرابِ الواحـاتِ حمَّـلتُ شِعري
كشميـمِ العَـرارِ حُمِّلَ نَجدا …
صَرَفَ اللهُ عن طريقي الغُثـائيِّـينَ
حتّى قـالَ النَّـدى : لا مردَّا !
كاذبو كِذبـةٍ وهم صدَّقُوها
ثمَّ قالوا : نحن النقيّون جِدّا
وتعملَقْـتُ والعماليقَ، لا أعرفُ
مَنْ هُـمْ، ولا أُصدِّقُ سَرْدا ..
أينَ سَيْحاتُ هـذهِ الأرضِ ولَّتْ؟
يا عُيُونَ الواحـاتِ من أينَ نـبدا؟
يا عُيُونَ الواحاتِ، كيفَ تناهـتْ
قبضَةُ الماءِ؟، واسْتحلتُـنَّ ضِدَّا؟
يا صديقي إنكـي العزيزَ، أنبّـِيـكَ
العُـذوباتُ شَحَّـتِ، المـاءُ أودى
جاءَ في ركضِهِ الجنونيِّ يختـالُ
ولكنّهُـمْ تبنَّـوا مَصَدَّا ..
فرأى أن يجِـفَّ شيئاً فشيئاً
ورأى أن يعفَّ كِبْـراً أحَدَّا
لم نعُدْ نُبصِرُ النَّخـيلَ اللواتـي
ذاكَ أنَّ العُيونَ أصبَحْنَ رُمْدا
طمرُوهـا، ثمَّ ابْتَـنَوا أبْكَـمَ الصّلـبِ
بدعـوى أنَّ الدَّواءَ هو الـدَّا
فتأنَّـقْ ما شئتَ، ليسَ بشـيءٍ
فـي اعتقادي من ليسَ يحملُ مبدا!
ليسَ أجدى من الوضُـوحِ وإنِّي
لا أراني في ركبِ ما ليسَ أجدى
إنَّ تلكَ العصا التي فـجَّـرَتْ تلْكَ
العُـيونَ انْتَهَتْ وساءَتْ مردَّا
واثنـتا عَشْرَةً وعشـرونَ خمسـونَ
مئونَ انْتَـهَيْـنَ جيداً وعقْدا
أيُّها الملحُ، لا نُصِـرْتَ، ولكنْ
زمَنٌ ضَلَّ نجمُـهُ كيفَ يُحدَى؟
أيُّها المخلِفـونَ للماءِ وعـدا
لِمْ خَـفَـرْتُمْ لذِمَّةِ الماءِ عهْدا؟
أرأيتُـمْ هذا الذي أنعَم الله
عليهِ، أقامَ للغيـثِ سَـدَّا؟
أرأيتُـمْ هذا الذي القِـرَبُ الملأى
حوالَـيـهِ، فاستطالَ وصدَّا؟
قالَ للنَّخـلِ: فلْتُغـادِرْ !، لِعَيْـنِ
المـاءِ: كُـفّـي، وللغمامِ: تعدَّا !
إنَّ فيـنا مـنَّا العـدوَّ الألدَّا
نفعلُ الـلانُريدُ عكسـاً وطردا ..
أوَ “شَنٌّ ” يَشقى، “لُكَيزٌ ” يُفدَّى؟
خابَ سَعيٌ ما كانَ في الماءِ زُهدا
يا عُيُـونَ الواحـاتِ من أينَ نبدا؟
حكمةُ الرُّوحِ أن تُجـرِّبَ فقْدا
نـتـمـلَّى أطلالـهُـنَّ ونأسـى
كيفَ هانَتْ رِيَّاً وخصْـراً وخدَّا؟
ونهاجي اليـباسَ ثمَّ نميلُ الميـلَ
أقصـاهُ للطواحـينِ رِفْـدا
ليسَ حقَّاً ما لم يكنْ فيكَ حقَّاً
ليسَ عشْقـاً ما كانَ صدَّاً فَرَدَّا !
أحْصِ هـذي النُّجـومَ عـدَّاً إنِ اسْطَعْتَ
ومعنى أنْ تنضُبَ العَيْنُ عدَّا !
كيفَ يُلقي أهل السفينةِ بالمثـقـالِ
أن لا تميدَ، عـمْـداً وقَصْدا؟
يا مُضحِّيـنَ بالثـّميـنِ يـمُـدُّ
الظِّـلَّ مَدّاً، يُدوزِنُ القفْرَ وَرْدا؟
ومنامُ الموتى إلى صَوتِ دفقِ
الماءِ لا يُشبـهُ المنـاماتِ جرْدا …
جئتُمُ، والعظـيـمِ، شيئـاً على
الإيراقِ إدَّاً، وذاكَ دَيْـنٌ يُؤدَّى
ونُفوسٌ أشحَّـةٌ ، شحَّت الأرضُ
كذاكَ الترابُ يُعدي ويُعْدَى
وشَهيـرُ السُّيـوفِ إن لم يُوطِّنْ
نَصْـلَهُ أن يُريحَهُ قُـدَّ قَدَّا
لا تُبـارِزْ ما لم تكـنْ مُستَـعِـدَّا
ليسَ سيفـاً ما ليسَ يملـكُ غمْدا
غير أنّ الذي يُـقـامِـرُ بالخالِـدِ
يفْدي الفـنـاءَ، مَن يتحـدَّى؟!
فارَ تنُّورُها الـذي أصبحَ
الطّوفانُ من كوثـريِّها مُستمَـدَّا
هَنْدسَـتْـهُ يَدٌ مُعلَّـمـةٌ جـدَّاً
أرادتْـهُ للكواكِـبِ نِدَّا
كان أخفَى من الهوى في ثيـابِ
البنـتِ حتَّـى تكشَّفَتْ وتبدَّى
أكلَ القفـرُ من طراوةِ خـدَّيهـا
وسـوَّتْ أصابـعُ الرّيحِ نهدا
إنَّ هذا النـباتَ وحشـيٌّ اسْتَشْـرَسَ
فاهـْجُ النَّباتَ ما كانَ وغْدا ..
إنَّ فيها جنِّـيَّـةً تأخُذُ المعشوقَ
أخذاً، تردُّهُ؟ ما اسْتُـرِدَّا
ها هـيَ العَينُ، فجَّـرتهـا عصـاً
سِحـريَّـةٌ بـرَّةٌ من الماءِ أندى !
اهجسِ المـاءَ قبلَ تنـزِلُ، واقْفِـزْ
ثمَّ فاغطِسْ كأنْ تقمّـصْتَ بُرْدا
إنَّ رقـراقَـها ليَنْزِلُ في الآدَمِ
مـن روحِهِ سلامـاً وبَـرْدا
صافـيـاً حافيَ العُـذوبةِ، كـم
يُشـبهُ غفـواً وكمْ يُـحـاوِلُ سُهدا ..
يَـتَـمَـرْأى بهـا من الأخضَـرِ النَّاضِرِ
شَرحُ الأرواحِ مـا لـن يُحدَّا
غًطـَّ في لونِهـا كمـا اسْـتَغـرَقَ
الشَّـاعرُ أنفـاسَ قـارئٍ ذَابَ وجدا !