نوافذ البكاء

الشيخ علي الفرج

أغمضْ عينيك .. واقرأ هذه الكلمات بقلبك
الدعاء احتجاج على النفس، وخروج القلب من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم على الشيطان. وداخل الإنسان على خارجه، وهو اغتسال من جنابة الذنب.

لا بدَّ أن تحسَّ بميوعة نفسية، حتَّى تسيل نفسك من نوافذ عينيك

لا بدَّ أن يتحوَّل ذنبك في هذا الوقت إلى إبرة تحسُّ بوخزاتها، حيث لا ضماد إلا مغفرة، ولا منديل إلا أمل.
عليك أن تقطع أخيلة الأرض الذي تشد قلبك وعينيك ويدك إليها، لترفع يدك، وتحدّق بعينيك إلى أعلى لترى قلبك الطائر. اقطع الحبال بمقصّ الإرادة .. آهٍ ما أضخم هذا المقصّ، وما أخشن حركته. الإرادة إنسان، والإنسان إرادة، وإلَّا فهو حائط واقف، وربما ميت.

الدعاء ترجمة ناجحة لألوهية الإنسان التي تختبئ في داخله، وأما شيطنته الطافحة من قدميه إلى وجهه فسوف تتبخّر من نوافذ عينيه عندما يفتحهما بأصابع بكائه .. أيها الضاحك كثيرًا عليك أن تنظّف صدأ هذه النوافذ لتتعوَّد على فتحها بسهولة، وإلَّا فسوف تختنق النفس برطوبة الجسد.

عندما تقف ناحية السماء، فإنَّ الضحك سوف يفقد بريقه، وسوف يبدأ لمعان البكاء حينئذٍ تتغيّر موازين العقل.. الضحك هناك رقرقة دمعةٍ تطفئ بها أعصابك التي اكتشفتَ لتوكَ أنها أُخْرِسَتْ بين قهقهات الآخرين. يا لقهقهات سوف تكتشف أيضًا أنك كنت تسمع صريرًا:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ

قَدِّمْ وجْهَكَ المتكسّر في صحن دعائك فإنَّ الله سوف يملؤه بضيافته حبًّا .. أقترح عليك أن تقدِّمَ ذاتك المتكسِّرة بأجمعها لتكون الضيافة أطول وقتًا ويكون صحنُك أكثرَ حبًّا.

يا ربّ أنا المتهدِّم ابْنِنِي بلبنات الأولياء .. اصطنعني على عينك .. ولا تسقطني منها .. واملأْني حُبًّا بإخلاء قلبي من حبِّ غيرك .. يا رب.. اربط أخيلتي المتقطّعة بأخيلة السماء لأكون مشدودًا إليها .. اجعلني إنسانًا مصقولًا .. ليس فيه صدعُ جهلٍ ولا نتوء ذنب .. إنك أنت الذي لا غير لك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×