نهوض على قارعة المدى قراءة في لوحة للتشكيلي حسن السالم

محمد آل عمير
محمد آل عمير

سار ” المدى ” نحو حدود الوقت؛ أغلق عينيه ؛ اكتشفَ بعدها أنه خارج دائرة الوقت ، خارج نص الحدود المجاورة لجدار الذاكرة ؛ على متاهة لم يرها من قبل ، عند عتمة قد أقبلت عليه لحظة أن أغمض عينيه ؛ لم يكن نائمًا ، و لم يكن مستيقظًا ؛ بل كان يلف لغة العالم ويستنطق صدى أثره فيه ؛ لعله يجد له متسعًا للألوان الذي ينتظر أن يراها كما يريد ضمن مسيرة سعيه وكدحه .

خرج من المدى ؛ انطلق نحو الإنصات إلى دور صوته الداخلي وسمع همسة ضميره يقول : 
صوتك الداخلي النابع من صدى روحك وأفياء مداركك ونسيج المسافات بينك وبين آفاق حُلمك ، هو بالأصل ترحال يترك للوقت أن يرسم ملامحه ، ويبني دعائم الأمنية في إيقاع خطواته ، ويتنفس الحنين ناحية رحلة اجتزت فيها صعوبة كنت تتوقع ألا تتجاوزها ، هذا الصوت يرجع من جديد ويتسع ليعطي أثره وسيرته على ترددات الأصوات القريبة من جهة نسبه وأسرته ، هذه الترددات الصوتية هي التي تعيش في أنحاء مترامية الوجهات من أرجاء العقل وغرفات القلب .

يقف يقظًا وكأنه يتعرف على صورة الدهشة للولهة الأولى على الإطلاق ، يستعيد قواه ويفتح أهداب معناه ويدرك بأن دهشته البصرية التي تأملها لم يكن يشاهدها للمرة الأولى ؛ حيث تبين له أنه كان يتجاهل وقع التجارب في صقل كيانه وتطوير مراحله وخبراته في مدرسة الحياة ، يتشاءم ويجلد نفسه على فشلها في بعض المواقف التي تمر عليه ، ويتجاهل كونه قادر على تغيير نفسه بقوة إدراكه لطبيعة مسؤوليته في إعمار كنف الأرض وأن يكون باعثًا لطاقة إبداعية لا تنضب ما دامت الإرادة فيها متجددة .

يبكي ويذرف عينيه ، لم يكن هذا الشيء سوى رسالة للنهضة من جديد ، يمسح دموعه ويكتبها على سطور الصدى كيلا ينسى ابتهاجه في ساعة اجتياز الآلام ، ينطلق ناحية خطواته على رصيف الأحلام الذي ينتظره كل صباح في دروب الكفاح ومحطات الفلاح ، هناك حيث الوجهة المؤدية إلى سلالم الرسالة الطامحة ناحية الحياة المفعمة بالعزيمة والإصرار .

هذا الصوت الذي شاهد الدهشة – في قبس التأمل على مدى السنين – مغلف باللون الذي تغذى على حبر الضوء المشرق في بزوغٍ واعد بالنمو والسمو .

يبوح الصوت للذاكرة أن تكتب الأشياء كما لو كانت بداية بدون عودة للبداية نفسها ، فلنسمع ما كان يقوله الصوت الداخلي لمرفأ ذاكرته : يا صاحبة الوقت لا تتذكري الماضي وبداياته الصعبة كيلا تعود البداية الصعبة كبدايةً أخرى متجددة بالتعب والعناء ، اسمح لي يا ذاكرتي أن أبوح لك ما لا أريد أن تسمعيه لأنني في حقيقة الأمر أريد هذا التعب كي أتعلم أن الصبر مفتاح للتطوير والتحسين المستمر وطريقًا لتحقيق جودة أفعالي قبل أقوالي ، أريد أن أرتقي كي أترك ميراثًا للعِلم والحُلم والحِلم وتأمل الحِكم والتعلم من الألم ؛ ترد معقبةً : أنا لا أتجاهل عزيمتك إن أنت لم تتجاهل قوة حضوري في مساحات التأثير على التغيير ناحيتك ، أنا لا أثقل عليك همك وإنما ألقيه في غياهب المعجم الذي كونته في مخيلتك وواقعك ، وعبر القاموس الذي أبحرت فيه بمركب الأمس وشراع اليوم وموج المستقبل ؛ أنا ذاكرة عصية على النسيان لكنني في نفس الوقت أعرف كيف أنسى التعب حينما يأتي الإنجاز بصدق وأمانة وضمير حي يعيش في جذور محفوفة بتربة صالحة للبناء والعطاء والنماء ، بإمكانني كذاكرة أن أغيّر في نفسك لكن المهم أنك تريد أن تتغير وتفعل ما يجعلك تؤدي عملك بعلو الهمة وضياء التجربة وقبس المعرفة .

انتهى الحديث بين الذاكرة والصوت الداخلي ، بقي أن نعرف كيف جرت المواقف في رسمِ معنىً للنهوض .

نهض الصوت من سبات حلمه المتداخل مع اليقظة ، نزع دوره وبدأ بتمثيل دور لوحة تشكيلية ، من هذه اللوحة الذي بدأت بطفولة أدرك فيها بأنه مهما كبر وكبرت معه سنين أيامه ، لابد أن يحمل صوت طفلًا يريد أن يتعلم ويجد من التجربة مبادرة لتغييره الذي ينشد ويريد أن يراه في عالمه .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×