سيد الحماقاتِ.. الجميلة..!
في السهر الأسبوعيّ الذي كان يقوده شاكر الشيخ، في قسم التنفيذ من صحيفة “اليوم”؛ كان أحمد المُلاّ الأشدَّ يفاعةً بين المجموعة.
مجموعة من الحَمقى الرائعين، يتخالطون في توليفةٍ أشدّ حُمقاً وبراعة ولذة في إصدار “اليوم الثقافي”، الملحق الأسبوعيّ الذي كنتُ أنتظره كلّ ثلاثاء، وأشتري الصحيفة لقراءته، قبل التحاقي بها فيما بعد..
مجموعة من الحمقى الرائعين المشغولين بهاجس الحداثة في الشعر والقصة والتشكيل والموسيقى والمسرح. كانوا يحمُون الملحق الأسبوعي من شوائبَ لا تنسجم ورؤيتهم المتورّطة بعقيدة ثقافية عبّر عنها ـ أكثر ـ نشاط فرع جمعية الثقافة والفنون مقابل نشاط النادي الأدبيّ، لتكون الجمعية والنادي طرفَيْ نطاحٍ امتدّ لسنواتٍ.
كان أحمد الملاّ السعوديّ الوحيد الذي بلا ثوب ولا شماغ غالباً. والجزء الذي اشتغل به هو القصيدة الحديثة، ومثلما شارك الفريق في بناء الإصدار الأسبوعي؛ كان له يومٌ أسبوعيٌّ يبني فيه صفحتين ثقافيتين. وإن لم تُحرجني الذاكرة؛ فإن صفحتيه تصدران كلّ أحد..
والمهم أن الصفحتين عبّرتا عنه بوضوح، فيما يكتب، وفيما ينتقي من نصوص، وفيما يُدرج للنشر من مواد المراسلين..!
لكنّ الحُمق الجميل في أحمد الملاّ كان في جانبٍ آخر من ملامح الشاب الحساويّ الأنيق. ثمة طريقةٌ خاصة في إدارة ثوراته الفيوسلوجية الجامحة. ثمة شاعرٌ صاخب جاذب متصل بعروق الشغف، وكأنّه نخلةٌ مفعمةٌ بالطلع وعذوق الرغبة التي تبحثُ عمّا يدلقها حبراً في الورق.
ذاتَ صُدفة سألتُه مُبارِكا: هل نكتب خبراً..؟
فردّ عبدالرؤوف الغزال جادّاً: إذا تبي فصلك من الجريدهْ اكتبْ..!
خرجنا ذلك المساء سوياً من مبنى الصحيفة.. استقلّ سيارة صغيرة، وعلّق “تقشُّف”..!
بين شتاء 1993 و خريف 2015 لم يكبر ذلك الشابّ الحساوي الجامح. إنه كما هو. بخليطه اللذيذ كما هو.. بجديلة شعره المربوط، أو المنسدل، أو المكتظّ بالرجولة.. كما هو..!
الذي لا يتغيّر في أحمد الملاّ هو أحمد الملا، والثابت في أحمد الملاّ هو أحمد المُلاّ. سيّد الحماقاتالجميلة مُستمرٌّ في عنفوان روحه المزدحمة بالأقمصة المقلوبة، المختلسة شهقاتِ الفرح من بين صعوباتِ الواقع وحِراسة السدنة وتُروس التابوهات وإشارات التوقف والتهدئة..!
تُعيد بنات العمر كتابته كما هو، على خليطِ مودّته ونفوره، وهدوئه وصخبه، ومحاذرته وإقدامه.. شيءٌ ما في أحمد الملاّ لا يمكن وصفه غموضاً، ولا وضوحاً. شيءٌ ما في أحمد جعل منه الأحمق الألذ إدهاشاً فيما يقرّر ويختار، صانعاً قدره بنفسه، مؤمناً بأن الحظ، كلّ الحظّ، ربما اندلق شاياً على فخذه في لقاء مجنونةٍ مثله..!
منذ عرفته، وأنا لا أرى في أحمد الملاّ إلا الحماقات.. ولم أقف له ـ قط ـ على حماقةٍ لم أحبّها..!