[مقال] أثير السادة: الفن مجددا في بطاقات البريد

أثير السادة

 

لم يكن يومها بيني وبين التراث علاقة، كل ما لدي حكاياتي الصغيرة، طفل لم يبلغ الحلم، يدلف إلى قرطاسية عبير، ليبتاع صحفا لأخيه الأكبر، فيشتري بطاقات بحجم البطاقات البريدية، عليها لوحات فنية تحاكي البيئة المحلية وتراثها، أتذكر يومها بأن هنالك مجموعات مختلفة لثلاثة من الفنانيين المحليين، لعله علي الصفار، وعلي الهويدي، ومنير الحجي..علاقتي المتوترة مع الرسم منذ البدايات كان يمكن أن تحول دون التفاعل مع كل تلك الرسومات، غير أني انتخبت صور الحجي التي وجدتها كالقصص القصيرة، كالصور الفوتوغرافية، لذلك وضعتها في ألبوم الصور مع ما أحتفظ به من مخرجات استوديوهات التحميض آنذاك.

اليوم وأنا أقلب تلك الصور/الرسومات في ألبوم قديم لا أعرف الذرائع ولا كم دفعت لاقتنائها، كل الذي أعرفه هو أنها مازالت تستهويني، وتدفعني للتساؤل عن انشغال هذا الفنان المبكر بمفردات بيئته، يقترب منها في رسم واقعي تارة، وتكعيبي تارة، وتعبيري مرات..الرسومات التي عرضت في أواخر الثمانينات مازالت حاضرة بسبب طباعتها وجعلها متاحة للاقتناء آنذاك..تبدو الطباعة متزامنة مع المعرض بحسب التواريخ، أي أن الراجح كونها امتداد لحماسة الفن وأهله للتواصل مع الناس، في زمن كانت فيه الصور التذكارية المطبوعة على شكل بطاقات بريدية تشهد حضورا ورواجا كبيرين.

ربما مثلت قنوات التواصل الإلكترونية مساحات بديلة لعرض وتبادل هذه الأعمال وتلك الصور الفوتوغرافية، وأصبحنا نجمع في ألبومات الأجهزة المحمولة وغير المحمولة عددا من تلك التجارب الفنية، الأمر الذي سيهب التراجع لشهية الاقتناء لتلك الأعمال في صورة بطاقات تذكارية، غير أن الموجة الجديدة التي تتمدد باتجاه العودة إلى ملامسة الصورة باليد، وتحويل هذا الركام الرفيع من الصور إلى مادة مطبوعة يدفعنا إلى الرهان مجددا على إمكانية إحياء طباعة الأعمال الفنية، رسوما وصورا ضوئية على وجه التحديد، لتحقق بذلك أهدافا تتجاوز مجرد الشياع والاشتهار.

ستأتيك هذه الأعمال المطبوعة كوثيقة جمالية، تطلق صرخة الفنان بين الناس، وتحرضهم على التفاعل معها، وستضعنا على الطرف الأخير من السؤال عن نهايات الصور الرقمية، فنحن نجمع ونقتني لأننا نحب هذا العمل وذاك الفن، هي تحريض بنحو أو بآخر لفتح قناة قديمة جديدة للتفاعل مع الفن، تماما كما كان ذلك الطفل الصغير عليه في بحثه عن شيء لم يدرك معناه حتى تجاوز به العمر..وهج الأعمال الفنية لا ينبغي أن يظل حبيسا للجدران والساعات والأيام التي يعرض فيها، ولا ينبغي أن ينتهي إلى حزمة من رسائل باردة تتدحرج يوميا إلى شاشات جوالاتنا، يضيع معها السياق والتفاصيل، وتصبح شيئا رخيصا كرسائل صباح الخير.

إذا تمكنا من تجاوز ارتفاع تكلفة الطباعة، ونجحنا في إيجاد قنوات تسويقية ناجحة، سنخطو خطوة باتجاه تعزيز البعد التواصلي الحقيقي مع الفن، ونهب الفنانيين حظوظا أخرى للحياة بين الناس، وربما استعدنا للعمل الفني بعضا من حقوقه الفنية والأدبية والمادية..حتما لن ننجح في إعادة الروح إلى البطاقات البريدية في بعدها الوظيفي، لكننا قد ننجح في إزاحتها باتجاه إحياء وظائفها الجمالية والتوثيقية، لتكون علامات دالة على مزاج المكان وناسه.

وبس.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×