سيرة طالب 123] قصة سينمائية

الشيخ علي الفرج

قصة من فرط غرابتها، يخال للسامع أنها مشهد مقتطع من مسلسل درامي أو فيلم سينمائي، غير أنها واقعة حقيقية جرت عليّ قبل نحو عشر سنوات.

جاءني بعض الأصدقاء المقربين، وقال:

يوجد خلاف عاصف بين زوجين؛ الزوج من قرابتي، والزوجة من منطقة أخرى. كانت الزوجة يومئذ مقيمة في بيت أبيها، غاضبة ممتنعة، بينما بدا الزوج متعلقا بها تعلق الغريق.

 واتصل صاحبي بالزوج فكلمته وقال:

أعطيها ما تشاء.. المهم أن تعود إلى بيتها.

غير أن المؤشرات كلها كانت توحي بأن الزوجة تميل إلى فك العقد، وحسم الأمر بالطلاق.

فقال صاحبي: لعلك ترافقنا، فعسى الله أن يجعل على أيدينا صلحاً.

فقلت: وماذا عن أبيها؟ أهو مؤيد للصلح أصلا؟

فجاء الجواب مقتضبا: لا، الأب رافض للزواج.

قلت حينها: إن كان الأمر كذلك، فإنّ عودة المياه إلى مجاريها عسيرة.

غير أن الزوج حاول أن يهون الأمر، وقال لي في اتصاله: الأب رجل متدين، يلازم صلاة الجماعة، ويقف في الصف الأول في كل يوم.

فقلت: هذا حسن وجيد، فلعل للكلمة الصادقة في مجلسه أثرًا لتدينه.

تحدد الموعد في ليلة ساكنة، وانطلقنا نحن الثلاثة في سيارة واحدة. وكان الأب يظن أن القادم هو الزوج وحده. وحين بلغنا البيت قال الزوج بهدوء:

لن أدخل معكم.. دخولكم أنتم أولى.

طرقنا الباب، فخرج الأب، وعلى وجهه ملامح التدين – أو ما يشبهها – فأدخلنا وجلسنا. بادرته بلطف:

– كيف حالكم؟

قال: الحمد لله.

ثم لم يلبث أن باغتنا بحدة قاطعة:

إذا جئتم لحل المشكلة، فلا كلام بيننا أصلا. قراري الطلاق، ولن أسمع منكما كلمة.

قلت بهدوء: لعل ابنتك ما زالت راغبة في زوجها.

فإذا به يثور، ويمشي نحو الباب صارخا: قوموا واخرجوا.. اخرجوا.

عندها قلت، وقد سقطت كل المجاملات:

تطردنا من دارك؟ ولم تعرفنا عند الله ولا عند الناس؟ الحمد لله الذي كشف ما في داخلك عند أول اختبار. تصلي الجماعة كل يوم، لكن آثار الصلاة لم تظهر عليك، ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾، فهذا فعل منكر. الحمد لله الذي أظهر حقيقتك وطبعك، ولا أشرف نفسي بأن أجلس معك مرة أخرى، واعلم أن الطلاق آت لا محالة بعد أيام.

خرجنا. التفتُّ الى الزوج وقلت له بمرارة:

طلقها.. فمشكلات أبيها أثقل من أن تحتمل. وطلقها بعد أيام.

الموعظة

لا تقرأ الناس من خلال أشكالهم الظاهريّة. فكثيرون – وربما أكثرهم – يُحسنون ارتداء قناع التديّن، فيما تخالف سرائرهم علانيّتهم. ولا تحكم على الإنسان من هيئته، فالقبّعة لا تكشف حقيقة الرأس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×