سوسن المرزوق.. أمّ “التخاطب” في القطيف رحلة الريادة بدأت بالصدفة.. وصالح الخنيني شجعها.. وأسست أول عيادة متخصصة

القطيف: فيء السنونة
“بدأت رحلتها بمحض الصدفة، وجعلت من خدمات النطق والتخاطب ركيزة صحية في القطيف، بل لم تكن تُدرك يومًا أن اسمها سيُكتب منفردًا على رأس الأوائل في تقديم تلك الخدمات”..
إنها سوسن منصور المرزوق، سعودية صنعت من صوت مرضاها المنسي إنجازها الأكبر.

كانت صدفة
في بداية الطريق، لم تضع “سوسن” علاج أمراض النطق والتخاطب ضمن اختياراتها في الدراسة الجامعية.
تقول لـ “صُبرة” “لضيق الوقت ولقرب انتهاء المدة المسموحة لتسجيل الرغبات الدراسية، سجلتُ اسمي في قائمة الراغبين للقبول في كلية الصيدلة”.

تتابع: “بمحض الصدفة، أثناء حديثي مع صديقة لي، ذُكرَ اختصاص علاج أمراض النطق والتخاطب، وكان جديدًا آنذاك، لكن شعرت بأن هذا الاختصاص يناديني، فتوجهت مباشرة للكلية وطلبت التحويل”.
وعن دراسة هذا الاختصاص، تؤكد أنها كانت ثرية ومليئة بالتحديات، لأنها تتطلب فهمًا دقيقًا للغة والنطق والتواصل، مع جانب عملي مكثف في علاج الحالات، مستطردة: “بمرور الوقت، اكتشفت أني محظوظة جدًا؛ فقد وجدت نفسي في مجال يجمع بين العلم والإبداع والإنسانية، ويسمح بمساعدة الأطفال والبالغين على التعبير عن أنفسهم وتحسين حياتهم”.

تحدي التأسيس
كانت القطيف هي الوجهة الأولى لتقديم خدماتها للناس، وحول تلك المرحلة، تروي لـ “صُبرة”: “توجهت إلى مدير مستشفى القطيف المركزي الأستاذ صالح الخنيني، وطلبت العمل بقسم أمراض النطق والتخاطب، ليرد بأن هذا الاختصاص لا يندرج تحت هيكلة أقسام المستشفى”.

صالح الخنيني
ولأن الاستسلام لا يعرف طريق “سوسن منصور المرزوق”، كان ردها على صالح الخنيني طريقاً لدعمها بكل قوة وإيمانه بها، إذ أكدت: “سأكون أنا أول من يفتحه”، وبالفعل تم استحداث القسم.

بدأ الحلم يتحقق على أرض الواقع، ورغم كثرة المرضى، ظلت سنوات بمفردها تقدم الخدمات الطبية في النطق والتخاطب دون ملل، لكنها كانت الشعلة التي أضاءت الطريق لمن خلفها، فمع الأيام بات في المستشفى قسمٌ خاص يضم أفضل الاختصاصيين في المجال، وبالتأكيد باتت على رأسه.
جهود “سوسن”، ورغم انشغالها بأسرتها وأبنائها الـ 3، لم تقتصر على تأهيل الفريق في المستشفى فقط، لكنها بذلت أضعاف هذه الجهود مع الأهالي لإقناعهم بأهمية الالتزام بالجلسات والتمارين المنزلية.

تكمل حديثها لـ “صُبرة”: “التحدي كان كبيرًا في تلك النقطة تحديدًا، فهناك من ينكر في الأساس وجود مشكلة، ومن يرى أن تحويل المريض للعيادة مجرد إجراء روتيني، وهو أمر محزنٍ للغاية إذ يؤخر ذلك من تحسن المريض”.
لحظات فارقة مع المرضى
استمرت سوسن في العمل بمستشفى القطيف المركزي منذ تأسيس القسم حتى آخر يوم في مسيرتها المهنية، لكن هناك محطات فارقة في تلك المسيرة.

تضيف: “في السنوات الأخيرة، أشرفت على العيادات الافتراضية في مركز التأهيل وأقسام الخدمات المساندة، وهي تجربة مميزة حيث تمكنت من إتاحة الفرصة للاختصاصيين لتوسيع الخدمات والتواصل مع المرضى وإدارة الجلسات عن بعد بكفاءة واحترافية وضمان استمرارية العلاج، خصوصًا في الفترات التي يصعب عليهم الحضور للمستشفى”.

آلاف الحالات المرضية تعاملت معها سوسن، لكن هناك حالتين تركتا أثرًا محفورًا في ذاكرتها.
الأولى لشاب تابع معها في عمر الخامسة عشر، وكانت المفاجأة بعد 10 سنوات، عندما عاد خصيصًا لزيارتها حاملاً طفله ليشكرها بابتسامة: “حبيت أوريك ولدي وأشكرك”.

الثانية: لطفلة ضعيفة السمع كانت ترتدي سماعة، وتلقت جلسات علاجية لفترة طويلة حتى حققت تقدمًا كبيرًا، وأصبحت اليوم خريجة جامعية وموظفة، لكن الاتصال معها لم ينقطع يومًا فما زالت تحرص على ودها شكراً وعرفاناً منها على ما قدمته “سوسن”.
رسالة “سوسن” لن تنتهي!
في نهاية المطاف، حيث بلغت سوسن سن التقاعد، تروي لـ صُبرة بعيون مليئة بدموع الفرح والحزن، بالفخر والامتنان، رحلتها لتؤكد أن أكبر شيء ستفتقده هو التواصل مع المرضى، خصوصًا الأطفال منهم، مشيرة إلى أن الرسالة لن تنتهي، وأنها مستمرة في تقديم الدعم عبر جهودها المجتمعية، إذ تؤمن أن “العمل الإنساني جزء لا ينفصل عن حياتها المهنية”.

وبذكر الجانب المجتمعي، تروي “سوسن” بفخر عن مشاركاتها الفعالة في جمعية العطاء النسائية، إذ تعتبرها من أجمل المحطات في حياتها، فبدأت كعضو بالجمعية ثم عضواً في مجلس الإدارة، إلى أن تولت لاحقاً منصب نائب رئيس الجمعية.
مع كل هذه الترقيات، شاركت في قيادة وتنفيذ مبادرات مجتمعية وتنموية استهدفت تمكين المرأة، ودعم الأسر، وتعزيز العمل التطوعي.

ختامًا؛ جهود “سوسن” الطبية لن تتوقف كما وعدت، إن لم تكن منها شخصيًا، فعبر من دربتهم في المستشفى، أو من خلال أبنائها الذين حملوا نفس الرسالة، فابنتها الكبرى (ريم) تدرس طب الأسرة، وكذلك (سلاف) تدرس الطب بسنتها الأخيرة، بينما تخصص (فارس) في تقنية المعلومات ويعمل بشركة تأمين.









