ورطة السيد علي مع “قبلت”..!

سحر أبو شاهين

“قبلت”، كانت هذه الكلمة هي كل ما تمناه المهندس “سيد علي” ذو الـ ٢٥ عامًا، بعد أن سأل عنه ذوو الفتاة التي تقدم لخطبتها حتى الأشجار المحيطة بحيهم. ولكنه فوجئ بوالد الفتاة يطلب منه مهلة لتتعرف ابنته عليه، تتواصل معه خلالها عن طريق “الواتس آب”.

 “سيد علي”، الذي لم يرفع طرفه في امرأة لا تحل له من قبل، أربكه الطلب ولكنه لم يرفض، كانت مواصفات الفتاة ضمن ما يرغب به.

بدأت بينهم المحادثات بالتعارف السطحي، ولكن خلال يومين انهالت عليه الفتاة بأسئلة كثيرة: لماذا درست الهندسة؟ كيف هي علاقتك بأمك وأخواتك؟ كيف كانت طفولتك؟ كيف ستتصرف لو حدث الموقف الفلاني بيننا؟ كم طفلًا تريدنا أن ننجب؟ ماذا لو رغبت في إكمال دراستي في الخارج؟ ماذا لو وجدت وظيفة براتب كبير في مدينة أخرى؟

“سيد علي”، وبعد أن بذل جهده ليجيب بما ظنه مناسبًا عن سيل الأسئلة، وبعد شهرين من المحادثات ليلاً ونهاراً، تلقى اتصالًا آخر من والد الفتاة يبلغه: “للأسف يا ولدي ما في نصيب”!

أصابه الرفض بالإحباط، فلم يدر بخلده أن كل “مميزاته” التي ظن أنها حلم كل فتاة، لم تكفِ ليحصل على زوجة..

ولكن ما أصابه في مقتل حقاً وأفقده شيئاً من ثقته بنفسه؛ هو تكرار هذا الرفض مرتين أخريين قبل أن توافق الفتاة الرابعة على الزواج.. ومن دون مهلة تعارف.

“قبلت”، كان يكفي لتنطق بها الفتاة في مجتمعنا القطيفي، لخاطب ذي تعليم ووظيفة جيدين، وسمعة نظيفة، ومظهر لائق.

كان يتم السؤال عن المتقدم لخطبة الفتاة بين جيرانه وأقاربه وربما حتى زملائه في العمل، وإذا كانت الإجابات إيجابية تتم الموافقة عليه ويعقد قرانهم خلال أيام.

هذا الحال تبدل وتغير خلال السنوات القليلة الماضية، لم يعد الراتب المكون من أربعة أصفار والسمعة البراقة وحتى الوسامة كافية لتقنع الشابات في سن الزواج بأنه الخيار المناسب لتكمل حياتها معه.

الشابة الآن تريد التعرف إلى الشاب نفسه عن قرب، تريد فهم شخصيته، تفكيره، هواياته واهتماماته، أسلوبه في الحديث وطريقته في التواصل الاجتماعي، توافقه معها وملاءمته لأهدافها وطموحها.

الفتيات الآن، وبعد أن تنتهي مرحلة تقييم الخاطب التقليدية بعد سؤال حتى عامل البقالة القريب من منزلهم عنه، تطلب مهلة تتحدث فيها معه على الهاتف أو حتى تجلس معه مرات متعددة في مجلس أهلها. هذه المهلة قد تكون محددة أو غير محددة بوقت، قد تطول لشهر واثنين وقد تقصر لأسابيع. بعدها تقرر الفتاة موافقتها من عدمها بناءً على ما رأته وشعرت به خلال هذه المحادثات واللقاءات.

ولكن هل هذه المهلة بالفعل كافية لتحكم فتاة على شاب بصلاحيته أو عدم صلاحيته للزواج؟ أغلب شبابنا نشأوا وترعرعوا في مجتمع يجرّم ويحرم ويشجب وينبذ ويستنكر كل تواصل من أي نوع بين الجنسين غير المحارم.  

بل إن الشاب يُنهى عن الجلوس والحديث مع بنات خالته وبنات عمه حتى في مجلس العائلة وبحضور الجميع بمجرد أن يظلل الشارب شفتيه. هذا الشاب الذي ليس لديه أحد يتحدث معه من الجنس الآخر إلا والدته وأخواته إن كان لديه أخوات، وخالاته وعماته إن وجدن وكان عمرهن ومتانة العلاقة تتيح ذلك.

هذا الشاب خبرته في التواصل الطبيعي مع الفتيات بمثل عمره منعدمة، وشخصيته في حضورهن مقيدة بألف قيد ومحظور. فإذا كان مع أصدقائه مرحًا منطلقًا في الحديث يظهر صفي اسنانه كل حين، يختتم موضوعًا مع هذا ليبدأ آخر مع ذاك، يتناولون خلال جلسات تمتد لساعتين وثلاث شتى الموضوعات، فهو بحضور فتاة غريبة لا يعرف ما يجب وما لا يجب قوله. فيظهر خلال مرحلة التعارف خلاف طبيعته: باردًا، متحفظًا، قليل الحديث، أو يقول ما لا يلائم قوله المقام. وبالنتيجة ترفضه الفتاة فيصاب بالإحباط، لا سيما حين يتكرر هذا الرفض عدة مرات. قد يبدو ما أقول مبالغًا فيه للبعض، ولكنه حقيقي وواقعي جدًا وسيكون أوضح خلال السنوات المقبلة.

بلغتني حالات ليست بالقليلة لشباب حسنوا المظهر، يعملون بوظائف جيدة جدًا، وتخرجوا من تخصصات تتطلب درجات عالية للقبول فيها، وسمعتهم ممتازة، ومع ذلك تعرضوا للرفض مرات عديدة لأنهم لم يمتلكوا مهارات اجتياز “مرحلة التعارف”.

الفتيات الآن لسن الفتيات قبل ٣٠ و٢٠ عامًا، حين كان الزواج والإنجاب أقصى أمنياتهن. لديهن الآن مجالات وخيارات وحرية أوسع للدراسة والعمل، يردن أن يكن مستقلات ماديًا، ويردن تحقيق ذواتهن، ويردن الحفاظ على صداقاتهن. وإن فكرن في الزواج فيجب أن يكون الزوج شريكًا حقيقيًا داعمًا ومحفزًا لهن للمزيد من الإنجاز والنجاح.

يجب أن يكون إضافة مثمرة لحياتهن التي بنينها باجتهادهن ومثابرتهن. الزوج اليوم هو جزء من حياتهن وليس كل حياتهن. الزوج يشارك في التربية والأحاديث الأسرية وفي الطبخ والتنظيف، وليس فقط ممولًا للأسرة، الزوج يناقش ويقنع ويسمع ويفهم، الزوج لا يلقي بأوامره وينتظر انصياعا أعمى.

الشاب الذي لا زال ينظر للمرأة كما نظر والده وجده، سيجد صعوبة في العثور على زوجة. والأم التي تربي أبناءها كما ربت والدتها إخوانها ستجعل ابنها خيارًا غير ملائم للكثير من الفتيات في سن الزواج الآن.

لكل زمن معطياته وقوانينه غير المكتوبة التي تلزم الجميع بها سواء رضوا بها أم لم يرضوا، قبلوا بها أم لم يقبلوا. التأقلم معها ومواكبتها تجعل الحياة أسهل، ومقاومتها هي سباحة عكس التيار.

‫2 تعليقات

  1. الزمن هو الزمن نفسه لا يتغير
    بسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني
    من الطرفين والتخلي عن الثقافة الاجتماعية والانبهار بثقافة الغربية وأيضا المسلسلات التي تعمل ليل ونهار على تغير النسيج الاسري
    اليوم ماذا تريد المرأة تريد التحرر وان تكون مستقلة بداتها حتى على حساب الأسرة وهناك الكثير من المواضيع عن هذا الموضوع مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي من اعطت المرأة حقوقها وصيانتها من التحلل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×