المسجد ليس جدراناً.. بل روحاً وسلوكاً

أمين العقيلي
حرص الإنسان على صلاة الجماعة شرفٌ كبير، ونعمة تستحق الشكر. وكلما كثُر ارتياد الناس لبيوت الله، ازدادت الحاجة إلى تجديد الروح التي بُنيت لأجلها المساجد: روح الرحمة، والسكينة، والتآلف، والإخلاص لله.
ولكن—ومع الأسف—قد تظهر في بعض المساجد ممارسات لا تليق بجلال المكان ولا بروح العبادة؛ ممارسات تُنَفّر، وتزرع الفرقة، وقد تدفع البعض لترك المسجد أو ترك صلاة الجماعة.
وهذا يدعونا جميعاً—إدارةً وروّاداً وأئمةً—إلى التوقف، والتأمل، وإعادة إحياء المعاني التي أُنشئت لأجلها المساجد.
أولاً: رسالة محبة لروّاد المساجد
١. ترسيخ الإخلاص في كل عمل
الأذان، والصف الأول، وتقديم النفس في العبادات ليست ميادين تنافس دنيوي أو فخر شخصي؛ بل هي مواطن إخلاص وخضوع.
ومن المؤسف أن يتحول الدعاء بعد الصلاة إلى مجال تنافسٍ غير لائق بين بعض المصلين حول من يتقدم أو يرفع صوته، وكأنها منزلة شخصية أو ميدان سبق.
والدعاء في أصله تضرعٌ وخشوع، ويجب أن يكون منسقاً وتحت إشراف لجنة تعنى بهذا التنسيق، حتى تُحفظ هيبة المكان وتُغلق أبواب النزاع.
٢. تهذيب النقاش وحفظ هيبة المسجد
المسجد لا يحتمل الأصوات العالية، ولا يحتمل الجدال أو رفع الحدة في الحديث.
هو مكان تُرفع فيه الدعوات، لا الحواجز بين القلوب.
٣. ترك التحزّبات والتمييز
من غير اللائق أن تتحول بيوت الله إلى مجموعات، أو أن يُنظر إلى المصلين بمنطق “معنا” أو “ضدنا”.
المسجد يجمع الناس على كلمة التوحيد، فلا يجوز أن يُفرّقهم على تفاصيل الدنيا.
٤. تمثّل الأخلاق التي نُصلّي بها
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر…
فإن لم تنهَ عن الغلظة، والتحزّب، والتعالي، وسوء الظن، فما الذي نرجوه منها؟
ثانياً: رسالة تقدير وتوجيه لأئمة المساجد والمؤذنين
إنّ الإمام والمؤذن هما وجه المسجد وروحه، والناس تقتدي بسلوكهما قبل علمهما. ومن جميل المسؤولية أن يكونا سبباً في جمع القلوب لا تفرقتها.
١. الالتزام الدقيق بمواقيت الصلاة
التأخر أو التقديم غير المنضبط يُربك الجماعة ويترك أثراً على المصلين، ويدفع البعض للبحث عن مسجد آخر.
٢. التواضع وحسن الاستقبال
كل كلمة لطيفة، وكل ابتسامة، وكل تعامل كريم من الإمام أو المؤذن تُحيي القلب، وتجعل المسجد مكاناً محبباً يُفتقد إذا غاب الإنسان عنه.
٣. إدارة الخلافات بحكمة
كم من مشكلة صغيرة انطفأت بكلمة هادئة من إمام حكيم…
وكم من خلاف بسيط تحول إلى شرخٍ كبير حين غاب صوت العقل.
٤. رسالة مهمة لبعض أئمة المساجد
لوحظ في بعض المساجد أن بعض الأئمة لا يحضرون للصلاة في الأيام التي لا يكونون فيها إماماً، ولا يظهرون إلا في الأيام المخصصة لهم.
وهذا—مع كامل التقدير—لا يليق بمقام الإمامة؛ فالإمام قدوة قبل أن يكون صاحب وظيفة، وحضوره ضمن الجماعة في غير أوقات الإمامة يعزز الثقة، ويُشعر رواد المسجد بأنهم في رعاية دائمة، ويزيد من هيبة المسجد وتنظيمه.
ختاماً: لنعُد للمسجد رسالته الأولى
المسجد ليس مكاناً للصلاة فقط…
إنه مدرسة أخلاق، وميدان تزكية، ومنبعُ رحمة، ومأوى للقلوب قبل الأجساد.
فلنسعَ جميعاً أن يكون المسجد جاذباً لا طارداً، وملاذاً آمناً لا ساحة خلاف، ومكاناً ترتاح فيه الروح قبل القدم.
نسأل الله أن يجعل مساجدنا عامرة بالإيمان، عامرة بالإخلاص، عامرة بالمحبة، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل.







