دراسةٌ أسترالية: نصف النساء يعانين مشكلات في الصحة الجنسية عند منتصف العمر


ترجمة: عدنان أحمد الحاجي
بينت دراسة أجرتها جامعة موناش أن ما يقرب من 50 في المائة من النساء في منتصف أعمارهن يعانين من تراجع في الصحة الجنسية خلال الفترة التي تسبق انقطاع الطمث، أو ما قبل سن اليأس، (وهي المرحلة الانتقالية التي تسبق انقطاع الطمث) بمجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
من ناحية العوامل البيولوجية، تشهد المرأة خلال هذه الفترة تغيرات هرمونية، حيث تنخفض مستويات هرمون الإستروجين، مما يؤدي إلى جفاف المهبل، وترقق أنسجته، وانخفاض مرونته. ما قد يجعل المقاربة الخاصة مع الزوج غير مريحة وقد تكون مؤلمة. كما ينخفض خلال هذه الفترة هرمون التستوستيرون، ما قد يقلل من الرغبة ومستوى الإثارة الجنسية.
أما ما يخص الأعراض البدنية التي تتعرض لها المرأة نتيجة لانقطاع الطمث فتظهر عندها هبات السخونة، والتعرق الليلي، واضطرابات النوم، والتي قد تسبب تعبًا، وتقلل بشكل غير مباشر من مستوى الرغبة الجنسية. وقد تعاني النساء في منتصف العمر من أمراض مزمنة (مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وداء السكري)، والتي قد تؤثر في تدفق الدم والوظيفة الجنسية.
من العوامل التي لها دور في ضعف الرغبة الجنسية العوامل النفسية، ومنها تقلبات المزاج والقلق والتوتر وشعور بعض النساء بالإحباط بسبب التغيرات التي تطرأ على الوظيفة الجنسية، ما قد يحد من الطاقة الذهنية، وبدورها تقلل من مستوى الرغبة الجنسية بشكل كبير.
نادرًا ما يكون التراجع في الصحة الجنسية في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث ناتجًا عن سبب واحد – بل عادةً ما يكون مزيجًا من عوامل بيولوجية، وبدنية، ونفسية، واجتماعية تؤثر في بعضها البعض، ما يُشبه حلقة مفرغة، وبالتالي تؤثّر في مستوى الرضا عن العلاقة الحميمة.

نُشرت الدراسة (1) في مجلة لانسيت لأمراض النساء والتوليد وصحة المرأة، ويُعتقد أنها الأكبر من نوعها، واستكشفت انتشار الصعوبات الجنسية والضغوط الشخصية المرتبطة بالعملية الحميمة عند النساء في منتصف العمر. وحددت الدراسة فترة ما قبل انقطاع الطمث المبكر باعتبارها فترةً بالغة الأهمية للتغير في الصحة الجنسية، مُؤكدةً على الحاجة إلى استراتيجيات علاجية وإرشادات سريرية أفضل للنساء في هذه المرحلة العمرية.
صرحت البروفيسور سوزان ديڤيس Susan Davis، الحاصلة على زمالة في الطب النفسي والمؤلف الرئيس للدراسة، والتي ترأس برنامج أبحاث صحة المرأة في كلية الصحة العامة والطب الوقائي، جامعة موناش الأسترالية، بوجود شكوك كبيرة، حيث الأدلة غير حاسمة بشأن شيوع الخلل الوظيفي الجنسي لدى النساء بسن يتراوح بين 40 و69 عامًا وتأثير مراحل انقطاع الطمث في مختلف مجالات الوظيفة الجنسية، حيث أسفرت الدراسات السابقة عن نتائج متضاربة أو غير واضحة حول عدد النساء في منتصف العمر اللواتي يعانين من مشكلات جنسية، مثل انخفاض الرغبة الجنسية، أو الألم أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، أو صعوبة الوصول إلى النشوة الجنسية.
كما أنه قد يكون هذا الغموض منبثقًا عن الاختلافات في تعريف الخلل الجنسي لدى النساء، أو طريقة قياسه، أو فئات النساء التي خضعت للدراسة، كما أنه لا يوجد تقدير متسق أو موثوق لمدى انتشار الخلل الجنسي لدى النساء في تلك الفئة العمرية.
لذا، تهدف هذه الدراسة إلى سدّ هذه الفجوة، وذلك بتوفير بيانات أكثر دقة حول انتشار الخلل في الوظيفة الجنسية لدى النساء في منتصف العمر.
“غالبًا لا تُعطى أهمية لدور الصحة الجنسية باعتبارها عاملًا مهمًا في الصحة العامة، ربما لأسباب تتعلق بالتابو المجتمعي والشعور بالخجل من مناقشتها بشكل صريح. إلُا أنه لا يمكن تجاهل تأثير الصحة الجنسية، حيث لا تقتصر على العلاقة الحميمة البدنية فحسب، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة النفسية والاجتماعية، وخاصةً للنساء، كما قالت البروفيسور ديڤيس. وتؤكد البروفيسور ديفيس على الطبيعة الشاملة للصحة، وأن الصحة الجنسية تعتبر جانبًا أساسًا من جوانب الصحة العامة، إلا أنها لا تحظى بالأهمية في نقاشات الصحة، والتي غالباً ما يُركز فيها على الجوانب البدنية أو النفسية، وينسى الدور المهم للصحة الجنسية في الصحة العاطفية والنفسية والسعادة الشخصية والانسجام في العلاقات بين الزوجين. وكما تشير البروفيسور ديڤيس إلى تبعات تدهور الصحة الجنسية، التي لا تقتصر فقط على العلاقات الحميمة، ولكن تمتد وتؤثر في جودة الحياة بشكل عام. وعليه، فالاعتراف بمشكلات الصحة الجنسية باعتبارها جانبًا أساسًا ومشروعًا من صحة المرأة العامة، من شأنه أن يسمح بحوار أكثر انفتاحًا، ورعاية أفضل، وتحسين مستوى جودة الحياة.
شملت الدراسة 5468 امرأة أسترالية يتراوح سنهن بين 40 و69 عامًا. من بين المشاركات، عانت 2583 من ضائقة شخصية مرتبطة بالصحة الجنسية – أي يشعرن بالقلق أو الانزعاج بشأن الصعوبات الجنسية التي يعانين منها؛ وواحدة من كل أربع نساء عانت من خلل وظيفي جنسي يمكن تشخيصه (على سبيل المثال، مشكلات في الرغبة الجنسية، أو الإثارة، أو النشوة الجنسية التي تُسبب الضائقة النفسية)، وواحدة أخرى من كل أربع نساء عانت من ضائقة جنسية دون أن يشخص لديهن خلل وظيفي جنسي واضح، وفقًا للمعاييرالسريرية.
الخلل الوظيفي الجنسي للمرأة ينطوي على صعوبات جنسية تسبب ضائقة نفسية شخصية. تُصنف هذه الصعوبات وفقًا للتصنيف الدولي للأمراض، المراجعة الحادية عشرة (ICD-11) على أنها مشكلات تتعلق بالرغبة والإثارة والنشوة، أو اختلالات وظيفية غير محددة. يرتبط الخلل الوظيفي الجنسي عند النساء بتدهور في الصحة النفسية وانخفاض في مستوى جودة الحياة، ما من شأنه أن يجعل هؤلاء النسوة أكثر عرضة للاكتئاب، والإبلاغ عن ضغوط نفسية وتوتر في العلاقات الزوجية وعدم الرضا وانهيار تلك العلاقات (المتمثلة في الانفصال، أو الطلاق، أو الانفصال العاطفي، حتى لو بقيا معًا في بيت واحد).
في هذه الدراسة، كان انخفاض الرغبة الجنسية (13.3%)، وضعف الإثارة الجنسية (13.1%)، وضعف صورة الذات الجنسية [وهي جانب من صورة الذات العامة للمرأة، التي تحملها عن نفسها، ومن بينها تصوراتها ومشاعرها حول قدراتها الجنسية وجاذبيتها ومظهرها الخارجي] (12.8%) من أكثر الاختلالات الوظيفية الجنسية شيوعًا.
وصرحت البروفيسور ديفيس: “بالرغم من أن دراستنا كشفت أن الانخفاض في الرغبة والإثارة الجنسية هما أكثر الصعوبات الجنسية شيوعًا، إلا أن المشاركات اللاتي يعانين من ضعف في صورة الذات الجنسية كن الأكثر عرضة للإصابة بالضائقة النفسية المصاحبة.”
الدكتورة يوان يوان وانغ Yuanyuan Wang، من كلية الصحة العامة والطب الوقائي، وهي المؤلف الرئيس للدراسة. صرحت أنه “وبعد الأخذ في الاعتبار عوامل، مثل الأصل العرقي، وحالة الشريك الزوجية، ومؤشر كتلة الجسم، وجفاف المهبل أثناء العملية الحميمة، وأعراض الاكتئاب المتوسطة إلى الشديدة، والاستخدام الحالي لمضادات القلق أو مضادات الاكتئاب، والتعرض للعنف النفسي أو الجنسي، وجدنا أنه مع تقدم السن، تزداد الصعوبات الجنسية (مثل انخفاض الرغبة أو مشكلات الإثارة) بشكل عام، بينما تنخفض المعاناة المرتبطة بالجنس، أي مدى انزعاج النساء بسبب هذه الصعوبات، بالفعل مع التقدم في السن.”
وجد الباحثون أن النساء اللواتي يتراوح سنهن بين 55 و59 عامًا لديهن أعلى احتمالية للإصابة بخلل وظيفي جنسي، ما يعني أن التقدم في السن قد يكون عاملًا رئيسًا مساهمًا في هذه العلاقة – فمع بلوغ النساء منتصف العمر، تزداد الصعوبات الجنسية، خاصةً في أواخر الخمسينيات.
قالت البروفيسور ديفيس: “إن الزيادة المُضاعفة في انتشار المشكلات المتعلقة بالرغبة والإثارة الجنسية وصورة الذات الجنسية بين المشاركات في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث المُبكرة (المرحلة التي تبدأ فيها الدورة الشهرية في عدم الانتظام) ، مُقارنةً بالمشاركات في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث (اللاتي لا تزال دوراتهن الشهرية منتظمة). هذا يُثبت أن مرحلة ما قبل انقطاع الطمث المبكر هي فترة حساسة أو معرضة بشكل خاص لظهور صعوبات جنسية. تُبرز هذه المرحلة باعتبارها فترة تكون فيها المرأة عُرضة للإصابة بمشكلات الرغبة الجنسية.
ولكن أفضل إرشادات الممارسة السريرية وخيارات العلاج للنساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث. لمشكلات الرغبة الجنسية في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث قليلة جدًا لمساعدة الأطباء على إدارة وعلاج خلل الوظيفة الجنسية أثناء مرحلة ما قبل انقطاع الطمث. بالإضافة إلى ذلك، تقتصر العلاجات المُعتمدة من الجهات الصحية لمشكلات الرغبة الجنسية على ضعف الرغبة وتقتصر على النساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث أو بعد انقطاع الطمث. ونظرًا للانتشار المُلاحظ لمشكلات الرغبة الجنسية لدى النساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث، فإن هناك حاجة ماسة إلى أفضل إرشادات الممارسة السريرية وخيارات العلاج للنساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- https://www.thelancet.com/journals/lanogw/article/PIIS3050-5038(25)00024-X/fulltext
المصدر الرئيس
https://www.monash.edu/medicine/news/latest/2025-articles/largest-study-of-its-kind-explores-sexual-dysfunction-in-women-at-midlife








