بنادر الغوص المنسية: بندر لِرفيعه لآليء الهيرات القريبة من راس تنورة هي المرغوبة في أسواق مومباي وباريس

حسن دعبل
في سرديةٍ منسية من موروثات الغوص وفنونه البحرية؛ أنّ النهام البحريني سالم العلاّن قبل أن يتسامر ويسمر مع ربعه في دار النهامة المعروفة بدارين، قام آمراً:
عندما نسمر ونطرب، وقبل آذان الفجر، نسري إلى البندر و”نرگي” الطويلة جالبوت القروص!
السردية ربما غريبة، لمن لم يسمع بهذا البندر المنسي، أو يذهب به السؤال: ما علاقة العلاّن بالبندر والجالبوت؟
البندر في لسان أهل الغوص، هو المرفأ أو الميناء كما يُعرف لأهل الكتابة، ولأن البنادر كانت مُشاعة حينذاك لخشب الغوص، في أوقات وأيام مجده وغلاء أثمانه، وزينته.

والبنادر مواقع ومنازل في قلوب البحارة وحنين، ودوحة آمنه من غدر البحر وأهواله، فقد تميز بندر “لِرفيعه” بتلك المكانة الآمنة من الجوع والخوف. وبحسب موقعه الجغرافي القريب من الهيرات لكل خشب الغوص المُبحرة من سافل وعالي خطف أشرعتهم، وحتى المُدبّرة من بر فارس.
فالهيرات المُشارة هي القريبة الآن من ميناء رأس تنورة النفطي بمختلف المُسميات والأسماء؛ وحتى الدّانات الساكنة في محاره هي المرغوبة في أسواق مومباي وباريس؛ البرّاقة بلونها، وبرودتها على الأعناق.
لذا ظلت هذه الهيرات الغنية بمحارها، مصبوغة بدم الحروب بين قوى بحرية دائمة للسيطرة والنفوذ، واحتكار تجارة اللؤلؤ. أما البندر فهو الأقرب والملفى للهروب من الدم والخوف، والفزع والملاذ.
فهو القريب من دارين ودور طربها، وبيوت الطواشين الدائمة، والموسمية، وقصر الطواش المعروف محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، بديوانه وضيافة مجلسه، وما تتلاقفه أيدي الطواشين للؤّلؤ والدّانات قبل ألسنتهم اللاّهجة بأثمان ومفردات تبدو عجيبة، ومُغلّفة لغير أهل المهنة؛ لسرّية طلاسم الأثمان والأسواق البعيدة.
فحين تحطّ الأشرعة طارحة في البندر، بعد عطش الغوص وجوعه؛ تقفز الأجساد بسمرتها راكضة نحو يابسة مُغبشّة شاخصة لنخيلٍ طارحة عذوقها قرب الماء مُتدلٍ رطبها قبل النضج والتمر؛ تتلقّفه أيدٍ خشنةٌ حادّةٌ من جرِّ الحبالِ وفَلْقِ المُحار.
تغيب أجسادهم ورُسومهم في غابةِ النخيل، مُتناسيةً أهوالَ ما مرَّت بهم من ليالي الحرِّ وقيظِ العطش.
مات الغوص وحروبه، فنُسيت كل الأهوال والمحن.
لم تُسجلها الدفاتر، ولا مخطوطات لوريمر الملفوفة، إلا ما تلقفته الحكايات والبنادر البعيدة قبل القريبة، فحفظت بعض ما صُحّف من مروياتٍ مسرودة بتناقصٍ، أو ما أزيد لها من رغبة مُدونها، حسب الأهواء والمكان، ومالم يُحفظ في بروات الصناديق.
تناست مهنة الغوص تمامًا، وحتى فنونها البحرية ظلت حبيسة أرشيفات باهتة تطل بين برهة وأخرى، وفي أوقات الحنين. غير أن أرشيفٍ ربما يُحسب له التسجيل قبل السرد والرواية، وربما أيضاً بحنين السنين، وسجلات الغوص المُؤرشفة لبرامجٍ حبيسة للأيام.









