2] العراق الذي لا أعرف: بين طريقين

حبيب محمود

بمجرد أن شاهدتُ سيارة السائق الذي جاء لينقلنا إلى النجف؛ بدأت أتعرف إلى العراق الراهن. عراق ما بعد 2003، بمفردات حياته الاستهلاكية الغربية الجديدة.

جاء السائق بسيارة “دوج” من طراز “تشارجر”. هذا الطراز له انتشار واسع في العراق، وهو مُفضَّل كسيارة أجرة “تاكسي” بين المحافظات.

سيارة ثقيلة وثابتة وسريعة. سيارة أمريكية الصنع، ربما من المحال أن تجد مثلها قبل 2003. قال سائقنا الشاب إنه اشتراها بـ 6 دفاتر..! وكلمة “دفتر” عند العراقيين تعني 10 آلاف دولار أمريكي. وقد اشتراها مستعملة من أربيل..!

ولأنها سيارة ذات متانة؛ أخذ السائق راحته في السرعة. ومثلي لا يصبر على مثله. مثلي لا يمانع من النزول لو وصلت السرعة إلى 150 كيلو. وسائقنا يقول إن السرعة في هذا الشارع الدولي تصل إلى 180..!

ونحن لا نتحدث عن السرعة وحدها؛ بل عن وضع طريقٍ دولي ذي ثلاثة مسارات، تتنقل الشاحنات والسيارات بين مساراته بلا ضوابط ولا حسابات آمنة، ولا رقابة تخفف من غلواء السائقين.

ومثلي يفخر بأنه آتٍ من دولةِ فيها “ساهر”، وفيها انضباطٌ صارمٌ نجح في تخفيض وفيات الحوادث والحوادث الجسيمية إلى النصف في خمس من السنوات..!

عند توقفنا للصلاة في محطة وقود؛ أسررتُ إليه بما في نفسي، فقلت: لديّ عدوّان لا طاقة لي عليهما: الملح الزائد، والتوتر. فضلاً عن أنني أحمل فوبيا السرعة. وخلاصة “هدرتي” معه؛ هي ألّا سرعة فوق 120 كيلو متر في الساعة..!

وهذا ما التزمه الرجل حتى آخر الرحلة.. في النجف.

وهكذا استغرقت رحلتنا كاملة، من القطيف إلى النجف، قرابة 15 ساعة، بما فيها أوقات الجمارك الأربعة، في الخفجي، والنويصيب، والعبدلي، وسفوان.

صحيح؛ إن هناك زيادة 4 ساعات على ما أخبرني به الذكاء الاصطناعي؛ غير أنني على رضا تامّ، إذ الغاية من كل رحلة هي السلامة قبل السرعة.

رحلة 1978

في بداية عطلة الصيف من العام 1978م؛ كانت أولى سفراتي إلى العراق، طفلاً برفقة العائلة. وقد شملت تلك السفرة البرّية الطويلة إيران التي قضينا فيها أكثر من 40 يوماً، بينها شهر رمضان كاملاً في مدينة “مشهد”، قبل أن نعود إلى العراق بعد عيد الفطر.

انطلقنا من العوامية عصراً، ووصلنا إلى مدينة كربلاء بعد عصر اليوم التالي. جزء كبيرٌ من الوقت استُهلك في المنافذ البرية. وأتذكر أننا بتنا ليلة كاملة في “سفوان” الذي كانت أرضيته بساطاً من “ألحصَم”.

كانت سفرتنا في سيارة من طراز “سوبربان”، كالتي تظهر في الصورة. وهذا النوع من السيارات كان مستخدماً كـ “تاكسي” دوليّ، وهو المفضّل لدى العائلات في أسفار العراق بالذات. وبسبب اتساعه؛ قد يستوعب عائلتين أو ثلاثاً في الرحلة الواحدة. وهناك كثيرون من “الكدّادة” يعتاشون عليه طيلة أيام السنة.

ووقتها؛ كل طرق العراق مزدوجة، وضيقة، وتمرّ من المحافظات والأقضية، ولهذا تلتوي بحسب المسارات.

حالياً؛ هناك طريق دولي واسع، ومباشر، ومستقيم.

اقرأ أيضاً

1] العراق الذي لا أعرف: لا سواد في السواد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×