استكشاف نقاط التقاء الطب بالدين

ترجمة: عدنان احمد الحاجي
كتب المقدمة الدكتور رضي حسن المبيوق، أستاذ علم النفس التربوي السابق، جامعة شمال أيوا.
تنصل من المترجم:
“دراسات، مثل هذه، تحاول التجسير بين الطب والدين جديرة بالاطلاع على أهدافها وأسلوب تناولها ونتائجها. صحيح أنها تركز على العلاقة بين الكنيسة والجسد الطبي، لكن المفهوم جدير بالملاحظة والتعميم، وقد تستفيد منه المؤسسات والمراكز الدينية في البلدان الإسلامية. نقلنا إياه هنا، لا يعني أننا نتفق أو نختلف مع محتواه جزئيًا أو كليًا، وإنما لإثراء المحتوى العلمي واستفزاز التفكير وعرض وجهات نظر أخرى قد تكون مصدر إلهام لتوليد أفكار جديدة.
مقدمة الدكتور رضي حسن المبيوق
هذا البحث القيم مؤشر ايجابي على انفتاح بين عالم الطب وعالم الدين والطاقة الروحية على بعضهما البعض، والتي اريد لهما أن يكونا منفصلين، وكأن لا شأن لأحدهم بالآخر.
فهم الدور الذي يلعبه العامل الروحي في العلاج يفيد كلًا من المعالج والمريض على حد سواء، ويدفع بعجلة البحوث في هذا المجال، وخاصة في تفكيك شفرة الآلية التي تنتجها الطقوس والممارسات الدينية من صلاة وأدعية من آثار في التعامل مع الألم الناتج عن الحالة المرضية وإدارته.
نتائج البحوث من الطرفين الديني والطبي تشير إلى أن الإعتقاد الديني يساعد المريض على تحمل الألم والتعامل معه وإدارته بأشكال شتى ومنها:
1- الإعتقاد الديني يوفر آلة قوية للمريض تساعده على وضع حالته المرضية في إطار روحي أوسع وأعمق. وفي رحاب سعة هذا الإطار يشعر المريض بأنه قادر على ادارة ردود فعله تجاه المرض الذي يعاني منه. وهذا يؤدي بدوره إلى تغير في كيف ينظر المريض إلى ما يعاني منه.
2- الوسائل الروحية، من صلاة ودعاء وتأمل (لدى البعض)، للتعامل مع الألم تساعد المريض على النظر إلى المرض بطريقة تزيد وتعزز من تحمله له. وهذا يؤثر في استجابة الجسم بالإسترخاء.
3- للبدن آلة استجابة للراحة؛ والمشغل لتلك الآلة هو الإستشفاء الروحي عن طريق الصلاة، أو الدعاء، أو التأمل (عند البعض) التي تساعد الجسم على الوصول إلى حالة الهدوء والراحة والسكينة. وهذه الإستجابة البدنية تساعد في عملية الشفاء، وتحد من حدة الألم الناتج من المرض.
4- الإعتقاد يعزز الحالة النفسية بشكل كبير فهو يزيد من منسوب الأمل والتفاؤل ويرفع من مستوى النجاعة الذاتية self-efficacy بطرد المشاعر السلبية، كالشعور بالضعف والعجز وشعور المريض بأنه لا حول له ولا قوة.
5- يلاحظ بأن المرضى المتدينون يستخدمون استراتيجيات أكثر ايجابية في التعامل مع المرض وإدارته، ما يساعدهم على تقبل المرض و التحكم في كيفية نظرهم إليه واعتبارهم له.
المقال الذي بين يديك ركز على أهمية إجراء بحوث علمية مكثفة ودقيقة لمعرفة تأثير الممارسات الروحية في تحمل آلآم المرض. والبحوث التي استشهد بها في المقال هي ترجمة فعلية لعملية التجسير بين الطب والدين وردم الفجوة، التي استمرت بين هذين العالمين ليتمكن الطبيب بالقيام بمهامه العلاجية بشكل تكاملي وشمولي يجمع فيه بين الطب والروحانيات لتكون خطة العلاج الشاملة، وليس فقط مقتصرة على البعد البدني للمريض، بل أيضًا على الأبعاد الروحية.

الدراسة المترجمة
منذ تسعينيات القرن الماضي، أبدى الباحثون اهتمامًا متزايدًا بالتداخل بين الطب والدين (1). وقد أكّد مجال الطب التكاملي الناشئ بشكل خاص على أهمية الرعاية الشمولية (2) للمرضى، حيث تُدمج الأبعاد النفسية والاجتماعية والروحية في التقييم والعلاج. تُقدّم العديد من كليات الطب الآن تدريبًا على أساليب تلبية الاحتياجات الدينية والروحية للمرضى، مما يُهيئ أطباء المستقبل لتقديم رعاية شمولية ومُستنيرة من الناحية الثقافية المجتمعية (3). في حال تطوير أساليب علاج، وخاصةً للمرضى الذين يعانون من آلام مزمنة، من الضروري مراعاة أبعاد متعددة للتجربة الإنسانية واعتماد نهج خاص بكل مريض (1).
طوّر فريق بحثي متعدد التخصصات نموذجًا بحثيًا مبتكرًا لتعزيز الدراسات التي تتناول تقاطع الدين مع الطب (أي مدى تفاعل العوامل الروحية أو الدينية مع الطب أو المخرجات الصحية). يُعدّ نموذج الكنيسة والأكاديميا إطارًا غير طائفي (مثلًا، مسيحية لا طائفية) مُصمّمًا للمساعدة في إنتاج بحوث عالية الجودة والتحقق من صحتها. النموذج غير الطائفي هو نموذج غير مرتبط بأي دين أو كنيسة معينة. ويهدف إلى جعل الدراسات البحثية التي تتناول هذا المجال أكثر دقة واتساقًا، وذلك بإيجاد آلية واضحة لإجراء مثل هذه الدراسات وأدوات لقياس الممارسات الروحية أو الدينية، ووضع مصطلحات ومفاهيم مشتركة يستخدمها الجميع. باستخدام هذا النموذج، طور الفريق أداة قياس نفسي (استبانة علمية) تُسمى “الصلاة PRAYER”، لقياس الممارسات الصلاتية في الألم المزمن. وطوّر الباحثون هذا النموذج بعد إدراكهم وجود نقص في وجود آليات يمكن استخدامها في هاتين الممارستين، والحاجة إلى مصطلحات مُوحّدة، وعدم وجود أداة مُخصصة لقياس ممارسات الصلاة (والتي تشمل الدعاء والتأمل) في حالات طلب الشفاء من الألم المُزمن أو تخفيفه.
استُخدم النموذج لتطوير أداة “الصلوات PPRAYERS، وهي أداة قياس نفسية للصلاة المرتبطة بالألم. قياس الصلاة المتعلقة بالألم هي تحويل الصلاة إلى شيء يمكن دراسته (قياسه) منهجيًا، لفهم مدى ارتباط ذلك بالشعور بالألم، والتأقلم معه، والمخرجات الصحية الأخرى.
ويشمل النموذج أمورًا، مثل، نوع الصلاة، والتي منها الصلاة التوسلية لطلب الشفاء، أو القوة والتحمل، أو إيجاد معنىً روحي، أو الشعور بالارتباط بقوة عليا. كما يشمل التكرار والسياق: عدد مرات الصلاة وأوقاتها وما إذا كانت فردية أو في جماعة. ما إذا ما كانت تعكس الأمل، أو الإحباط، أو السلام، أو المعاناة، ومدى اعتقاد الشخص بأن الصلاة تُساعده في تخفيف ألمه أو راحته النفسية.
استُخدم هذا النموذج لتطوير أداة “الصلوات”، وهي أداة قياس نفسية لقياس الصلاة المُرتبطة بالألم، بعد التعرف على الحاجة المطلوبة التي لم تُستجب، اتبع الفريق دورة “المعرفة إلى العمل” (إطار عمل مُنظّم يترجم المعرفة البحثية إلى تطبيق عملي – أي كيفية انتقال المعرفة إلى الفعل. الموضحة في الإطار لجمع البيانات والتحقق من صحة البحث. فهذا يعني أن الباحثين استخدموا هذه العملية التدريجية من نموذج الكنيسة والأوساط الأكاديمية من أجل: اكتشاف الفجوة المعرفية (حيث لا توجد أداة لقياس الصلاة من أجل الألم سابقًا)، وإيجاد أداة القياس واختبارها وتحسينها، ومن ثم نقلها من النظرية إلى التطبيق العملي في أطر البحث والرعاية الصحية.
يقول بنجامين دوليتل Benjamin Doolittle، دكتوراه في الطب، وماجستير في اللاهوت، ومدير برنامج ييل للطب والروحانيات والدين في كلية ييل للطب (YSM)، والمؤلف الرئيس للورقة البحثية (4): “يمكن لأي أحد استخدام هذا النموذج لاستكشاف التأثير المحتمل للدين والروحانية والصحة، بما في ذلك الممارسات التعبدية (مثل الصلاة أو التأمل)، في المخرجات الصحية (كيف تتغير صحة الشخص – إلى الأفضل أو الأسوأ – نتيجةً لهذه المؤثرات التعبدية أو الروحانية.
تقول مارتا إيلوكا Marta Illueca، المؤلف الرئيس: “الصحة التكاملية مجال يجمع بين الطب التقليدي والمناهج التكميلية (مثل اليقظة الذهنية، والصلاة، والعلاجات البديلة) – وهي آخذة في النمو. وتؤكد على أنه إذا أراد الباحثون مواصلة دراسة مدى التقاطع بين الدين والطب، فعليهم القيام بذلك بصرامة واستنادًا إلى القواعد العلمية، وليس فقط الاعتماد على السرديات.
يضيف الدكتور بنجامين دوليتل أن المجال الديني (الكنيسة، مثلًا) والمجال الأكاديمي (الجامعات ومؤسسات البحث) يعملان عادةً بشكل منفصل، كلٌّ منهما داخل مجتمعه الخاص به. ويفيد بأن الشراكة في هذا المشروع البحثي هي بمثابة التجسير بين هذين المجالين. ويضيف: “نموذج الكنيسة الأكاديميا يدرك أن الكنيسة والأكاديميا بحاجة إلى بعضهما البعض. كما أننا بحاجة إلى المزيد من التجسير بين هذين المجتمعَين، لأنه من هنا تنبثق الأفكار الرائعة.” مساعدة المجتمعات الدينية والأكاديمية على التعاون، باستخدام أساليب ومعايير مشتركة لإنتاج أبحاث عالية الجودة وذات مصداقية، تسمح لكلا الجانبين بالتعلم من بعضهما البعض وتعزيز بعضهما البعض.
وفقًا لدوليتل، التحديات التي تواجهها كل مجموعة تعتبر تحديات قاسية. ويشير إلى أن الأوساط الأكاديمية عادةً غير متجذرة تجذرًا عميقًا في المجتمع، ذلك لأنها تعمل بمعزل عن حياة المجتمع، بينما الكنيسة متجذرة فيه بقوة. لكن، في المقابل، غالبًا ما تفتقر المؤسسة الدينية (الكنيسة، مثلًا) إلى الموارد المالية اللازمة للبحث العلمي، وهو ما يعتبر تحدٍّ نادرًا ما تعاني منه الأوساط الأكاديمية.
بالرغم من البعض قد يعتقد أن المجتمع الديني والمجتمع الأكاديمي مختلفان تمامًا، يُشدد دوليتل على مدى ارتباطهما الوثيق وتشابكهما وتشابههما، وكيف تُشكل هذه العلاقة أساس برنامج جامعة ييل للطب والروحانيات والدين. يُمثل البرنامج منصةً لتبادل الأفكار بين المؤسسات الدينية والأكاديميين، واستكشاف مدى تأثير مجالي الطب والدين في بعضهما البعض.
وفقًا لدوليتل، التقاء علم النفس والطب يثير الشعور العميق بالرهبة والفضول والتقدير لمدى غموض الحياة البشرية وتعقيدها. وعندما نتصرف بناءً على هذا الشعور بالدهشة، فإن ذلك يتجلى في الحياة الرغيدة، والازدهار والحياة الكريمة للبشر على المستوى العقلي والجسدي والروحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/24280839/
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/صحة_شمولية
3- https://journalofethics.ama-assn.org/article/influences-religion-and-spirituality-medicine/2018-07
4- https://www.mdpi.com/2077-1444/16/8/998
المصدر الرئيس
https://medicine.yale.edu/news-article/researchers-develop-new-approach-to-exploring-religion-and-medicine








