بين العبادي والهميلي.. أسرار الشعر ملقاة على الرصيف

الدمام: جمال أبو الرحي

كانت أمسية “أسرار مُلقاة على الرصيف”، التي أقيمت مساء أمس الأربعاء، في بيت الثقافة بالدمام، عبورًا من ضفة اللغة إلى ضوء الروح، حيث التقى الشاعر شفيق العبادي القادم من ساحل القطيف والشاعرة حوراء الهميلي القادمة من واحات الأحساء، وقدمت الأمسية شهد آل قيصوم.

في الجولة الأولى، توزعت القصائد بين الحنين والدهشة، بين التجريب والتأمل، فكان العبادي يطارد نوارس الأبد بحروفٍ تموج بالشجن، بينما كانت الهميلي تخيط من الغيب أثواب القصيدة كمن تكتب الضوء على صفحة الغيم.

ثم جاء الحوار القصير الذي أدارته شهد آل قيصوم كاستراحةٍ في منتصف الطريق، وتواصلت الجولة الثانية على إيقاع الدهشة، حتى بدا المكان كأنه يتنفس شعرًا، فيما تبادل الجمهور والشاعران الأسئلة والقراءات والانطباعات.

من النصوص:

فارغة سلالي

شفيق العبادي

مثقل من سماي لا شيء يغري

 قمري كي يصب فجرا جديدا

أتعبتني قوافل العمر عدوا

 وأنا أتعب الصدى ترديدا

كلما اجتزت ظلها الطفل خطت

 في طريقي خطى ودربا مديدا

… 

أعدو فتسبقني خطاي

ولا دليل يعيرني ظلا

لأفتل من نوارسه ظلالي

متأبطا حرفا من السنوات

رحت أجادل الأيام فيه

كأنني سقراط أحفر في المحال

وأعيد دوزنة السؤال بشعرها المجدول

من سعف النخيل

ووجهها المنحوت من قمر الليالي

لأعود باللاشيء

باللاشيء

أعثر في السؤال

ما ثم غير مواسم الكلمات تحصدني

وفارغة سلالي

….

خيالٌ عصيٌّ على التدريب!

حوراء الهميلي

إلى كل عقلٍ مسكون بالفوضى:
“لا تفقد اللحظةَ الراهنة،
لا تفقد (الآن)”
بورخيس

دَرِّبْ خيالَكَ ساعةً في اليومِ
أنْ يرتاحَ مِن عبءِ الغدِ المجهولِ،
مِن دوامةِ التفكيرِ في الجدوى
وفي مغزى الحياةِ وما يُراد لنا
مِن السعي الغريبِ وراءَ فلسفةِ الوجودِ،
وراءَ بحثٍ ليس يُسْفِرُ غيرَ عن إرهاصةٍ فكريةٍ أخرى

لذا دَرِّبْ جموحَك
أنْ ينامَ على سريرٍ فارغٍ من كلِّ أفكارِ الصهيلِ…
دَرِّبْهُ أكثرَ؛
فَهْوَ لم يعتدْ على هذا المِراسِ،
كأنْ يُعاينَ سقفَ غرفتِك الخفيضَ
مراقبًا ظلَّ العناكبِ
وهْيَ تفترشُ المكانَ مليكةً تقتاتُ مِن أفكارِه السوداءِ،
لم يعبأْ بجيرتِها
ولم ينظرْ إليها مسبقًا
مَن منهما الأولى بسقفِ البيتِ مِن هذا الغبارْ؟!

درِّب فراغَك
أنْ تحلَّ بروحِه الأشياءُ ممتلئًا بها،
دون اعتراضٍ واحدٍ،
ما ضرَّه لو كان بابًا جانبيًّا
مُنْصِتًا للعابرين على الطلولِ،
لو كان كُحْلًا في عيونِ جميلةٍ
تهوى التغنجَ لا لشيءٍ
غيرَ أنْ تهبَ الأنوثةَ ما تَشَا
لو كان سورًا في الحديقة مُهملًا،
ما ضرَّه لو كان شيئًا هامشيًّا
كالغبارِ على الرفوفِ،
كفكرةِ الموتِ المخيفِ،
كساعةٍ مصلوبةٍ في حائطِ المنفى!

على ألَّا يفكر
في المضيِّ إلى السماواتِ العليةِ
موغلًا نحو الهروبِ،
انزعْه مِن فوضاهُ
مِن هذا التأملِ في الضياعِ،
مُعلِّمًا إياه :
أنَّ الظلَّ يرهقه الوقوفُ،
وأنَّ ريحَ الظنِّ مِنسأةُ الغيابِ
وأنَّ ما يخفيه ينبتُ كالقروحِ،
وأنه المعنيُّ دومًا بالنجاةِ،
خيالُك المسكينُ أتعبَه الضجيجُ
مفكِّرًا في كلِّ شيءٍ
فَهْو لا يدري بأنَّ العمرَ محضُ خديعةٍ،
أنَّ الكمالَ، يعادلُ النقصانَ في دربِ الحقيقةِ،
فانتعل شَكًّا يدور على محطاتِ اليقينِ ولا يصلْ!

درِّبْ خيالَك
أنْ يكونَ معانِدًا حتى هواك! تحرُّرًا من سطوةِ الأشياءِ،
مما قد تراكمَ في زوايا قلبِك المهجور،
مِن ذكرى عناقٍ لاذعٍ
درِّبْ خيالَك أنْ يكونَ مراوغًا
إنْ قال: يُشعلني الحنينُ
فقل لهُ :
بردُ امتلاكِ الشيءِ
أوهنُ للعظامِ مِن القطيعةِ في الهوى
إنْ قال: لا جدوى..
مهادنةٌ ستكفي
كي تسرِّحَنا المعاركُ نحو ساحاتِ السلامِ
فقل لهُ :
إنَّ الهزيمةَ طعمُها أحلى مِن الفوزِ المغلَّفِ بالندوبِ،
بهدنةٍ تُفضي إلى خسرانِ ذاتِك في الحياةِ!

بروحِك الحيرى
تجرَّد مِن خيالِك؛
لم يكنْ إلا انعكاسَ أناكَ،
نصفَ ملامحٍ هَرِئتْ مِن التحديقِ في مرآةِ مَن تهواه،
تجلسُ مثلَ عصفورٍ بأقفاصٍ مزينةٍ
يحنُّ إلى فضاءٍ مطلقٍ
لا حلمَ يمنحه التحررَ مِن هواجسِه الكثيرةِ
ربما سربٌ يعود لأجلِه،
لحنٌ يؤوب لِعشِّه …
فالطائرُ المنسيُّ شيءٌ لا يُرى!

كسِّر قيودَك؛
إنما الأوهامُ سجنُ الروحِ،
والمزلاجُ عقلُك
قل لهُ :يا أيها المنذورُ للفوضى …

لا شيءَ يدعو للتعجُّلِ إنما هي فكرةُ التدريبِ/ تدريبِ
الخيالِ تكون مغريةً لذهنِك في المساء !

وسَادَةٌ مُكْتَظَّةٌ بالأسئلة

لَا أَعْلَمُ كَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ
وَفِي المُسْتَشْفَى امْرَأةٌ تَتَقَطَّعُ مِنْهَا الأَحْشَاءُ لِتَلفظَ
طِفْلًا مُتَوَفَّى!
لَا أَعْلَمُ كَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ
وَفِي البَحْرِ المُتَوَسِّطِ -فِي القَاعِ تَمَامًا- تَتَكَدَّسُ أَرْوَاحٌ
خَوْفَ الحَسْرَةِ فِي الأَوْطَانِ اخْتَارَتْ هِجْرَتَهَا:
مصيدةَ الأموات هنالكَ
حَيْثُ الفَخُّ / المَنْفَى
تَطْفُو الدُّمْيَةُ فَوْقَ المَوْجَةِ
كَانَتْ قَبْلَ سُوَيعَاتٍ
مِنْ زِرِّ التَّشْغِيلِ تُغَنِّي
تَنْطِقُ: مَاما
حَلْقُ الدُّمْيَةِ مِنْ هَوْلِ المَنْظَرِ جَفَّا!
مَارِدُنَا الأَزْرَقُ يَبْلَعُهُمْ
مِئَةً مِئَةً
أَلْفًا أَلْفا
لَا أَعْلَمُ كَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ
وَطِفْلٌ فِي الحَرْبِ تَخَيَّلُ أَنَّ قَنَابِلَهُمْ
أَلْعَابُ النَّارِ لِعِيدِ المِيلَادِ الفَائِتِ
مُبْتَهِجًا يَتَأَمَّلُهَا مِنْ نَافِذَةِ المطبَخِ
يَبْدَأُ فِي العَدِّ عَلَى كَفَّيْهِ
لِأَنَّ الطِّفْلَ سَرِيعُ النِّسْيَانِ يُعِيدُ كَثِيرًا
فِي إِصْبَعِهِ الخَامِسِ تَحْدِيدًا
طِفْلُ الحَرْبِ سَيَلْقَى الحَتْفَا!
فَلْيُقنعنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ
كَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ؟
أَجَفْنٌ فِي غفْوَتِهِ رَفَّا؟

حوراء الهميلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×