حاجة القطيف للاستثمار في قطاع الفندقة والضيافة!

حسن المصطفى *

“التنمية المستدامة” إحدى المستهدفات التي عملت “رؤية المملكة 2030” على تحقيقها، كي تحظى مختلف محافظات السعودية بمقومات تجعلها “نموذجية”، ذات طابع إنساني، ما يصيرها مريحة للسكان، وجاذبة للزوار والمستثمرين.

لو أخذنا محافظة القطيف، شرق السعودية، كمثالٍ، سنجد أنها تمتلك مقومات طبيعية وثقافية وجغرافية جديرة بالتفعيل، كونها واحة – وإن تقلصت بشكل ملحوظ المساحات الزراعية الخضراء – تتكئ على ساحل الخليج العربي، ومدينة ذات تأريخ قديم تكبرُ وتتطور، وعلى تماسٍ مع مشاريع التصنيع والطاقة الضخمة في الجبيل والظهران؛ وتشهد اليومَ ورشة عمل تطويرية في الطرقات والمجال العمراني والخدمات العامة.

وهي ورشٌ من المهم استكمالها وفق ما خطط لها دون تأخير، وبمعايير جودة عالية، لأن مردودها ليس اقتصادياً فحسب، بل اجتماعياً – ثقافياً، وهذه المعايير تجعل من “المحافظة” بيئة منفتحة ووجهة للقادمين من المدن المجاورة للاستمتاع بتجارب المطاعم والمقاهي التي تحظى بتوسع كبير وتنافس على المذاق والأطباق المقدمة وخصوصاً التراثية منها، كما الراغبين في زيارة المعارض الفنية والندوات الثقافية والأماكن التاريخية أو الفعاليات الترفيهية والرياضية، فضلاً عن لقاء الأصدقاء والأقارب!

هذه التنمية التي تسير عجلتها في محافظة القطيف، تواجه تحدياً يتمثل في عُزوفِ غالبية أصحاب رؤوس الأموال، عن الاستثمار في قطاع الضيافة الفندقية.

حتى الآن لا يوجد فندقٍ أو “شقق مفروشة” أو بيوت ضيافة عاملة يمكنها استقبال القادمين إلى “المحافظة”، وذلك نتيجة تأخر استكمال الفندق المحاذي لـ”الواجهة البحرية”، وكان من المفترض أن يُنتهى منه في وقت سابقٍ، رغم وجود إرادة لمشروع آخر لبناء “شاليهات” مع مرافق خدمية أخرى تقع في “مركز الأمير سلطان الحضاري” بشاطئ “المجيدية”، ما يستدعي الإسراع في الإنجاز لسدِ الفجوة الموجودة في قطاع الضيافة حالياً.

البعض يبررُ الصدود عن الاستثمار في القطاع الفندقي، بذرائع مالية، كونه استثماراً غير مدرٍ للربح في “المحافظة”، وأنه تم عمل “دراسة جدوى” أظهرت أن الأرباح معدومة، بحسب وجهة نطرهم.

برأيي هذا التبرير غير مكتمل الأركان، ويعتمد على رؤية متحفظة تنظر لـ”الفندق” بوصفه مكاناً للمبيت وفقط. في حين إن الفنادق ليست أماكن للنوم وحسب، بل فضاءات تحتضن أنشطة مختلفة، وهي بذلك تُنوع مصادر دخلها من خلال ما تحتويه كـ صالات الأفراح، وقاعات الاجتماعات، والمطاعم، والمقاهي، وأندية الرياضة واليوغا، والمسابح، وأماكن تسلية الأطفال، ما يعني أنه يمكن تشغيل وتأجير جميع هذه المرافق واستثمارها طيلة العام، إذا كانت هنالك إدارة نشطة ذات خبرة وكفاءة.

من يراقب الفعاليات المقامة في محافظة “القطيف” التي يقصدها زوار من الخارج، سيجدها كثيرة، فقد احتضنت “مدينة الأمير نايف الرياضية” العديد من بطولات “كرة اليد” السعودية والعربية والآسيوية، وسباقات ألعاب القوى، وشهد “وسط العوامية” فعالية “عرض الرامس للسيارات” لمواسم متتالية، وقد جاءها زوار من دول الخليج العربي المجاورة ومن مناطق المملكة المختلفة.

هذه “المناسبات” وغيرها الكثير، المشاركون فيها يقيمون في فنادق خارج محافظة القطيف، ما يعني أنه لو كانت هنالك دور ضيافة في “المحافظة” لسكنوا فيها، لقربها لهم.

أصدقاء كثر، من داخل المملكة والدول المجاورة، يودون القدوم إلى القطيف، إلا أن موضوع السكن يعيقهم! لذا، تجدهم إما أن يأتوا ليوم واحد ويعودون إلى مدنهم، وهذا أمر مرهق جسدياً، أو يحجزون غرفاً في فنادق الدمام والخبر، والقليل منهم يبيتون في منازل أصدقاء أو أقارب لهم.

لو أخذنا مثالاً حديثاً، وهو “ملتقى النقد السينمائي” الذي نظمته “هيئة الأفلام” التابعة لـ”وزارة الثقافة” في منطقة “وسط العوامية”، أكتوبر الجاري، وشارك فيه مخرجون وممثلون ونقاد من شتى مناطق المملكة. هذا الحدث يستدعي وجود بنية ضيافة متكاملة لاستيعاب المشاركين، سواء من حيث المبيت أو الخدمات المساندة. فمن غير المنطقي أن يأتي الناس إلى فعاليات ثقافية، دون أن يجدوا فندقاً أو مرافق منتقاة تلبي حاجاتهم في المدينة التي تستضيفهم.

غياب الضيافة الفندقية في المحافظة لا يضعف من مكانتها فحسب، بل يحدُ من قدرتها على المنافسة مع مدن أخرى في استقبال الفعاليات، واستقطاب الزوار، وتحقيق أثر تنموي اقتصادي محسوس في مستوى معيشة السكان.

عندما زار وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل، محافظة القطيف في ديسمبر 2024، كتب عبر حسابه بمنصة “إكس” ما نصه “اليوم، أصبحت القطيف نموذجاً حضرياً متميزاً، ووجهة جاذبة للمستثمرين والسائحين، بما يعكس ثمرات التنمية المستدامة والتكامل بين أصالة التراث ورؤية المستقبل”.

هي رسالة واضحةٌ على رجال الأعمال في المحافظة التفاعل معها، وتقديم رؤيتهم المستقبلية للاستثمار في القطاعات الفندقية والسياحية، لأن المسؤولية لا تقع على الجهات الحكومية وحدها؛ فرجال الأعمال يُنتظر منهم أن يشاركوا بفعالية في المشروع التنموي الوطني، ويستفيدوا من الحوافز والتسهيلات المقدمة، ويتواصلوا مع المسؤولين لتذليل أي صعوبات أو معوقات تتعلق بتهيئة الأراضي وتسريع التراخيص، وتنظيم شراكات استثمارية جذابة، يشعر المواطن بجدواها الاقتصادية والاجتماعية.

* كاتب وباحث سعودي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×