هل يختار القلب الجميلات من الإشعارات..؟ تعاويذ قديمة وطقوس حديثة.. السحر بين ألواح الطين والخوارزميات

سعيد الخباز

في مصر واليونان وروما، لم تكن تعاويذ الحب مجرد أدوات للسيطرة، بل كانت طقوساً للتوق – ملموسة، شاعرية، ومفعمة بالحضور. لقد كانت مسرحاً نفسياً يُعقد بين المشتاق والعالم الروحي.

الزيوت العطرية كانت تُخلط بالأعشاب والتعاويذ لجذب الأحبة أو ربط القلوب. فلم يكن هذا مجرد خلط عشوائي؛ بل كان مزجاً تحت أضواء النجوم لزيوت المُر واللبان والروزماري (إكليل الجبل)، وهي مواد كانت تحمل قيمة روحية تتجاوز رائحتها.

وبينما كانت التعويذة القديمة تهدف إلى استحضار القدر أو جلب “توأم الروح” الذي قد لا يكون مثالياً ولكنه حقيقي، فإن طقوس الجذب الحديثة، التي تغذيها الخوارزميات، تهدف إلى “التحسين الأمثل” (Optimization). فنحن – في المحصّلة – لا نبحث عن الحب بقدر ما نبحث عن أفضل نسخة ممكنة من الشريك استناداً إلى معاييرنا المحددة مسبقاً، والمغذية بدورها بآلاف الخيارات التي تَعِدُ بأن الأفضل هو دائماً على بعد نقرة واحدة.

الهيكل واحد، وإن تغيّر الشكل، والنية هي نفسها، محاولة السيطرة على العاطفة الجامحة للآخر، الجذب، الوفاء، والشغف.

لكن، هنا، تكمن المفارقة، الوفرة الرقمية لا تجلب الرضا، بل تولد قلقاً مزمناً يُعرف باسم “شلل التحليل” (Analysis Paralysis)، كل رسالة واردة هي تعويذة جديدة محتملة، وكل إشعار هو وعد ببدء سحر جديد.

هذا السيل الجارف من الفرص يؤدي إلى حالة دائمة من عدم اليقين؛ فالأفراد يخشون الالتزام بأي خيار خوفاً من أن الشاشة، في دورتها اللانهائية، ستكشف لهم عن “تعويذة” أكثر كمالاً في اللحظة التالية.

لقد فقد السحر القديم غموضه وتعقيده، ليتحول إلى عملية حسابية سريعة، نتج عنها أننا اكتسبنا السرعة، لكننا خسرنا الإيمان العميق بقدسية السعي نفسه.

وبين سحر الأمس الضارب في الأرض، وطقوس اليوم المُحلّقة في فضاء البيانات، يبقى القلب هو الذي يختار… إن أُعطي فرصةً للقراءة بصدق، بعيداً عن ضجيج الإشعارات وبريق الفلاتر.

ويبقى السؤال: هل نجحنا في جذب الحب، أم أننا اكتفينا بجذب الانتباه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×