القهوة حرام لأنها “خمر”.. هكذا بدأت القصة في مكة
القطيف: صُبرة
القهوة من أسماء الخمر في اللغة العربية أصلاً.. وهذا سبب كافٍ لوقوف الفقهاء ضدها في بداية انتشارها في العالم العربي، قبل أكثر من 500 سنة..!
ولم تكن القهوة يومًا مشروبًا عابرًا في حياة العرب؛ بل مرت بمسار مثير بين التحريم والإباحة، حتى تحولت إلى “عنوان ضيافة” ورمز للهوية الثقافية في المملكة وفي الجزيرة العربية والعالم الإسلامي.
البداية من اليمن
في القرن الخامس عشر، انطلقت حكاية القهوة من جبال اليمن، حيث لجأ إليها المتصوفة لتساعدهم على السهر والذكر والعبادة. وسرعان ما انتقلت إلى مكة والمدينة، ثم إلى القاهرة ودمشق وإسطنبول، لتصبح جزءًا من الحياة اليومية.
جدل الفقهاء: قهوة أم خمر؟
في بدايات القرن السادس عشر، واجهت القهوة أول اختبار فقهي.
في مكة والمدينة: أصدر بعض العلماء فتاوى بتحريمها، بدعوى أنها تُغيّر العقل وتُشبه الخمر، خصوصًا أن لفظ “قهوة” في العربية القديمة كان يُطلق على الخمر.
في القاهرة: أصدر السلطان المملوكي خاير بك قرارًا بإغلاق المقاهي ومنع القهوة عام 1511م، بعد أن استمع إلى فقهاء شبّهوها بالمسكرات.
ويذكر المؤرخ ابن حجر الهيتمي في فتوى مشهورة: “القهوة لا تُسكر ولا تُذهب العقل، وإنما تُنبه الحواس وتعين على الذكر والعبادة، فهي مباحة لا وجه لتحريمها”.
أما القاضي عبد الغني النابلسي في دمشق فقال مدافعًا عنها: “شرب القهوة كالماء، لا يقدح في الدين، بل يعين على الخير”.
من الحظر إلى الإباحة
بمرور السنوات، تبدلت الفتوى، وظهرت أصوات فقهية معتبرة تُبيح شرب القهوة:
أكّد علماء أنها لا تدخل في معنى الخمر، وأن التحريم الأول كان مبنيًا على سوء فهم.
انتشر شربها بين العامة والخاصة، حتى بين العلماء والأمراء، ما جعل التحريم صعب التطبيق.
في إسطنبول، تبنّى العثمانيون القهوة، وافتُتحت المقاهي رسميًا منتصف القرن السادس عشر، لتتحول إلى مراكز ثقافية واجتماعية.
بعيون الرحّالة الأوروبيين
لم يقتصر الجدل على الفقهاء، بل أثارت القهوة دهشة الرحّالة الغربيين.
كتب الرحالة الألماني ليونارد راوولف عند زيارته للشرق عام 1573م: “شراب أسود يُدعى قهوة، يُشرب ساخنًا، وهو مفيد للمعدة ويجعل المرء لا ينام”.
أما الفرنسي أنطوان غالان، مترجم «ألف ليلة وليلة»، فوصف مقاهي إسطنبول بقوله: “هي أماكن يجتمع فيها الناس لاحتساء القهوة والتحدث في أمور الدين والدنيا”.
من “مُريبة” إلى “رمز كرم”
اليوم، أصبحت القهوة العربية ركنًا ثابتًا في كل بيت ومناسبة.
في الخليج، تُقدّم مع التمر والهيل كعلامة على الكرم.
في بلاد الشام ومصر واليمن، غدت القهوة بأنواعها (السادة، المحوجة، القشر) جزءًا من الحياة اليومية.
تحوّلت القهوة من مشروب مشبوه إلى رمز أصيل في الثقافة العربية، حتى أن منظمة اليونسكو سجّلت القهوة العربية ومجالسها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2015.
القهوة الآن
القهوة مرآة لعلاقة المجتمع بالفقه والتقاليد. فبعد أن كانت “موضع فتوى تحريم”؛ أصبحت اليوم لغة الضيافة العربية الأولى، ومشروبًا عالميًا انطلق من أرض العرب ليصل إلى كل بيت في العالم.