الدكتور العبد المحسن… زميل الدراسة والكشافة
سعيد الخباز
صورة من ألبوم الذكريات تجمعني مع الزميل الفقيد عندما كنا في كشافة مدرسة تاروت المتوسطة في ستينيات القرن العشرين.
لا أجيد كلمات التأبين، فأصدقها – عندي – تلك التي يعجز القلم عن كتابتها واللسان عن نطقها، ليس خوفاً من أن تكون تملقاً فحسب، بل لأن عمق الألم وفداحة الفقد أحياناً ما تُصيب الكلمات بالخرس، وتجعل ألوان الحروف باهتة لا تستطيع أن تصف جوهر الفقيد وعمق تأثيره في نفوس من عرفه وأحبه. فكيف لي أن أُوَفِّي حق قامةٍ رحلت، وروحٍ أضاءت دروبًا كثيرة، ببعض الكلمات العابرة؟
ها هو يرحل عن دنيانا الفانية، الزميل والأستاذ، والصديق والأخ، الدكتور عبد الله العبد المحسن – أبو فراس – إلى جوار ربه الكريم. رحل بصمته الهادئ، وابتسامته التي لم تكن تفارق محياه، تاركاً خلفه إرثاً من العلم والعطاء والحكمة، وذكرى طيبة تُشعل في القلوب شمعة حزن لا ينطفئ.
وقبله رحل أحبة وزملاء كرام، كأننا نشاهد فصول عمر مضى، تتساقط خلاله أوراق الشجر في خريف العمر، ورقة تلو الأخرى، كل ورقة تحمل في طياتها قصة، وكل روح صعدت تركت فراغاً. هم السابقون إلى دار البقاء، ونحن اللاحقون لا محالة من دار الفناء، ولكن رحيل البعض يترك في النفس غصة أشد، وشعوراً بفقدان جزء لا يتجزأ من مسيرة الحياة.
لقد عاش أبو فراس حياته على مرآة تلك الكلمات الصادقة التي قالها قبل أحد عشر عاماً، تعليقاً على الصورة القديمة تحمل في طياتها حكايات الزمن الجميل والبدايات المفعمة بالنشاط: “هذه الصورة تدلل على اننا نمتاز بالنشاط وخدمة المجتمع ونحن صغار وإلى يومنا … يالله حسن الخاتمة”.
لم تكن تلك مجرد كلمات عابرة خطّها على عجل، بل كانت فلسفة حياة طبقها قولاً وفعلاً، منذ نعومة أظافره وحتى أنفاسه الأخيرة. لقد كان أنموذجاً للتفاني في العمل، وحباً لا ينضب لخدمة مجتمعه، سواء في محراب العلم كأستاذ ومربٍ للأجيال، يغرس فيهم قيم المعرفة والأصالة، أو في ميادين العمل العام والعطاء التطوعي، حيث كان سبّاقاً لفعل الخير. كم من طالب استفاد من علمه، وكم من زميل استنار بحكمته وتواضعه، وكم من مشروع مجتمعي نهض بفضل جهوده ومثابرته وصبره!
بالفعل، أحسن الله خاتمتك يا أبا فراس، وأكرم نزلك، ووسع مدخلك، وجعلك في عداد الصالحين. لقد حقق الله لك أمنيتك الصادقة التي دعوت بها قبل عقد من الزمان. فلو قُدِّرَ لك أن تقرأ الآن، ما كُتبَ عنك من كلمات الثناء والمحبة التي فاضت من القلوب المكلومة، ومن شهادات العرفان بالجميل التي خطتها الأقلام الحزينة في رحيلك، لعرفت يقيناً أن نشاطك الدؤوب وخدمتك الجليلة للمجتمع لم تذهب هباءً منثوراً، بل كانت بذرة طيبة أينعت ثمارها حسنات جارية وأثراً طيباً لا يمحوه الزمن، وبصمات نورانية لا تزال تضيء دروب من عرفك وأحبك.
نعم، رحلت بجسدك الطاهر، لكن روحك الطيبة وسيرتك العطرة، وابتسامتك الدافئة، وكلماتك الحانية، ستبقى منارة تضيء الدروب، ودروساً تُستقي منها العبرة. وستظل ذكراك خالدة في الوجدان، نترحم عليك كلما مر طيفك أو ذُكر اسمك.
إلى عفو الله ورضوانه، وجناته التي وعد بها عباده الصالحين، حيث لا نصب ولا شقاء، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.