التطوع.. يصنع إنسانًا أصلب عودًا

عبدالله الهمل

في عالمٍ يموج بالتحديات والضغوط النفسية، أصبح الإنسان في حاجة ماسّة إلى ما يعينه على التوازن والصمود.

وهنا يتجلى التطوع كقيمة إنسانية وروحية تترك أثرًا بالغًا على الصلابة النفسية، أي قدرة الإنسان على التكيّف والتعامل بمرونة مع الأزمات، والنهوض بعد الفشل.

الصلابة النفسية هي مزيج من الإيمان بالقدرة على التأثير، والالتزام، والتحدي.

وهي لا تعني غياب الألم أو القلق، بل القدرة على مواجهتهما بإرادة ثابتة ونفسٍ مطمئنة.

يسهم العمل التطوعي في تعزيز الصلابة النفسية عبر عدة جوانب، منها أنه يعزز المعنى والهدف، فالإنسان حين يشارك في عمل تطوعي يشعر بأنه يضيف قيمة للحياة ويكون جزءًا من شيء أعظم من ذاته، وهذا الإحساس العميق بالمعنى يقوّي قدرته على تحمل الصعوبات.

كما أن التطوع يرفع مستوى التقدير الذاتي، فالمساعدة التي يقدمها المتطوع تمنحه شعورًا بأنه قادر على إحداث فرق، مما يزيد من ثقته بنفسه ويقوي صلابته عند مواجهة التحديات.

وإلى جانب ذلك، يوسّع العمل التطوعي شبكة العلاقات والدعم الاجتماعي، بيد أنه يفتح أبوابًا للتواصل مع المجتمع ويوفر سندًا مهمًا في أوقات الأزمات.

ومن المشاهد التي تظل عالقة في الأذهان، صورة الكوادر الأبطال في موسم الحج، والبرامج الرمضانية الخيرية، والمحافل الاجتماعية.

وهناك يتجلّى تجاوز الإنسان لذاته وتفكيره خارج معاناته الشخصية، فيقدّم وقته وجهده للآخرين، ويتعلّم أن هناك من يعاني أكثر، فيعيد ترتيب أولوياته ويقلل من الإحساس بالعجز أو الانهزام.

العمل الخيري كذلك يمنح الإنسان حالة من الرضا النفسي والطمأنينة الروحية، وهو ما عبّر عنه الحديث النبوي الشريف: «أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس».

هذه المحبة الإلهية المرتبطة بالعطاء تُشيع في النفس شعورًا بالأمان والسكينة.

إن هذا العطاء ليس مجرد بذل للوقت أو الجهد، بل هو بناء للذات الداخلية، وتمرين عملي على تجاوز الألم، وعلى تحويل الضعف إلى قوة واليأس إلى أمل.

ومن هنا فإن المجتمعات التي تعزز ثقافة الإنفاق والبذل، هي مجتمعات تبني أفرادًا أصلب عودًا، وأعمق إنسانية، وأكثر قدرة على الثبات في مواجهة رياح الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×