أبو الليرات والكوفي.. المُشابهة والمُفارقة..!

حبيب محمود

على سبيل المُشابهة، لا المقارنة الموضوعية، يمكن وضع الفوتوغرافيّ الراحل عثمان أبو الليرات قُبالة الشاعر الراحل أحمد الكوفي، رحمهما الله.

بالطبع؛ كلٌّ منهما ينتمي إلى جيل مختلف عن الآخر في القطيف، والفاصل الزمنيّ بين تاريخي وفاة الرجلين يصل إلى ربع قرن. الأول توفي في العام 2000، والثاني توفي هذا العام 2025م. الأول بحّار وفلّاح، والثاني نجّار. الأول أديب، والثاني مصور.

بيد أنهما يجتمعان في أرض المنبت من قلعة القطيف. ويجتمعان، أيضاً، في أنّ كلاهما آتٍ من أسرة كادحة. وكلاهما صنع ذاته بذاته، ولم يحتج، كلاهما، إلى أي روافع غير الموهبة الأصيلة، والإصرار الشخصي، وانفتاح الأفق على أدوات الفنّ الخاصة بكلّ منهما.

ويجتمعان، أيضاً، في ازدواجية السيرة. مهنةِ كلٍّ منهما شاقّة، وليس لها علاقة بالهواية. وهذا جامعٌ جديدٌ ولّدَ ميزة تفوٌّق الهواية على المهنة في بناء المشروع الشخصي.

كان الكوفي من بيئة الفلّاحين، وعمل حتى في تقطير “القروف” واستحلاب ماء لقاح النخيل. ودخل الغوص في أخطر مغامرات الصيد، ونجا من “تسونامي” حدث في الخليج العربي، وخرج من “سنة الطبعة” سالماً. ولكنّ ما أبقى على ذكره بعد وفاته، ليس هذا ولا ذاك. بل الشعر الذي كتبه في حياته.

الشعر الكلاسيكي الذي خلّفه؛ ما زال صالحاً لقراءة المجتمع ثقافياً، وفهم الأجيال السابقة، على مستوى العلاقات الاجتماعية، والحالة الاقتصادية، واستقراء تفاصيل تعزّز ما تمّ تدوينه من الفلكلور، والتاريخ القريب.

وبالمقابل؛ فإن “أبو الليرات” احترف النجارة، وأمّن لنفسه ولأسرته مصدر رزقٍ كريم، وأمضى معظم حياته على هذه المهنة المُرهقة. ولكنّ ما أبقاه في تقدير الناس ليس التعب الجسدي في استخدام المنشار والمطرقة لسنواتٍ طويلة، بل الحسّ العالي في استخدام الكاميرا، والإصرار الدؤوب على إيقاف الزمن في شوارع القطيف وأسواقها وريفها ومبانيها، بما كانت عليه من صلة وثيقة بالأنماط السائدة، عمرانياً واجتماعياً واقتصادياً، وغير ذلك.

ولذلك؛ فإن من الوجاهة القول إنهما يجتمعان، أيضاً، في معاصرة تحوّلات المجتمع قبل النفط وبعده. وكلٌّ منهما عبّر عن تفاعله مع الأرض والإنسان في القطيف إجمالاً، وفي دائرة المدينة الأمّ على وجه خاص.

كلاهما؛ كان فنّاناً مطبوعاً، فطرياً، عفوياً، ومُصرّاً ودؤوباً. كلاهما لديه مشروع أنجزه ورحل في حفاوةٍ واحترام وتقدير.

عليهما رحمة الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×