أبو الليرات.. صورة الصورة شهادات

القطيف: ليلى العوامي، جمال أبو الرحي
ها هو الزمن يطوي صفحة رجلٍ عاش عمره بعدسة الكاميرا، ليترك خلفه صوراً لا تموت. رحل الحاج عثمان أبو الليرات، شيخ مصوّري القطيف، بهدوء يشبه صمته الطويل وهو يقتنص اللحظة ويوثّقها. لم يكن مجرد مصوّر يضغط على زر، بل شاهد عيان على ذاكرة محافظة بكاملها؛ احتفظ بملامحها، بيوتها، وجوه ناسها، وأحلام أجيالها في أرشيف بصري لا يُقدّر بثمن.
ومن قلعة القطيف، التي أحبّها وصنع لها مجسّماً بيديه، إلى أزقّة القرى وساحات الاحتفالات، ظلّ “أبو الليرات” شاهداً وأميناً للتاريخ، يحفظ تفاصيل المكان والناس بعينٍ عاشقة ويدٍ أمينة.
عصر أمس الأحد، ودعه محبّوه وبكوه، لا لأنه غاب جسداً فحسب، بل لأنه مثّل ذاكرة جمعية، ومرآةً صافية عكست ملامح القطيف منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم. رحل الرجل، لكن صوره تبقى حيّة، تذكّر الأجيال بأن للتاريخ شهوداً، وللأماكن رجالاً يحملونها في قلوبهم حتى آخر العمر.
محمد شبيب:
كان فنان زمانه
أستاذ عثمان من المصورين الذين وثقوا تاريخ القطيف بالصور الفوتوغرافية منذ زمن طويل.
خلّد ووثق الكثير من العادات والبيوت القديمة، له كل الشكر على هذا العطاء المنقطع النظير.
قلة من الناس من استهوتهم هذه الفرصة للتوثيق والحفاظ عليها لتظل تاريخاً شامخاً.
أمنيتي أن يتم الاهتمام بهذا الموروث، وتجديده ليكون منهجاً لأبنائنا في التعرف على تاريخ الأجداد ودقة المعمار والنقوش التي استخدمت. وكذلك تخطيط المنازل في زمن لم تتوفر فيه الكهرباء، بل كانوا ملمين هندسياً بكيفية التكييف أثناء الصيف من خلال فتحات معينة تمرر الهواء البارد .
إنه فنان زمانه رحمه الله
محمد الخراري:
عين القطيف التي لم تنم
في زمنٍ لم تكن الصورة تحظى بالاهتمام، ولم يكن التصوير مهنة أو شغفًا شائعًا بين الناس، أدرك المصوّر عثمان أبو الليرات أن الكاميرا ليست مجرد أداة، بل ذاكرة تحفظ ملامح المكان والإنسان. بينما انشغل الآخرون بيومياتهم، كان يطارد التفاصيل بعينٍ صبورة ووعيٍ مبكر بأهمية التوثيق.
منذ بداياته الأولى، اتجه الموثق الفوتوغرافي عثمان نحو الشوارع والأحياء الشعبية، مدفوعًا بيقين راسخ أن حركة التطوير قادمة لا محالة، وأن كثيرًا من تلك الأزقة والأسواق ستتغيّر أو تختفي. صورُه لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل شهادة بصرية على لحظة تحوّل تاريخي عاشتها القطيف.
ولم يكتف بالتصوير من مستوى العين؛ فقد ابتكر طرقًا تمنحه رؤية أوسع، فصعد إلى الأسطح والمباني المرتفعة ليوثق المشهد من الأعلى. بذلك قدّم صورًا علوية نادرة، تشبه في أهميتها ما تلتقطه اليوم طائرات الدرون. هذه الزوايا غير المألوفة أضافت قيمة خاصة على أرشيفه، وجعلت منه شاهدًا على التحولات العمرانية من منظور يصعب تكراره.
طوال عقود من العمل المتواصل، ظل العم عثمان أبو الليرات وفيًّا لرسالته: التوثيق قبل أن يختفي المشهد. لم يتوقف عند حدود الكاميرات الفيلمية التقليدية، بل واكب التطور التقني، وانتقل إلى التصوير الرقمي، محتفظًا بالحماس ذاته الذي بدأ به رحلته الأولى.
ما تركه من أرشيف ضخم لم يعد ملكًا شخصيًا، بل أصبح إرثًا جماعيًا للقطيف وأهلها. صوره اليوم مرجع للباحثين والمهتمين بالتاريخ، ومصدر فخرٍ للأجيال التي تبحث عن جذورها في تفاصيل الأزقة والبيوت والبساتين. ومع جهود ابنه الفوتوغرافي المهندس علي الذي عمل على نشر هذا الأرشيف، يستمر عطاؤه متدفقًا، حاضرًا في الذاكرة الجمعية كعينٍ لم تنم، وكصوتٍ بصري قاوم النسيان.
أثير السادة:
استطاع أن يسبق زمنه
تأثيرات الصورة الفوتوغرافية في عالم اليوم بلا حد، غير أن أكثر وظائفها اتساعاً هو التوثيق، صرنا نوثق كل شيء، باعتبار أن ذلك هو الجوهر الأساسي لوجود الصورة، رفع الشيء من غيابه عبر تدوينه بصرياً.. ولأنها وثيقة كانت قادرة في غالب الأحيان على الإثبات والاقناع، وهي تحاول جاهدة وصف الواقع ونقله.
ومن أولئك الذين انشغلوا مبكراً في تعريض هوامش اشتغال الصورة في نقل هذا الواقع يأتي المصور عثمان أبو الليرات، فسيرته تحكي عن رجل شغوف في تصوير كل الأشياء من حوله، فكانت صوره الكثيرة تتحول مع الوقت إلى أداة معرفة عن حقبة زمنية مرت بالكثير من التحولات.
كثيرون اليوم يستعينون بصور أبو الليرات لترميم تصوراتهم عن المكان، ولإسناد أفكارهم ومقالاتهم التي تعنى بذاكرته وتراثه ويوميات ناسه، وهذه قيمة الصورة كوثيقة، قيمتها التي تزداد مع تقادم الزمن، لتصبح إرثا معرفياً وثقافياً، يعاد استكشافه وتوظيفه..
كل صورة في أرشيفه هي دعوة للتزود من الذاكرة، والتعرف على المسافة التي تفصل الأمس عن اليوم، هي إرثه الشخصي، بيد أنها تراث المنطقة بكاملها، جمعها بحب ونهم، كما بات يجمعها اليوم ابنه “علي”، الوريث الأمين لهواية أبيه، فتجده في كل المواقع والمناسبات يكمل المشي على طريق “أبو الليرات” الأكبر، ويكمل المهمة الأصعب والأهم، وهي تدوين أوصاف الصور التي كانت تسكن في ذاكرة أبيه ومجايليه.
نحن الآن في زمن الصورة الفوتوغرافية بامتياز، غير أن أبو الليرات استطاع أن يسبق زمنه وهو يحيل تجربته إلى بنك معلومات قيم عن الإنسان والأرض، وأداة حفر في عمق الذاكرة، ليعيش الآخرون بعضاً من آثارها ومعاملها ولو عبر الصورة، ويهتدوا إلى بعض معانيها المفقودة في ركض التصوير اليومي.
الحاج عثمان وابنه الأكبر علي
عبدالرسول الغريافي:
أبو الليرات.. وذاكرة أول معرض فوتوغرافي
المصور المهتم بالتوثيق عثمان أبو الليرات المكنى بـ “أبي علي” سمعت عنه منذ طفولتي، وبعدها تعرفت إليه من خلال صوره قبل رؤيته شخصياً، وتعرفي إليه كان مقدمة لوضع الحروف على النقاط أي استطاعتي لإسناد صوره إلى ملامح وجهه. كان رجلاً يتسم بالبساطة وبالحذر في الوقت ذاته، وكان له شغف كبير في عالم التصوير الفوتوغرافي.
حين كنت عضواً في لجنة التنمية الاجتماعية الرئيسة في القطيف؛ كان من ضمن أنشطتها إقامة معرض كتاب سنوي، وكان له صدى كبير في المحافظة، كما كان لذلك المعرض أنشطة جانبية مصاحبة، حينها ـ وفي أحد سلسلات المعرض وهو المعرض التاسع للكتاب على وجه التحديد ـ أسندت اللجنة إليَّ إحدى المهام؛ هي إقامة معرض فوتوغرافي، وكان معي المهندس حسن الشيخ علي المرهون، كان ذلك في شهر رجب من عام ١٤١٧هـ، وقد استطعنا تنفيذ معرضين على مدى سنتين متتاليتين أحدهما فوتوغرافي والثاني اثنوغرافي تراثي بيئي.
لقد كان تركيزي في ذلك المعرض الفوتوغرافي على الصور التي تعكس بيئة القطيف؛ لذلك وجهت خطابات رسمية من قبل لجنة التنمية الرئيسية إلى بعض المصورين المخضرمين المهتمين بالتصوير التوثيقي لبيئة المنطقة، وكان أحد أسرار نجاح ذلك المعرض هو استجابة أغلب من وُجِّهت إليهم الدعوات.
بعضهم اعتذر عن المشاركة لعدم استعداده أو انشغاله، أما المصور عثمان أبو الليرات ففي البداية أبدى استعداده وأظهر حماسه، خصوصاً أن ذلك المعرض سيكون أول مشاركة له في معارض التصوير الفوتوغرافية، ولكنه ـ بعد فترة في التردد ـ اعتذر، ولعل سبب ذلك هو أنه استشار من قام بتثبيط عزيمته.
عند إقامة المعرض توافدت أعداد كبيرة جداً من الزائرين وقد كتب الكثير منهم في سجل الزيارات للتعبير عن ثنائهم على ذلك المعرض وقد وجه الكثير منهم بعض المقترحات.
كان ضمن الزوار لهذا المعرض المصور الفوتوغرافي عثمان أبو الليرات الذي اعتذر عن المشاركة، وبعد انتهائه من جولته حول المعرض اقترب مني بوقفة حائرة، فتساءل إن كانت الفرصة لازالت سانحة لتقديم ما كان ينوي تقديمه من قبل، فوضحت له أن المعرض مصرح به رسمياً، ولا يمكن أي زيادة أو نقصان الآن.
حقيقة ما زلت أتذكر زيارته ومدى إعجابه بالمعرض، كما فاجأني بقوله إنه لم يتوقع أن يكون المعرض بهذه الصورة ولا بهذا المستوى، وقد أبدى أسفه لعدم مشاركته في المعرض، كما أنه تمنى لو أني رفعت من درجة الإلحاح عليه قليلاً، لكي أقنعه في المشاركة، ولكني اغتنمت هذه الفرصة فقمت بعدها بتشجيعه بأن القادم سيكون أفضل، وقد وعدته بأنه سوف يكون أول المشاركين في المعرض القادم.
إن هذا المعرض الذي كان ضمن فعاليات معرض الكتاب التاسع كان بمثابة نواة لتأسيس (جماعة التصوير الضوئي بالقطيف) إذ إنه حين لقي ذلك النجاح المتميز اقترح المهندس حسن المرهون في أحد اجتماعات اللجنة، بحضور كلٍ من رئيس مركز الخدمة الاجتماعية الأستاذ منير الناجي رحمه الله، والمشرف الأستاذ علوي الخباز ورئيس اللجنة الدكتور منصور القطري وبقية أعضاء اللجنة.. اقترحوا تكرار إقامة هذا المعرض وبشكل مستقل عن معرض الكتاب والعمل على تطويره إلى لجنة فرعية أو جماعة مستقلة.
وقد كان من ضمن المقترحات أيضاً أن يكون عرضه في صالة المعرض الجديدة، التي عرفت في البداية بصالة نادي شباب المركز وأصبح يُعرض فيها مختلف منجزات الفنون المرئية من الفنون التشكيلية الرسم والخط والنحت والتصوير الفوتوغرافي.
وبعد لقاء تكلل بالنجاح مع مجموعة من المصورين الفوتوغرافيينن من أهل المحافظة تمخض ذلك اللقاء عن ميلاد جماعة التصوير الضوئي بالقطيف وما تزال نشاطاتها في تميز مستمر حتى أيامنا هذه.
كانت باكورة الإنتاج هو إقامة معرض مستقل باسم (العراقة بروح العصر).
وكان هو أول معرض لجماعة التصوير ولكنه كان بمثابة تجربة أولى، حيث تم توجيه دعوات لمصورين قدامى ومخضرمين ممن اهتموا بتوثيق تراث المنطقة وذلك من انحاء منطقة القطيف.
وبدوري ما زالت عند وعودي التي قدمتها للمصور العريق عثمان أبو الليرات حاضرة في البال، فكان أول من وُجِهت إليه الدعوة وقد ذكَّرته بما وعدته به، وفي هذه المرة استجاب للدعوة بأسرع وقت وبكل حماس، وقد وصلت صوره ضمن أول من وصلت صورهم وقامت اللجنة المسؤولة في المعرض بالإعداد اللازم لعرضها من طباعة وتكبير وتأطير وغيرها.
نستطيع القول إن أول معرض رسمي شارك فيه المصور عثمان أبو الليرات هو معرض كان يدعى (العراقة بروح العصر) والذي عرض في يوم ٢٠ ذي القعدة لعام ١٤٢١ هجري الموافق ١٤ فبراير ٢٠٠١م على صالة نادي شباب المركز التابع للجنة التنمية الاجتماعية الرئيسية في مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف. كان المصور عثمان أبو الليرات ضمن عشرة مصورين فوتوغرافيين وقع عليهم الاختيار ممن اهتموا بالتصوير الفوتوغرافي التوثيقي للتراث لتكون صورهم عناصر هذا المعرض وهم:
- عبدالمجيد سعيد الجامد.
- عبدرب الرسول علي الغريافي.
- عثمان علي الليرات.
- عبد الحكيم سعيد المدن.
- عبدالله أحمد الخميس.
- عبدالله حسن الغانم.
- عبدالله عيسى آل ربح.
- رضي محمد الخضراوي.
- علي عبدالله آل محيف.
- عبدالكريم حسن الحليلي.
تخللت أيام هذا المعرض أنشطة مصاحبة، كان من ضمنها اجتماعات ليلية، وكانت للمصور عثمان فيها فرصة في تبادل الخبرات والآراء وطرق العرض، وكذلك حضوره بعض المحاضرات عن التصوير الفوتوغرافي التي كانت ضمن الأنشطة المصاحبة، ورغم خبرته العريقة في عالم التصوير إلا أن ذلك المعرض كان بالنسبة له بمثابة دخوله في عالم جديد قد خاض فيه تجارب جماعية لأول مرة، وتفاعل فيها بشكل كبير من حضور ومشاركة إلقاء، وكذلك التحدث عن تجربته وخبراته في مجال التصوير، كما جرّب الوقوف أمام الجمهور لتقديم أعماله وتوضيح عناصر محتوياتها وفترات تصويرها.
لقد أُجرِيت معه العديد من المقابلات الشخصية من قبل الصحفيين وإن لم تكن هي المرة الأولى له في هذا المضمار، ولكنها كانت أيضاً تجارب من نوع جديد وبمثابة ورش أو مؤتمرات صحفية مصغرة.
كان يحرص على حضوره ومتابعته للمعرض بشكل متواصل طوال فترة المعرض، وكان يتقبلها بكل صدر رحب وبسرور كبير، وكان يعبر عنها بأنها تجارب جديدة من حيث مشاركاته في المعارض.
بصورة شخصية قمت بالاستئذان منه للسماح لي بعرض صوره في معارض ومناسبات أخرى قادمة وقد أذن لي بذلك.
وتلا ذلك المعرض معرض فوتوغرافي آخر ولكنه متنوع، وقد كان يضم عدداً أكبر من المصورين بمختلف الأعمار، بلغ عددهم ستين مصورا وكان المعرض بعنوان (فوتوغرافيون بين الأمس واليوم)، وكان ضمن فعاليات مهرجان الشرقية (لك ولعائلتك) الذي بدأ يوم ٨ ربيع الثاني لعام ١٤٢٣هجري، وكان في نفس المعرض (صالة نادي الفنون بالقطيف).
قدمتُ له أعمالاً في المعارض المقامة ضمن فعاليات الزواج الجماعي بالقطيف، حين كنت رئيساً للمجموعة الفوتوغرافية فيها، وكذلك قدمت له في معارض خيرية القطيف حين كنت عضواً في لجنة العلاقات العامة، وكذلك في معرض “الخبر مول” قبلها.
لقد كانت هذه المشاركات بمثابة جسر قوي بيني وبين المصور عثمان أبو الليرات، وكانت الأحاديث بيننا تحمل شجوناً وشجوناً في عالم التصوير.
الانفجار الكبير
أما المرحلة الثانية التي شكلت الانفجار الكبير في نشر مكنون صور أبو الليرات؛ فهي ما كان يعده للمستقبل حيث إنه كان من المؤكد قد هيأ ابنه الأكبر “علي” وأدخله معه في عالم التصوير، وهو لم يقل عنه شغفاً واهتماماً في هذا المضمار، وهو من الجيل الحديث الذي استطاع إدخال منتجات والده في عالم الديجيتال والتقنيات الحديثة.
وقد استعان الإبن بنشر معارض والده عبر وسائل التواصل الإجتماعي بحرفية ذات تقنية عالية، ليوصل بها جهود والده الى المقام المطلوب، وهو دور الصورة في توثيق معالم المنطقة، وليقدم أباه أمام شعبية من جمهوره المتابعين.
لقد كان الابن علي أبو الليرات مكملا لمسيرة والده.
لعب المصور عثمان أبو الليرات دوراً كبيراً في توثيق معالم المحافظة، ضمن عدة مصورين من الرعيل الأول أمثال عبدالمجيد الجامد، والأستاذ ميرزا الضامن، والفنان عبدالله الغانم، ورضي الخضراوي، وعلي آل محيف، وزكي الزاير، وغيرهم من المصورين الموثقين.
وقد ترك لجيل المستقبل بصمات في عالم التوثيق ونقل لهم من الماضي صوراً لا يمكن لهم معرفتها إلا عبر هذه الوثائق الفوتوغرافية.
عبدالمجيد الجامد:
عرفته متأخراً
عرفته منذ زمن، لكنه لم يكن من أصدقائي المقربين، عائلة أبي الليرات كانت من سكنة فريق الزريب بالقلعة، وكنت أعرف بعضاً منهم مثل حسن أبو الليرات وكان من الأشخاص الأقوياء بدنياً.
أتذكر أنه كان يحمل في كل يد كيسين من الأرز، وكان لحسن أخ اسمه عبد الحميد عمل كما أتذكر في جمرك القطيف وقد دخلت بيتهم أكثر من مرة،
ولكن لم أتعرف على المرحوم عثمان إلا متأخراً، حيث كان يسكن في فريق باب الساب ولديه منجرة في بيته، وقد عمل هيكلاً (مجسداً) من الخشب يمثل جزأً كبيرا من قلعة القطيف، سألته مرة عن بعض المحلات التي لم أرها في المجسد، فسألني أحدهم: من أين أنت؟، فقلت له من قرية المدارس، فرد شبه ساخر: أنت من المدارس “فاشعرفك بالقلعة.
حينها رد عليه المرحوم عثمان قائلاً: هذا يعرف القلعة أكثر منك بكثير، فقلت له لا تزعل عليه هو شاب طيب، والقصة طويلة.
رحم الله عثمان بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جناته.
زكي الزاير:
كان عاشقاً للماضي
رحم الله أبا علي عثمان أبو الليرات المصور الكبير المبدع، عرفته صغيرًا، أخا وصديقًا ومرافقاً للتصوير.
بدأ التصوير منذ طفولته، كان صغيرًا عندما بدأ يوثق العيون والأسواق الشعبية والقلعة وغيرها من الأماكن بكاميرته.
ورغم انشغاله بعمله كنجّار، إلا أنه يأخذ فسحة من الوقت في المناسبات الخاصة والعامة ويحمل كاميرته.
أحب التراث القديم ومتابعة الماضي والتغيرات التي تحدث في البلد، جمع كثيراً من الصور التي تتعلق بالقطيف قديماً.
لا يوجد مكان في القطيف إلا وزاره، كان يذهب للأماكن الشعبية والتراثية، وحينما يوثق مكاناً ولا يعرف عنه شيئاً، كان يسأل ويسأل.
هو كنز، وأنا أحد المعجبين به، كما استفدت من صوره، وكثيراً ما أمدني بالأفكار في لقاءاتنا، حينما كنت أزوره في أيام الخميس.
أما عن الصور فهي مهمة جدًا، حيث تساعد الإنسان على الإطلاع ومعرفة التاريخ وتكسبنا الخبرة الواسعة.
عاصر المرحوم مجموعة من المصورين القدماء كمنصور المحفوظ وعبدالله راشد الغانم وعبدالمجيد الجامد وعلي القبعة وعبدالرسول الغريافي. كان منافساً للجميع ومشاركاً في المناسبات.
تحدث معي عدة مرات وطلب مني الذهاب معه للعقير والبحرين وكنت لا أتأخر، لازمته في رحلة التصوير للعيون والمحال التراثية، وكنا نتبادل بعض الصور. أتذكر أني حين اشتريتُ كاميرا من اليابان ماركة فيش أي كانون، اعجب بها كثيرًا.
كان أبو الليرات يحب الخير للجميع ولا يبخل بالمعلومة على أحد. ويحدد لك الأشخاص حينما تعرض عليه صوراً وتطلب منه المساعدة في الأسماء لا يتردد أبدا. كان منزله صغيراً لكنه يتسع بقلبه الكبير وعطائه.
حسن علي أبو تاكي:
وداعاً لعين القطيف وعدستها
إنا لله وإنا إليه راجعون، نعزي أنفسنا ونعزي عائلة الفقيد الحاج عثمان أبو الليرات “أبو علي”، ونعزي القطيف عامة برحيل رجل خدم هذه الأرض بصدق ووفاء، ووثق حياتها وتفاصيلها عبر عقود طويلة.
لقد كان حضوره دائماً في مقدمة المشهد، بعدسته التي نقلت لنا صور المناسبات والوجوه والأماكن، حتى صارت صوره جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا في السوشيال ميديا، ولم يغب عن أي مناسبة، اجتماعية أو دينية، إلا وكان حاضراً بعدسته، يوثق اللحظة بكل حب واهتمام.
ونحن كمصورين، نستلهم من مسيرته الطويلة عزيمة للاستمرار في توثيق حياة القطيف عامة، إن شاء الله وإنا لله وإنا إليه راجعون الله.
علي الغراب:
رمز المهنة والهوية
فقدنا أحد رموز القطيف، رمز مهني وفني كبير، عاش حياته عاملاً بجد، مخلصاً في مهنته في النجارة، ومتفانياً في هوايته كمصور، أحب القطيف وأهلها، وترك إرثاً كبيراً ووضع لنا أثر لا ينسى أبداً.
وثق أحياء القطيف بحب وانتماء، رحمك الله يا أبو علي، وجعل الجنة مثواك.
من أرشيف الراحل
إلى روح الرجل الطيب، المصوّر القديم عثمان أبو الليرات،
كل من عرفك يذكرك بالمحبة والوفاء. كنتَ لست مجرد مصوّر، بل كنت شاهدًا على حياة الناس وذاكرتهم الجميلة. بعدستك البسيطة صنعت صورًا لا تقدر بثمن، وحفظت للأجيال ملامح آبائهم وأمهاتهم وأحبتهم.
رحمك الله رحمة واسعة، وجزاك خير الجزاء على ما تركته من أثر طيب، سيبقى في قلوب من عرفك وابتسم أمام عدستك