1 ـ 2] الشيخ حمد الجاسر بين ألغام الترجمة والتطبيع

عدنان السيد محمد العوامي
حسب علمي القاصر؛ لم يشتهرْ باحثٌ – بين باحثينا المعاصرين – بالدِّقة والتمحيص، والحرص على التثبت من المعلومة، والتأكد من سلامتها، كالبحَّاثة الجهبذ، علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله)، في زمنه، وهو لم يتوَّج بهذا النعت جزافًا أو زلفى، بل عن استحقاق وجدارة وأهلية؛ فمَن يتابع أبحاثه وتحقيقاته، وخصوصًا معاجمَه(2)، وما أصدر من مجلات أولها مجلة اليمامة، ثم جريدة اليمامة، ثم مجلة العرب، لا بد أن ينبهر بما بذل من جهود مضنية في سبيل الثقافة والعلم والأدب؛ فيقف له إجلالا وإكبارا.
ناهيك عما اتسم به من التتبع وتحرِّي للدقة، بروح علمية متسلِّحة بالصبر، والأناة والمثابرة، ومع أنه لم يكتف بمطالعة مصادره، والاعتماد عليها، وهذا قصارى الباحث وغايته القصوى، وإنما تتبَّع ما فيها من الأخطاءِ، معلِّقًا عليها، ومصوِّبًا أخطاءها، أو مضيفًا، وشارحًا، معتمدًا – في ذلك –على ما محصلته من مشاهداته الشخصية في جولاتٍ شاقَّة طاف فيها المفاوز والقفار بحثًا عن موضع، أو مورد كيما يتأكد من صحته، ولم يكفه ذلك بل نجده يشخص بنفسه إلى مضانه، ومنها شخوصه القطيف عندما اعتزم طباعة كتابه (المعجم الجغرافي للبلاد السعودية) فحل ضيفًا على أحد أصدقائه فيها، وهو الحاج منصور بن حسن آل نصر الله (رحمه الله)، والد الصحفي محمد رضا نصر الله، والتقى بنخبة من أدباء القطيف والجبيل والخبر والدمام، وعرض عليهم الكتاب راغبًا في ملاحظاتهم، ولكن – كما يقول المثل:
وَقَد قالَت قُتَيلَةُ إِذ رَأَتني
وَقَد لا تَعدَمُ الحَسناءُ ذاما(3)
فقد أوقعه مترجمُ دليل الخليج في عدد غير قليل من الأخطاء، في ما نقل عنه من أسماء المواضع، والعيون، وفي ما يلي مسرد بتلك الأخطاء:
1 – قوديه:
القديح، قرية مسوَّرة تقع إلى الغرب الشمالي من مدينة القطيف. كان ذلك في ما مضى من الزمن، أما في الوقت الحاضر فقد تطورت واتَّسعت، فأصبحت مدينة، بها بلدية مستقلة قبل أن تُدمج بلديات القطيف في بلدية واحدة، فصارت فرعًا من فروعها، وقد جاء اسمها في دليل الخليج قريبًا من الصواب في موضع واحد كتبت فيه: (قديح) غير معرفة(4)، لكن تكرر اسمها خطأً حمس مرات بعنوان: (قوديه)(5)، ولعل تكرار الخطأ هذا هو الذي أوهم الشيخ فتابعه فيه، أما صواب اسمها فهو: (القُدَيح)، تصغير قَدَح، كما أثبته الشيخ لاحقًا(6).
2 – السدرية.
الصواب: الصدرية، وهي عين ماء غزيرة تقع في حافة واحة القطيف الغربية الملاصقة لصحراء (البيضاء)، بمحاذاة قرية القديح، وبناؤها عبارة عن برج عال ما زال قائمًا في المنطقة التي تقع فيها محطة الكهرباء إلى الغرب من نخلي الهدلة وگصمول “قصمول” (حاليًّا صالة شهاب للأفراح)، وقد ورد اسمها في دليل الخليج بعنوان (السدرية) مرة(7)، بالسين مكان الصاد، وبعنوان (الصدرية)، مرة أخرى(8)، وتابعه الشيخ في كلتا التسميتين، ولعل ما أغفل الشيخ عن هذا التصحيف هو اختلاف تسمية البلدة التي تروي نخيلها تلك العين؛ فقد وردت مرة بعنوان: (قديح)، بدون تعريف، و4 مرات بعنوان: (قوديه) كما مر.
3 – السدين.
الصواب: الصدَّيَن، (بصاد مفتوحة مشددة، ودال كذالك، وياء ساكنة، بعدها نون)، وهي، أيضًا، عين ماء من عيون القطيف المشهورة، ويرى الأستاذ محمد سعيد المسلم (رحمه الله) أن هذه العين قد تكون هي العين المشهورة بعذوبة مائها الذي ضرب به المثل، فقيل: (ماءٌ ولا كصدا)، ونظمها السيد عدنان الغريفي فقال:
أكلُّ ما مرَّ ذو جمالٍ
تقول ماءٌ ولا كصدَّا؟
لكن الشيخ الجاسر لم يوافقه في ما ذهب إليه، ملاحظًا أن صدَّا تقع في الأفلاج، وأظن أنَّ هذا لا يمنع تكرار الاسم في مكان آخر، فهذا كثير في البلدان والمواضع.
تقع هذه العين في بلدة الجارودية، وقد ورد اسمها في دليل الخليج مرة بعنوان: (السدين)(9)، وأخرى بعنوان: (صدين)، بدون ألف لام التعريف (10)، والشيخ مع أنه ينقل عن لوريمر، فقد سماها (السديف)، ولعل ذلك من أخطاء الطباعة، وهذا نص ما قاله عنها: «وجاء في كتاب (دليل الخليج): الجارودية على بُعد ميلين ونصف غرب جنوب غربي مدينة القطيف، قرية مسوَّرة تتكوَّن من 150 منزلاً للبحارنة؛ معظمها من الحجارة والطين، وبعضها من الأكواخ، وبعض المنازل تقع خارج السور، وتُروى الأرض بينبوع السديف(؟) الذي ينبع من القرية نفسها”» (11). الذي في دليل الخليج هو (السدين)، كما مرَّ، وليس السديف. وقد تعرض الشيخ لذكر هذه العين مرة ثانية في عرضه للعيون، فأورد اسمها قريبًا من الصواب كما ورد في دليل الخليج هكذا (صدين) غير معرفة (12)، إلا أنه لم يتدارك ذلك الخطأ، كما لم يلاحظ أن رسمها في دليل الخليج: الجرودية، بسقوط الألف الأوسط، والأغرب أنه عاد – بعد حين – في مقال له في جريدة اليوم، فذكر العين مرة أخرى بعنوان (السدين)(13) كما في دليل الخليج، وحتى بعد أن صوَّب الاسم بناء على تعقيب وصله من الأستاذ محمد سعيد المسلم، فقد بقي الاسم نكرة(14)، وفي ظني أن الشيخ والمسلم (رحمهما الله) قد شغلهما النقاش حول صدَّا صاحبة المثل عن الالتفات لتصويب الاسم.
كثيرٌ من الأخطاء التي وقع فيها مترجمو دليل الخليج، وجاراهم الشيخ فيها؛ عاد وتداركها بالتصويب عند إعادة نشرها ضمن كتابه (المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية)، إلاَّ أن بعضها فاته تصحيحه، فبقي على حاله. كما وقعت في المعجم نفسه أخطاء كثيرة، وإليك بعضًا منها:
أ- «عقق (؟) على بعد نصف ميل شرقي قرية الآجام» (15).
ب- «عين عقو (؟): كذا ورد الاسم في الترجمة العربية لكتاب (دليل الخليج (باعتباره اسمًا لعين من عيون القطيف، على نصف ميل شرقي قرية الآجام، يروي أراضيها الزراعية، وبعض تلك الأراضي يرويه: (بدي)» (16).
إن العين التي سمَّاها (عقق) في الفقرة الأولى؛ هي عينها التي سمَّاها (عقو) في الفقرة الثانية، وصوابهما كلتيهما: (عَقْعَق)، على اسم طائر العقعق، وهو من فصيلة الغرابيات في قدر الحمامة، طويل الذيل، اسمه العلمي (Pica pica)، لونه أسود والجزء الخلفي من البطن وطرف الجناحين أبيض، طوله 45سم تقريبًا. والريش الأسود على الأجنحة والذيل مشوب بلون أخضر برونزي لامع، يعيش في الريف وحواف الأحراش، والأرض العشبيـة، ويتغذى على الحشرات والعناكب والفواكه. يتشاءم العرب منه، ويضربون به المثل في الخبث والسرقة. وينسب إلى إبراهيم الموصلي في ذَمِّه قوله (17):
إذا بارك الله في طائر
فلا بارك الله في العقعق
طويل الذَّنابى(18) قصير الجناح
إذا ما رأى غفلةً يسرقِ
يقلب عنين في رأسه
كأنهما قطرتا زئبق
أما الذي في دليل الخليج فهو: (عقعق)(19) ، وليس (عقو)، فالظاهر أن خطأ طباعيًّا وقع في الكلمة عند الشيخ، أو أنه نقل عن طبعة أخرى غير التي لدي، فالشيخ- في معجمه – نقل عنه، ولكنه علق بما نصه: «ولا شك أن كلمتي عقو وبدي ليستا صحيحتين، ولعل أحد القراء يهتدي لصوابهما، ولو لا أنني أخذت على نفسي ذكر ما عرفته في هذا الموضوع لما ذكرتهما».
3 – وكتب في مكان آخر: «عين البدع أيضًا، وعدَّ صاحب كتاب دليل الخليج من عيون القطيف عينًا سمَّاها: (البدي)، وأراها: البدع، ومما جاء في ذلك الكتاب عنها: على بعد نصف ميل في الجنوب الغربي من الآجام، هي عين (بدي)» (20). ما في دليل الخليج صحيح سوى أنه أهمل شكل الكلمة، وجاء بها معرفة، والصواب: (بِدِّي)، بباء تحتية مكسورة، ودال مشددة مكسورة كذلك، وبعض أهلها اليوم يبدلون الباء التحتية الموحدة، بميم مكسورة، ودال مشددة، فينطقونها: (مِدِّي)، وفي تقديري أن الشيخ (رحمه الله) غيرُ ملام على شكه في كلمة (بِدِّي) مع أنها صحيحة، فإنَّ شكه له ما يبرره، ولاسيما عند النظر إلى ما وجده من كثرة الأخطاء لدى مترجمي هذا الكتاب وغيره، وإلى ندرة المراجع الموثوق بها. فلا نُدْحة له عن أن يبالغ في الحذر حتى أدى به اجتهاده إلى أن جاء ببعض الأسماء بخلاف الصحة، وفي ما يلي بعض منها:
أ – «عين العتيقية: ورد هذا الاسم باعتباره من عيون القطيف في كتاب دليل الخليج، وفيه (العتيقة) على بعد ميل واحد جنوب قرية صفوا» (21). الذي في دليل الخليج جـ5/ 1887، عين (العتيقة)، صحيح سوى أن الشائع (عتيقة) بلا تعريف.
ب – الخيضرية: سبخة طويلة تمتد من غرب مدينة الدمام إلى غرب مدينة سيهات (22)». الصحيح: (الخُضْرِيَّة)، وتقع إلى الغرب من مدينة الدمام، وإلى الجنوب الغربي من مدينة سيهات، وقت نشر المعجم. أمَّا اليوم فقد تجاوزتها الدمام غربًا، بكثير، كما اتسعت سيهات وامتد عمرانها إلى الغرب كثيرًا فأصبحت الخضرية تحاذيها من الجنوب تمامًا.
ج – «عين أبو لوزة في الجهة الجنوبية من الأحساء<(23).
توجد في الأحساء عين بهذا الاسم، ولا أعلم إن كان شيد عليها مبنى لحمام أم لا، لكن موضوع الشيخ هو القطيف وعيونها، وليس الأحساء وعيونها، فيتعين أن يكون مراده حَمَّام (أبو لوزة) الذي في القطيف، وهو عينه الذي ذكره الشيخ باسم (عين حباكة) في قصة السمكة التي سننقلها لاحقًا، وهو نفسه الذي سوف يسميه (عين خباقة) في الفقرة التالية.
د – «عين خباقة. هي بئر ينزل إليها بدرج، ولكنها تدعى عينًا، وماؤها حار، وهي في القطيف غرب المدينة، داخل النخيل، جوار المقبرة المعروفة بمقبرة خباقة، وأهل البلدة يقصدونها للاستحمام، وقد بني فوقها – في عهد الأتراك – قبة محكمة، وأصلح في داخلها أمكنة للاستحمام<(24).
كل ما جاء به الشيخ، في صفة هذه العين، صحيح، إلا اسمها؛ فصوابه حَمَّام (أبو لوزة)، كما بيَّنا أعلاه، وليس (عين خباقة)، وهو من المعالم الأثرية التي كان من الواجب المحافظة عليها، لكن الجهل والإهمال أدَّيا إلى تخريبه، وقد قمت –أثناء عملي رئيسًا لبلدية القديح – بالتعاون مع جمعية القطيف الخيرية بترميمه، فتم تنظيف الحمام مما فيه من الردم والمخلفات. أما عين (الخباقة) بصيغة المعرفة، وبفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة وفتحها، ثم ألف بعدها قاف مثناة فوقية، ثم تاء مربوطة؛ فهي إلى الشرق من الحمام المذكور بنحو 60مترًا تقريبًا(25)، وهي مكشوفة، ومقام على مجراها المتجه شرقاً حمام للنساء يرتفق منها، والبعض يبدل الخاء حاءً، والقاف كافًا فيسميها: (الحبَّاكة)، وهو الاسم الذي سمى به الشيخ حمام (أبو لوزة), ويطلق أيضًا على الناحية التي تقع فيها العين، وعلى مقبرة قريبة منهما.
لعل من المناسب أن نقف قليلاً عند هذا الحمام، فللشيخ فيه قصة يزيد من طرافتها تأثير دليل الخليج عليه حتى أنساه حقيقة اسم ذلك الحمام، فالشيخ – كما هو معروف – قد أقام في الدمام ردحًا من الزمن، أثناء عمله مفتشًا دينيًّا بوزارة المعارف على المدارس التي افتتحها شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) بالظهران لتعليم أبناء موظفيها وعمالها العرب.
وكانت للشيخ بأدباء القطيف، خُلطة، وصلات، وزيارات متكرِّرة تعرَّف، خلالها، بحمَّام (أبو لوزة)، فهو من الأماكن التي زارها الشيخ بنفسه، وقصة زيارته لهذا الحمام كتب عنها في ثلاثة مواضع:
الأول – في مقابلة صحفية أجراها معه الأديب الشاعر خليل إبراهيم الفزيع، والأستاذان فالح الصغير، وعبد الرؤوف الغزال، ونشرتها جريدة اليوم(26)، تحدَّث فيها، ضمن عرضه لذكرياته في المنطقة الشرقية إبَّان عمله فيها مفتشًا على المدارس التي بنتها شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) لتعليم أولاد عمالها العرب، فأورد قصة سمكة اشتراها من بائع الكتب العتيقة (علي الكسار)، (رحمه الله)، وقام بشوائها بجوار الحمام.
الثاني – في كتابه (في الوطن العربي – القسم الثاني من رحلات حمد الجاسر) (27).
الثالث: في كتابه (من سوانح الذكريات)، الجزء الثاني(28).
ولكي لا أطلِق العنان لذاكرتي الضعيفة أدع الحديث للشيخ (رحمه الله): «وكنت آتي إلى القطيف، وخصوصًا في يوم الخميس، فمررت بدكان رجل يبيع الكتب القديمة، ويُدْعى – إن لم تَخُنِّي الذاكرة – علي الكَسَّار، ولعله أب للأديب محمد بن نصر الله؛ لأنني كتبت مرَّة حول هذا الموضوع، ووقع خطأ مطبعي (تطبيع)، فظهر اسمه (علي الفار)، فأتاني وقال: “كيف سميت أبي الفار؟ وكان الدكان عبارة عن دهليز مستطيل، المدخل، متصل بسوق الخميس. هذا الدهليز، باستطالته، قد جمع فيه صاحبه أشياء غريبة جدًّا، منها الكتب القديمة، والأزيار، وغيرها، وفي طرفه تجد البضاعة اليومية، ففيه الخُضَر التي جُلِبت ساعتَها، وفيه أنواع السمك الذي اصطيد ساعته».
بعد حديث الشيخ عن (علي الكسَّار)، يأتي على قصة السمكة فيقول: «اشتريت منه كتاب (الراموز في اللغة)، وهذه النسخة فريدة في العالم كله، وأذكر أنني، في ذلك اليوم، اشتريت منه الكتاب، واشتريت منه سمكة طريَّة بطول الذراع، وقليلاً من الخبز، ووضعت كلَّ ذلك في قُفَّة، وكان الوقت شاتيًا، فذهبت إلى عين (حباكة)، والوقت قارب الظهيرة، فاشتهيت الأكل، فجمعت من سعف النخل وكَرَبِه، وأوقدت النار، ووضعت السمكة فوقها، وكانت النار قريبة من النوافذ المطلَّة على الحمَّام، فدخل الدخان إلى الحمام من النوافذ، فما شعرت إلا وعدد من السابحين يخرجون شبه عرايا، فهربت من المكان، وأتوا إلى النار وأطفأوها، ويبدو أنهم شرقوا من الدخان<.
إذن فحمام (أبو لوزة) هذا معروف لديه، ومع ذلك فقد سمَّاه (عين حباكة)، والحباكة أو (الخباقة) اسم يطلق على الناحية التي يقع فيها الحمام، وعلى عينٍ قريبة منه، ومقبرة قريبة منهما، وقد مر بنا أن الشيخ وضعه إلى الجنوب من الأحساء.
ألغام أخرى
رشا، لا في القديح
لا شك إنها ألغام التطبيع تلك التي عثر فيها الشيخ هذه المرة، وأولها: الخطأ الذي وقع في رسم (رشالا)، وهو اسم قرية قديمة مندثرة تقع بجانب بلدة القديح القديمة بالقطيف، لم يبق منها الآن سوى مقبرة تعرف بهذا الاسم، وكان بجانبها مقلع للطين الأخضر. وقد اتسعت بلدة القديح الآن، وأصبحت مدينة تشمل الموقع الذي كانت تحتله قرية رشالا. ذكرها الشيخ جعفر الخطي في قصيدة يهجو فيها أحد متشاعرة القطيف فقال:
أو فاقتلع من رشالا الطينَ مُتَّخِذًا
منه الجِرارَ، وعِش في الخط جرَّار
وورد اسمها في كتاب أنوار البدرين، في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين، للشيخ علي بن حسن البلادي القديحي (رحمه الله) في ترجمة الشيخ يوسف بن أُبَيّ. إلاَّ أن خطأًً وقع في رسم الكلمة في هذا الكتاب، فكتبت هكذا: (رشا، لا من القديح)، وأكل الشيخ الجاسر (رحمه الله) المطب فلم ينتبه لهذا التصحيف فظنها (رشأ)، أي ولد الظبية، وهذا نصه: «رشا – على اسم ولد الظبية، من قرى القطيف القديمة التي كانت معروفة إلى عشر الأربعين من هذا القرن، وكانت بقرب قرية القديح. قال صاحب أنوار البدرين في ترجمة الشيخ يوسف بن أُبَي – من أهل المئة السابعة: “وهذا الشيخ من قرية رشا، لا من القديح، إحدى قرى القطيف، سكنى صاحب هذا الكتاب». وللشيخ الجاسر في كتابة الاسم مقسومًا بفارزة بهذه الصورة: «من قرية رشا، لا من القديح» واسع العذر، إذ يحتمل أنه فهم منه التأكيد على أن المترجَم ليس من القديح، وإنما هو من رشأ، ولنعرف عذر الشيخ يحسن أن أنقل نص ما في أنوار البدرين مراعيًا علامات الترقيم كما جاءت في الكتاب: «قلت: وهذا الشيخ من قرية (رشا) لا من) القديح) إحدى قرى القطيف سكنى صاحب هذا الكتاب وقبره (قدس سره) في مقبرة رشا لاتابع القديح، معروف عند أهل تلك القرية».
لاحِظْ كيف حُصِرت كلمة (رشا)، بين القوسين، قائمة بذاتها وكأنها اسم القرية، ثم جاءت عبارة: لا من القديح، وكأنها نفي لأن يكون المترجم من القديح، وتأكيد على أنه من قرية رشا، ثم وردت الكلمة: “رشا” مرة أخرى بعيدة عن جزئها الثاني”لا”، وألصقت “لا” بكلمة: (تابع) في نهاية الفقرة، فصارت (لا تابع القديح) بدلاً من صيغة: “رشالا” تابع القديح، إذن؛ ليس غريبًا -بطبيعة الحال – عدم انتباه الشيخ إلى بقية الجملة، ونقلها كما هي فاصلاً بين جزأيها بفارزة هكذا: «وقبره بمقبرة رشا، لا تابع القديح» (29) ، مع أن جملة (لا تابع القديح) لا معنى لها، حيث يوحي سياق الكلام بنفي تبعية المقبرة للقديح في غير مناسبة للنفي.
ولحرص الشيخ على بلوغ الغاية في الدقة، والتثبت عاد فصوَّب الكلمة إلى (رشالة) (30) بتاء مربوطة مكان الألف معتمدًا، في ذلك، على تصويب وصله من المؤرخ الأستاذ محمد سعيد المسلم، (رحمه الله)، لكن هذا التصويب لم بكن دقيقًا، والصحيح (رشالا) كما أسلفت، ولعل الأصوب أن تكتب: (رشالى) بالقصر، كديالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة الواحة، فصلية، تعنى بشؤون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي، صدر عددها الأول في المحرم 1416هـ، يونيو1995م. وتوقفت بالعدد 66، الربع الثالث 2015م، ع: 37، الربع الثاني 2005م، ص: 6.
(2) ومنها المعجم الجغرافي للبلاد السعودية (المنطقة الشرقية – البحرين قديمًا)، نشر دار اليمامة، للبحث والترجمة والنشر، الرياض. د. ت.
(3) مجمع الأمثال، تأليف أبي الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري، الميداني، حققه وفصله وضبط غرائبه، وعلق حواشيه محمد محيي عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت. د. ت. جـ2/ 213، المثل: 3497.
(4) دليل الخليج، ج ج لوريمر، الطبعة الجديدة المعدلة، أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، الناشر: مكتب أمير قطر، مطابع علي بن علي، الدوحة. قطر. د. ت. جـ5/1885، وجريدة اليوم، صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة دار اليوم بالدمام، العدد: 4177، الاثنين 8/ 12/1404هـ.
(6) المعجم الجغرافي للبلاد السعودية (المنطقة الشرقية – البحرين قديمًا)، الشيخ حمد الجاسر، دار اليمامة، للبحث والترجمة والنشر، الرياض، القسم 4/1395.
(8) دليل الخليج، ج ج لوريمر، جــ5/1885.
(9) دليل الخليج، ج ج لوريمر، جــ5/1882.
(10) دليل الخليج، ج ج لوريمر، جــ5/1888.
(11) المعجم الجغرافي للبلاد السعودية (المنطقة الشرقية – البحرين قديمًا) ، مرجع سابق، ق 1 /355 – 356.
(12) المعجم الجغرافي للبلاد السعودية مرجع سابق، القسم: 3/1228.
(13) جريدة اليوم، العدد: 4177، الإثنين 8/ 12/ 1404هـ.
(14) المعجم الجغرافي للبلاد السعودية مرجع سابق، القسم: 4/1909.
(17) نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، تحقيق د. يوسف الطويل، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. جـ10/152.
(18) الذُّنَابَى، بضَمِّ الذال وتشديدها، وفتح النون والباء بعدها ألف مقصورة: الذَّنَبُ. انظر: القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزابادي. تحقيق مكتب نحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ،1987م.
(25) أخذ الإحداثيات نزار عبد الجبار.
(26) جريدة اليوم، الخميس، 6 ربيع الثاني، سنة 1403 هـ، رقم 3684 ص: 13.
(27) منشورات مجلة العرب، الطبعة الأولى، 1419 هـ ، الرياض، ص: 63 – 64.
(28) إشراف مركز حمد الجاسر الثقافي، نشر دار اليمامة للبحث والترجمة النشر. الطبعة الأولى، 1427هـ 2006م جـ2/793 – 797.
(29) المعجم الجغرافي للبلاد السعودية، سبق ذكره، ق 3/ 1357 – 1358