بُستان خولة
أمجد المحسن* |
لـخـولـــةَ من أطلالِها سِدرةٌ تـعْــبـى،
ممزَّقةٌ في الرّيحِ مــن وحشـــــةٍ إربـا
يفيءُ لها من يطلُبُ الدّمعَ، يرتـــمي
إلى جذعهـا دمعاً يوشِّحهـا رطــبـا
هــــواءُ الكثيرين الكثيريـن مرَّهـا
ورقّشَ في الجذعِ اسمَهُ وقضى نحبـا
وطـــــرْفةُ أعطاها المطالعَ، واكتفى
مُلوِّحُ وشمٍ عندَهَا استوقَفَ الصّحبـا
جَـماليَّةً وحـــــــشيَّةَ الشَّكلِ، كبَّها
على الشّكلِ فاسْتَمْلَحتُهُ، صبَّها صَــبَّـا
تـــركتُ لهُ وصفَ الحُدوجِ، لأنَّها
يـدُ الفألِ مرَّتْ تقسِمُ الحظَّ والتّرْبـا
لـِخولةَ أطــــلالٌ ورائــي تركتُـهـا،
لمنْ يتَــمَرْأَى في الخساراتِ والنُّهْـبَـى
ومَن هـــمُّـــهُ نعتُ الغـــزالِ، لأنَّهُ
لو احــتازَهُ فعلاً لـَما نالَـــــهُ سَلـبـا
ويرجعُ من خيــــباتِه أنَّهُ الفتـــــى
وأرجــحُ من نوديْ وأوضَحُ مـن لبَّى
وأنْ خــــولةٌ لا بُدَّ يـــبلُغُـهـا الذي
سيفعلُهُ، ما زوَّدتْ حامـلَ الأنبـا
وماذا على الرّأسِ الغبيِّ لـو انتــــهـى
بنهي الذي ألقى الصّحيفةَ واستغبى؟
ورُبَّ قصـــيدٍ أنْهرَ النَّـــهـــرَ والنُّهى
تحاشَتْهُ فـردانيَّــــةٌ برَّرتْ جـــدبـا
كذلك من غـاياتُهُ واقـــــعُ النّدى ..
سيأنفُ أن يستمطرَ الطّلَــلُ السُّحبـا
إذا الشِّعــــرُ لم يُرْبِكْ، إذا الشِّعــــرُ لَمْ يُرِحْ ؛
تـسـاوَتْ بساتــيــــنُ ابنِ يامــنَ والأعـــبـا
وألفيتُني في ركبِ خــــولةَ زوجَهـا
إلـى واحـــةٍ تُغني الرّحائلَ والرّكبـا
وما خلفنـا إلا المحطّاتُ، كلَّـــمـا
ظعـنَّا تركنا من غضَــىً جمرةً غضبـى
معي خولةٌ، واخترتُ بُســـتانَ خولةٍ
وسِرْنا معاً ننحــو حـــدائقَهـا الغُلبـا
ونحنُ على ليل الخـــــــزامى تُسرُّ لـي
حكايتَها لا الصِّدقَ أعني ولا الكِذْبا
تحدِّثُني عــن نفـــسِهـا ونفيـــسـهـا
وغبرتِها، عن طفلةٍ روّضَتْ صَعبـا
وخـــــيّالةٍ وافَـــــوا مـــرابعَ أهلها،
أرادوا أباها ظُــلمَهُ فارتـدتْ رُعبـا
وعن هائمين استـــــــتبعوا إثْرَ ناقةٍ، و
عن عاشقين استهلكوا الّلومَ والعتبا
وعمَّنْ رمتْ في قلبِـــه قــلبَهـا، ولمْ
يكنْ رجلاً فاسترجعتْ قلبَهـا ذنْبـا
وعن خاطبٍ ودَّاً، وعن طالبٍ يـداً
وعن طيِّبِ المربى وعن سيِّئِ المربى
ولمّا حريرُ الهمسِ ما بيـــنــنا شكـــى،
مُجعَّــدُهُ، والفجــرُ من نومـــهِ هبَّــا
أسرَّتْ لقلبــــي : دورُك الآنَ، فاحكِ لــي،
فقلـــتُ : أنا شِعـــري بمـا باحَ أو خَــبَّـا
دعينـا إلى عنوانِ جرهاءَ نــقتفـــي،
ونحمدُ جرَّاها المتيــــــهَ وما اسْتصبى
ولا بُدَّ من جرهاءَ نبــــلُغ تيــــــنَها
وأترجَّها، نطوي بها الحِقَبَ السّغبـى
ونعبُرُ منــــها نحو أرضٍ فسيحــــةٍ
مشكَّلـــــةٍ نُعمى مظلَّـــلةٍ خِــصبـا
إلى سِـــــدْرةٍ مشبوبةِ الّلونِ، حُلوةٍ
مُطيّــــــبةٍ بالَ الأعاريبِ والقُربـى
تقـــــولُ بآرامـــــيّـــــةٍ عربيـــّةٍ:
أنا هي، فاقرأْ بي الحكايةَ والشّـعـبـا
هي الشِّعرُ إمَّا ينفــــعُ النَّاسَ بـِرُّهـا
وإيراقُها، لا حوزةٌ أشبَعتْ حِــزبـا
نـــــذرتُ لها حُبِّي وحوْلي وقوَّتــي،
ولا حــوْلَ إلا بالذي خَلَــقَ الـحُبَّـا
——
* شاعر سعودي، نشر أربع مجموعات شعر، سهرة عباسية، أدراج، حضرة ذوات الأكمام، مكعب روبيك.