هل تحتاج فعلاً لشهادة جامعية؟
فهد عامر الأحمدي* |
لن أحدثك عن العباقرة الذين لا يحملون شهادات جامعية، بـل عن الدوافع التي أهلت الناجحين عموماً للتفوق بدون شهادات جامعية..
فقد تربينا على نصيحة (ذاكر وانجح) كي تحصل على وظيفة ممتازة. ولكن نصيحة كهذه تعد وصفة للفقر كون الطلبة الجامعيين سيتوظفون في النهاية في شركات ومشروعات يؤسسها غير الجامعيين (ممن أسسوا 97 % من الشركات العائلية في السعودية)..
لا أحاول ثني أحد عن دخول الجامعة، بــل ألفت انتباهكم إلى نقاط تفوق من لم يدخل الجامعة.. فغير الجامعيين يملكون فرصة الوصول في سن مبكرة للثراء وتأسيس مشروعاتهم الخاصة.. ينشؤون كــ»أبناء سوق» ويهجرون دراستهم لتحقيق مشروعات يعرفونها جيداً.. أبناء التجار وملاك الشركات بالذات يصعدون مبكراً ويحصلون على خبرة عملية أكبر من أي خريج (عظمه طري).. يتعلمون من تجاربهم، ويصبحون خبراء في مجالهم، ويكتشفون بسرعة أن ما يُدرس في الجامعات أفكار شمولية لا تنطبق على واقعهم الفريد.
ونفس الوضع يسري على عباقرة التقنية الذين لم يدخل كثير منهم الجامعة (أو لم يكمل فيها) لإدراكه أنها لن تضيف له شيئاً – أو تؤخره في أفضل الأحوال عن تحقيق أحلامه.. بيل غيتس مثلاً لم يكمل دراسته في هارفارد لأنه استشف حاجة شركات الكمبيوتر لبرامج تشغيل خاصة، وستيف جوبز لم يدخل الجامعة لأنه أسس شركة آبل، وأديسون ترك المدرسة لأنه كان يقدم اختراعاً تلو الآخر، وفورد لم يفكر بالشهادة كونه أسس مبكراً شركته الخاصة (وجميعهم وصلوا لمستوى المليونيرات قبل أن يتخرج زملاؤهم من الجامعة)..
والموهوبون عموماً في أي مجال، لا يتأقلمون جيداً مع المؤسسات التعليمية كونها تحد من قدراتهم وتفقدهم تفردهم.. تضعهم في قالب صارم (حول ما ينبغي ومالا ينبغي فعله) وتحشرهم بين زملاء يفكرون بنفس الطريقة.. لهذا السبب يبدو العباقرة وكأنهم طوروا أنفسهم بمعزل عن أي منهج أو مؤسسة تعليمية.. لا يمكنك أن تسأل موزارت مثلاً أين تعلمت البيانو، أو المتنبي من علمك الشعر، أو بوذا من علمك الحكمة، أو ابن سينا من علمك الطب – أو حتى أم كلثوم من علمك الغناء – لأنها مواهب يولدون بها ولا يمكن لأي مؤسسة أكاديمية تعـليمها (وأكاد أجزم أنهم حتى هـم لا يعرفون كيف يجيبون على هذه الأسئلة)!!
أما أهـم دافع في نظري (وراء تفوق غير الجامعيين) فهو إدراكهم أنهم لا يحملون شهادات يركنون إليها أو مرجعية رسمية يستشهدون بمصداقيتها.. الموهوب الذي لم يدخل الجامعة يشعر أنه مكشوف ويعيش على كف عفريت فـيعمل على خلق واقـع ملموس (يشهد لـه) بالتـفـوق..
.. المقال في 23 كلمة؛
لا ينكر أحد أهمية الحصول على شهادة جامعية، ولكن لا أحـد أيضاً ينكر قــوة الإصرار التي يملكها عقـل جبار لا يملك اعترافا ًرسميا.
__________________
*صحيفة الرياض، الثلاثاء 13 جمادى الأولى 1439هـ – 30 يناير 2018م