ثلاثية التقتيل.. باسم الدين

حبيب محمود

في المسألة الإرهابية؛ برز الاعتداء على المتعبّدين في دور العبادة كمُحّصلةٍ معقّدة للتطرف الدينيّ. ولعلّ الجريمة التي ارتكبها أحد الصهاينة في الحرم الإبراهيمي، في الخليل سنة 1994م، أشدّها وضوحاً في أواخر القرن الميلادي الماضي. خلّفت المذبحة 29 شهيداً، وأكثر من 150 جريحاً. وعلى رغم فداحتها؛ لم ينشط سياسيو العالم وصُنّاع مصطلحات السياسة والإرهاب ضدّ الصهيونية العنصرية، بكل ما فيها من دموية.

كانت جريمة يهودي ضدّ مسلمين. ولهذه الجريمة نظيرٌ في بعض البلدان الإسلامية ضدّ مسيحيين. ومصرُ هي الدولة الأكثر تأذّياً من مثل هذه الغدْرات الإرهابية. مصرُ واجهت تحدّياً إرهابياً استهدف مستقبلها الوطني.

ونحن نتحدّث عن إرهاب يستهدف دور العبادة تحديداً، ضمن دائرة الإرهاب عموماً.

وجريمة نيوزلندا؛ تندرج ضمن هذا التحديد أيضاً. فقد جاءت غَدْرتُها من مسيحي ضدّ مسلمين مُسالمين. الرقم الذي تتبادله وكالات الأنباء منذ الصباح هائلٌ في حجمه، وصادمٌ في دلالته. والأشدّ صدمةً وترويعاً هو الأسلوب المسبوق بترصد وتصميم واستعداد. وجاء التنفيذ مصوّراً، على الهواء مباشرةً، وعلى نحو يُشبه ألعاب الفيديو التي يتسلّى بها أطفال العالم..!

لم يسبق لأيّ إرهابيٍّ أن جعل من البثّ الحي وسيلة لإيصال رسالته. لعلنا شاهدنا مقاطع الفيديو التي سجّلها إرهابيون من الشرق الأوسط قبيل تنفيذ جرائمهم. وشاهدنا بيانات شركاء لهم بعد تنفيذ الجرائم.

لكنّ ما حدث اليوم جديرٌ بأن يُشرَّح ليس لنفهم المدى الكاشف عن صميم التطرُّف والكراهية الباردة الدم حدّ تقتيل الناس على هذه الطريقة وكفى؛ بل لفهم ما هو أعمقُ وأدقُّ وأخطر..!

لو كانت مسؤولية الجريمة محصورة في فردٍ واحدٍ؛ لقال المحلّلون إن ذلك واقع ضمن “الجرائم الفردية”، أو تحت سياق “الذئاب المنفردة”. لكن الجريمة كانت مزدوجة، وفي مسجدين اثنين، ونُفّذت كلتا الجريمتين على طريقة واحدة. طريقة استعراض التقتيل، لا القتل فحسب..!

طريقة “أيها الناس.. شاهدوا كيف أقتل”. ليست الصورة مروّعة فقط، بل ومُنذرةً بما وراء مذبحة إجرامية مشحونة بالمباهاة والاستعراض الدموي. هذا النوع من الإعلان يُشير ـ صراحةً لا ضمناً ـ إلى وجود خلفيةٍ داعمة لا يُعرف مدى اتساعها في المجتمع النيوزلندي.

العصبيات منتشرة في كل بلاد العالم. التطرُّف مشهودٌ على وجوده في الأقطار. الكراهية متبادلة بين أتباع الدين الواحد نفسه في بلدان كثيرة، ناهيك عن أتباع الأديان المختلفة.

لكنّ التجاسر إلى حدّ إشباع شهوة الكراهية بالتقتيل العلني يحتاج إلى قوة اجتماعية داعمة، أو على الأقلّ غير مبالية، لا بالوسيلة، ولا بالنتائج.

المجتمع النيوزلندي يواجه  امتحاناً خطيراً، وساسة العالم أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×