صور عراقية في الألبوم السعودي

محمد رضا نصرالله

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ

لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ   .

وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي

هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ.

بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ

ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ.

عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ

سهم أصاب وراميه بذي سلم.

مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ

وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ.

يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ

أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ.

فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ

عندي رسائل شوق لست أذكرها

 لولا الرقيب لقد بلغتها فاك

هامت بك العين لم تتبع سواك هوى

مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ

اسمح لي ايها الشريف الرضي السيد البهي، أن أتلمس خطاك رغم  بعد ألف سنة مما نعد ٠٠ وأنا على مقربة من ثراك الطاهر، مضمخا بروائح الشعر الزكي، متنقلا بين نقابة الاشراف في بغداد،  وإمارة الحج إلى الحجاز ٠٠ مستذكرا في قصيدك العذب الجزل مواقع العرب في جزيرة العرب، إذ أفد إليك اليوم وقلبي متيم، وعيني دامعة، مترقرقة بصور الطفولة،وخواطر الصبا، ويفاعة الشباب. منذ دخلت مشهد الكاظمين، محمولا على كتف جدتي العطوف، وقد بهرني ذهبه اللألاء، وشمعدانات شموعه الوضيئة.

كان العراق للتو قد ثار على المرحلة الفيصلية، منذ غرس البريطانيون نواة دولة، أن عرفت حالة من التداول السلمي على السلطة، والتعبير الحزبي الحر،  والابداع الشعري المجلجل ٠٠  فإنه انتهى إلى مراحل متعاقبة من القلق السياسي، شهدت فصوله المتصارعة، وتابعت خضم موجاته المتصارعة،  حيث أقف الساعة وبين ضلوعي مفارقات متواشجة، ما انفكت  يوما بين وطني العربي السعودي،  والعراق المطبوع في مخايلنا، والساكن شغاف قلوبنا، إذ توالت سهام التقارب بين نجد  والأحساء والقطيف ٠٠ وإن لم يصدقني أحد من جيل اليوم في البلدين، فليقرأ أميز ما تطارحه الأكاديمي الكويتي د عبدالله النفيسي في اطروحته للدكتوراه لا غيرها ! من جامعة لندن سنة ١٩٧٠ م، وقد تردد قبلها على دوائر بغداد ومكتبات النجف مجتمعا بحكيمها، قبل أن يتصفح أرشيفات بريطانيا وتركيا وإيران، باحثا منقبا عن جذور التكوين القبلي في جنوب العراق، حيث رحلت قبائل نجد إلى مياهه بين دجلة والفرات، منذ القرن السادس عشر الميلادي. متتبعا مجريات الأحداث في ثورة العشرين وما قبلها، ضد الاستعمار البريطاني، وقد  قامت الدولة الوطنية في العراق، بتلاوينها الإثنية ومروحتها المذهبية. ولم تكن بلادي المتاخمة له بعيدة عن ما يجري ٠٠ بل أحيانا هي في الصميم منها، إذا ما تصفحنا سير بعض رموزها الدينية والأدبية والصحفية. فهذا هو أحد مراجع النجف الأشرف، وأحد أبرز رموزها الوطنية، وأبرع شعرائها المبدعة، السيد محمد سعيد الحبوبي، يفجر ينابيع مشاعره، دافقة بالحنين إلى نجد، كلما تصفحت قصيده الغزل، وديمه الموشحة السمحة السكوب.

أسمعه وقد استوى عالما فقيها، وعلما مرفوفا في النجف الأشرف، متذكرا أيام صباه الغرير،  وشبابه اليافع في حائل، مرافقا والده متاجرا في  سوق برزان، وساكنا في حي المشاهدة؛

بلادك نجد والمحب عراقي   

فغير التمني لا يكون تلاقي

ولو ان طيفا زار طرفي ساهدا

لكنت رجوت القرب بعد فراقِ

بلى قد ارى تلك المغاني تعلة  

فاحسب  اني زائر  وملاقي

ارى الدهر يابى في تآلف شملنا

كأني اعاديه فرام شقاقي

هي الشمس في افق السماء مقرها 

فكيف براق نحوها ببراق

الا هل اراني واجدا ريح وصلهم

وان عدموني صحبتي ورفاقي.

ولا يفتأ( محمد سعيد الحبوبي) يعتلجه الُحنين الشيق الى مرابع صباه النجدي، وقد اختطفه سنا برق ذلك الكوكب الأنثوي الفتان ٠٠

اسمعه يتغزل:

لُحْ كوكباً وإمشِ غُصناً والتفِتْ ريما

فأن عداكَ آسمها لم تعدك السيما

وجه أغرّ وجيدٌ زانه جِيدُ

وقامة ٌ تخجل الخطيّ تقويما

يامن تجلّ عن التمثيل صورته

أأنتَ مثَّلتَ روح الحسن تجسيما

نطقت بالشعر سحراً فيك حين بدا

هاروت طرفُكَ يُنشي السحر تعليما

فلو رأتك النصارى في كنائسها

مصوراً رّبعت فيكَ الأقانيما

ألقى الوشاحَ على خِصر ٍ توهمٌه

فكيف وشٌحَ بالمرئيُ موهوما

ورجَّ إحقاف رمل ٍ في غلائلِهِ

يكاد ينقدّ عنها الكشح مهضوما

الردف والساق رداً مشَيِهِ بهرا

والدرع منقدّة والحجل مفصوما

ولحن معبد يجري في تكلٌمِهِ

إنْ أدمجَ اللفظ ترقيقاً وتَرخيما

يا ترى هل تشكلت هذه الصور في وجدانه الرقراق ،وهو يسرح ويمرح على رمال حائل الدمثة،  وبين جبليها الأشمين:

يانازلي الرمل من نجد أحبكم

وإن هجرتم ففيما هجركم فيما

ألستُمُ أنتُمُ رَيحانَ أنفسُنا

دون َ الرياحينَ مَجنيٌاً ومَشموما

إن ينأ شخصكم فليدنو طيفكمُ

لو أن للعين إغفاءً وتَهويما

هل توردون ظمآءً عذب منهلِكُم

أمْ تصدرون الأماني حِوٌماً هِيما

لي بينكم لا أطال الله بينكمُ

غضيض طرفٍ يردّ الطرف مسجوما

أنا رضيع هواه منذ نشأتِهِ

ونشأتي لم تردني عنه مفطوما

ما حلتُ عنه ولا عن عهد صبوته

وإن أطال الجفا عزماً وتَصميما

وفي رائعته (ياغزال الكرخ) التي تذكرنا برقة موشحي الأندلس، ورشاقة صورهم وخفة أوزانهم ٠٠ ما انفك الحبوبي  يتذكر صور الصبا والشباب والأمل المنشود حسب تعبير الأخطل الصغير. لكن في نجد !.

ياترى هل خطف لب الحبوبي  إذاك غزال شارد في زي الاعاريب مستلهما روح المتنبي البدوية ؟!

ف  ماأوجه الحضر المستحسنات به

كاوجه البدويات الرعابيب

أسمعه يكفكف صوره البدوية تتداعى بكل لهفة مترعة بالحب والجمال، وهو في موشحة خمرية بالزوراء المتحضرة:

ياغزال الكرخ واوجدي عليك

كاد سري فيك أن يُنتَهكا

هذه الصهبآء والكأسُ لديك

وغرامي في هواك إحتَنكا

فآسقني كأساً وخُذْ كأساً اليك

فلذيذ ُ العيش أن نشتركا

إترع الأقداح راحاً قرقفاً

وآسقني وآشرب أو آشرب واسقني

فلمُاك العذبُ أحلى مرشفا

من دم الكرم ومآء المُزن

مِن طُلا فيها الندىُّ ابتسما

إذ سرتْ تأرجُ في نشر العبير

أطلعتْ شمس سناها أنجما

مِن حباب ولها البدرُ مُدير

والسما أرضٌ أو الأرض السما

إذ غدتْ تلك كهذي تستنير

في ربوع ألبستها مطرفا

أنملُ الزهر من الوشي السنى

وحمامُ البُشر فيها هَتَفا

مُعربا في لحنه ِ لم يلحنِ

****

وُحميا الكأس لما صفقَتْ

أخذتْ تجلى عروساً بيدَيه

خلتها في ثغره قَد عُتقتْ

زمناً وآعتُصرتْ من وجنتيه

مِن بروق بالثنايا ائتلَقَتْ

في عقيق الجزع أعنى شفتيه

كشف سترَ الدجى فآنكشفا

٠٠٠

أيها العذال كفّوا عَذلَكُم

بالهوى العذري عذري آتضحا

وامنحوا يا أهل نجد وصلكم

مستهاما يشتكى البرحا

واذكروني مثل ذكراي لكم

ربّ ذكرى قرّبتْ من نزحا

الوفا ياعرب يا أهل الوفا

لا تخونوا عهد مَن لم يَخُنِ

لا تقولوا صدّ عنا وجفا

عندكم روحي وعندي بدني

ولم لا تكون روحه هناك وهو القادم أصلا من هناك ٠٠ حيث مايزال بضع من قلب أهله  ينبض اليوم في المدينة المنورة.

تلك صورة

وهذه أخرى من صور عراقية  ماتزال في ألبومي السعودي 

حينما تشكلت أول حكومة عراقية برئاسة   نقيب الأشراف عبدالرحمن النقيب  فقد ضمت  وزيرا للتجارة من أصل نجدي هو عبداللطيف باشا المنديل المولود في جنوب العراق بمدينة الزبير، منتصف القرن التاسع عشر الميلادي لعائلة ثرية قادمة من إقليم سدير  التابعة اليوم لإمارة  منطقة الرياض،

هذا وقد توزر مرة أخرى للأوقاف، وحصل على لقب الباشاوية عام 1913م بعد نجاحه في ترتيب محادثات بين الملك عبدالعزيز والأتراك  وقد أصبح وكيله بعد ضم إقليم الإحساء إلى مملكته الوليدة بعد الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1924م تم انتخابه في المجلس التأسيسي عضوًا عن البصرة في المجلس التأسيسي.

إذا كان عبداللطيف باشا المنديل ولد في النصف الأول من القرن التاسع عشر. فإن أول صحفي نجدي وهو سليمان الدخيل ولد في النصف الثاني منه،  في بريدة من إقليم القصيم، ذهب في من ذهب إلى العراق مع حركة العقيلات المتاجرة في الجمال، غير أن الدخيل كان يشده طموح نحو التعلم والتثقف، وقد ولد في زمن كان الأتراك يستبدون بجحافلهم العسكرية على أجزاء من العالم العربي، وفي مقدمته العراق التي امتدت ولاية البصرة شاملة نجد والأحساء والقطيف. مما دفع بجنانه القومي إلى التبرم بالسياسة الطورانية، مستلهما ثقافة مجتمعه العربي التي أنضجها مقامه في العراق. وقد احتك بالعديد من علمائه وأدبائه وسياسييه. 

يذكر حمد الجاسر في أحد أعداد مجلتها( العرب):

في سنة ١٣٣٢ه لما قامت الحرب العالمية الأولى هرب الدخيل من العراق خوفا من إلقاء القبض عليه وتسليمه لولاةً الأتراك وواصل السفر إلى المدينة المنورة بعد أن وجد الأحوال في نجد مضطربة فأقام فيها مدة نسخ من خلالها بعض الكتب الخطية النادرة المتعلقة بتاريخ العراق أو تاريخ العرب.

ويذكر العلامة العراقي انستاس الكرملي

أن الدخيل  وكان أحد كتاب مجلته لغة العرب  قد جاب كثيرا من بلاد جزيرة العرب والهند وديار العراق وله اطلاع عجيب على تاريخ العرب وعوائدهم وأخلاقهم وأيامهم وحروبهم.

وبدعم من عمه جار الله التاجر في بغداد أصدر العدد الأول من جريدة باسم الرياض في يناير سنة  ١٩١٠ م ودامت على اختلاف الباحثين بين أربع وسبع سنوات وأصدر مع صديقه إبراهيم العمر مجلة باسم الحياة وفي سنة ١٩٣١ م حريدة أخرى اسبوعية باسم حزيرة العرب بالاشتراك مع داود العجيل وكان ينقل فيها أخبار توحيد الحزيرة العربية على يدي الملك عبدالعزيز الذي ارتبط وإياه بعلاقة مميزة.

وقد حظي الدخيل بتقدير نخبة العراق بعد قيام دولته الملكية البرلمانية ووصفه رفائيل بطي الأديب والشاعر والصحفي والوزير العراقي بأنه خدم القضية العربية وساعد على نشر الوعي القومي

وبعدما افتتح المنديل باب التوزر  في العراق وهو النجدي الأصل فقد دخله قطيفي هو سلمان الصفواني، الذي ترك مسقط رأسه صفوى وهي بلدة في محافظة القطيف، في العشرينات الميلادية من القرن العشرين، بعدما تعلم القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم على معلمي بلدته الصغيرة.. ذاهبا إلى بغداد.

وفي الكاظمية إذ كان شاباً متحمساً بالغ الحماسة – كما يعبر – قرر الانضمام إلى حركة الإمام الشيخ  الخالصي، المناهضة ضد فرض بريطانيا دستورا صيغ وفق مزاجها الاستعماري  على مملكة فيصل الأول، لتمرير معاهدة الانتداب البريطاني على العراق.. فما كان من عبدالمحسن السعدون رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بعد حكومة عبدالرحمن النقيب، إلى أن رضخ لمقاطعة العلماء المحرّمة للمعاهدة تحت غطاء الدستور، فراح يتفق مع السير برسي كوكس المندوب السامي، على تخفيض مدة المعاهدة من عشرين عاماً إلى أربع سنوات، بغرض قبولها جماهيرياً!!.. ومع ذلك فقد أصر الإمام الخالصي على موقفه، مما دفع بحكومة السعدون المنصاعة لأوامر المندوب السامي.. إلى القيام بنفي الخالصي وأبنائه ومعهم الشيخ سلمان الصفواني القطيفي، إلى البصرة فالحجاز حسبما أوصى وزير الداخلية، في برقيته إلى الملك فيصل الأول.. الذي أجاب: “إذا كان العمل ضرورياً تجاه الشيخ مهدي فأرغب أن يكون بكل احترام وبصورة لا تخل بكرامته الشخصية، وأن لا تعجز عائلته ولا تخوّف”.

هذا الخلق الملكي، شجع سلمان الصفواني، نحو خطوة أكبر في رمال الحركة الوطنية العراقية، فأصدر جريدة “اليقظة” ببغداد يوم الجمعة 5أيلول 1924م، واستمرت بين إيقاف واستمرار حتى عام 1959، بعدما “هجم الشعوبيون – يقصد الشيوعيين المتنفذين في حكومة عبدالكريم قاسم – في وضح النهار على مكاتب جريدة اليقظة وأحرقوها ونهبوا موجوداتها” كما يقول.

من هنا نتبين هوية الثقافة السياسية للصفواني، حيث عرف قومياً ملتهباً، هو ما جعل اليهود العراقيين يتهمونه بالتطرف.. وقد قرأت مثل هذا التذمر، قبل سنوات قليلة في جريدة الحياة، على لسان الروائي سمير نقاش أحد اليهود العراقيين، ممن هاجروا إلى إسرائيل.. في عملية ( بساط الريح) أثناء حكومة نوري السعيد سنة ١٩٣٦م ٠٠ وبسبب هذه الثقافة اتهمت سلطة الاستعمار البريطاني، الصفواني بتحريض عشائر الفرات الأوسط ضد وجودها، فقررت سجنه مدة سبع سنوات.. وفي السجن المركزي ببغداد كتب رسائله إلى زوجته، معبراً عن معاناته الإنسانية والسياسية والأدبية.. فطبعها بلبنان سنة 1937بعنوان “محكوميتي”.

كذلك فقد امتدت علاقاته برموز الفكر القومي على امتداد الوطن العربي، كما عمل مراسلاً لمجلة “البلاغ” المصرية، وارتبط بعلاقة أدبية مع الأديب المصري الدكتور زكي مبارك، وجرت بينهما مساجلات منشورة.. وعلى صعيد العمل الوطني العراقي، فالصفواني هو أحد مؤسسي حزب “الاستقلال” الشهير.. إضافة إلى أنشطة ثقافية واجتماعية وإدارية أخرى، جعلت الرئيس عبدالسلام عارف يختاره وزيراً لشئون مجلس الوزراء، واستمر في منصبه مع رئاسة شقيقه عبدالرحمن عارف.. هذا وقد قمت بزيارة الأستاذ الصفواني في نهاية السبعينيات الميلادية في بيته.. فألفيته شيخاً وحيداً حزيناً على زوجته التي فارقته.. إلا أنه لم يبخل عليّ بحديث ممتع عن تجربته الواسعة في دنيا السياسة والصحافة والأدب، حتى عده الباحثون العراقيون أحد أبرز قادة نهضتهم الحديثة في القرن العشرين..

صورة ناصعة

اختم بآخر صورة عراقية  ناصعة في ألبومي  السعودي حين أتيت بغداد في صيف سنة ١٩٧٩ م ومعي فريق من التلفزيون السعودي لتقديم حلقات من برنامجي التلفازي الأول( الكلمة تدق ساعة) بإجراء حوارات مع أبرز من بقي في بغداد من أكاديميين وأدباء وشعراء. ومنهم الشعراء عبدالوهاب البياتي ومصطفى جمال الدين وبلند الحيدري وعبدالرزاق عبدالواحد و الناقد والمترجم د عبدالواحد لؤلؤة والناقد والروائي العراقي من أصل فلسطيني جبرا إبراهيم جبرا.والباحث الفلسطيني والناقد والروائي غالب هلسا و. و. أستاذ الأكاديميين والنقاد د علي جواد الطاهر الذي جاء مع زملائه الفارين بعد انقلاب ١٩٦٣ م إلى جامعة الرياض   والأكاديمي اللغوي د مهدي المخزومي ود خالد الجادر ود نوري جعفر. وإذ كان الجو وقتذاك مكهربا بعد حادثة( قاعة الخلد) الدموية فقد وجدت د علي الطاهر ينتقد من طرف خفي كل من ساهم في تكريس عبادة الشخصية للقائد الضرورة !، مسترجعا السنوات الأربع التي قضاها في الرياض بين جامعتها ومكتباتها. منقبا عن هذا الكتاب وتلك المطبوعة. وقد لمس قصورا فاضحا في إغفال دراسة الأدب السعودي الحديث، الذي تقرر بفضله في مواد الدراسة لدي طلاب قسم اللغة العربية. وما غادر الطاهر الرياض عائدا إلى طلابه وأبحاثه في جامعة بغداد، إلا وقد انتهى من تدوين( معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية). وقد نشره تباعا بعد الجهد والتعب والعرق والتراب كما يعبر،  في مجلة( العرب) لمؤسسها ورئيس تحريرها حمد الجاسر.  الذي لم يغمض عينه في نومته الأبدية، إلا وقد أعاد طباعته في أربعة أجزاء، أصبحت مرجعا رئيسا لدارس الأدب العربي الحديث في المملكة، نشأته وتطوره واتجاهاته وأعلامه.

 أسمعه وهو يفتتح معجمه الببلوغرافي  الرائد وقد نزل الرياض متعاقدا للتدريس في جامعتها، وكان لابد له أن يلم بشؤون الأدب السعودي، وقد عهد إليه تدريس الأدب العربي الحديث في كلية آدابها.

ولأنه باحث رصين وناقد بديع، لم يشأ أن يكون معجمه مكتبيا جافا، على طريقة( ديوي)بل اعتبره( بدل عوض) عن بحث أدبي فكري ثقافي، ووسيلة بيد من يتصدى للبحث – وهو أستاذ البحث المنهجي – تزوده باكبر ما يمكن من المعلومات ومصادرها، وهو ما قام به وحده قياما منهجيا فريدا، لم تقم به جامعة،  مرتادا طريقا صعبا ما سلكه سوى القليل من نجباء تلاميذه، ومنهم صديقنا البحاثة المفضال د يحي الجنيد الذي سوف يخصص محاضرة بحثية، مستقصيا جهود شيخ نقاد الأدب وأكاديمييه، لا في العراق وحده ولا السعودية وحدها، وإنما في العالم العربي أستاذنا الفذ الراحل د علي جواد الطاهر، الذي وضع اللبنات الأولى في أساس العلاقة الثقافية بين البلدين الجارين الشقيقين محققا شوق الحبوبي القديم نحو التلاقي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×