احتفلوا بثورتكم.. بعيداً عن “شكّ الغلاصم”..!

حبيب محمود

يحتفل الإيرانيون هذه الأيام بذكرى ثورة 1979م. حسناً؛ ذلك شأنٌ إيرانيٌّ محضٌ. مثله مثلُ أي حدث تاريخيٌّ يحدث في أي من بلاد الدنيا. لا أظنُّ أن أحداً يُغيظه أن يحتفل شعبٌ ما ـ أو حكومةٌ ما ـ بواحدة من ذِكَرها السياسية أو الوطنية. تلك أمورٌ سيادية استقلالية خالصة، لو توقّفت الأمور ضمن حدود الدولة نفسها.

لكن؛ أن تفيض الأمورُ والتأثيرات إلى خارج الدولة؛ فذلك ما تُشكُّ به “الغلاصم”. ونحن ـ في القطيف ـ نستخدم تعبير “شكّ الغلاصم”، للتعبير عن الصعوبة والمكابدة. إنه تعبيرٌ مجازيٌّ مأخوذٌ من الحرب. “الغلاصم” جمعُ “غلصمة”، وهي الحنجرة. ولا يُمكن أن تُشكّ الغلاصم إلا في مواجهةٍ تكون فيها السيوف والرماحُ والسهام حاضرة. ويُقصدُ من التعبير كله؛ أن تحقيق ذلك من المُحال..!

والمعنى؛ أيها الإيرانيون لكم بلادكم، ولغيركم بلادهم. قد تكون تجربة الأعوام الأربعين مناسبة لكم في الداخل الإيراني، على ما في كثيرٍ من مفاعيلها من جورٍ وتعسُّف وإقصاء وتهجير وتمييز أعراق عن أعراق، وووو.. ولكن دونكم بلادكم؛ فقفوا حيث رُسِمَت الحدود..!

لو توقّفت الثورة في إيران عند “الحدود”، ولم يتحرّك إعلامُها بخطاب “التصدير”؛ ولم تمتدّ أذرعتُها إلى تغذيةِ “حركات” في دول أُخرى؛ لمرّ التغيير في “الجمهورية” ضمن صراع محاور القوى في الداخل الإيراني. الثورة في إيران لم تُولد فجأةً، بل كانت نتاج صراعٍ طويلٍ بين قوى وطنية وقومية ويسارية ودينية من جهة وبين رأس الهرم السياسي. ثم آلت الأمور إلى رحيل الشاه، وإمساك الثوّار بزمام الأمور. ثم تشابكت “غلاصم” الثُّوار أنفسهم فيما بينهم. وحتى قبل أن تستتبّ الأمور للمنتصرين النهائيين، الإسلاميين، استفزّ إعلام “الجمهورية” محيطه بمشروع “تصدير الثورة”..!

كرّرت الثورة في إيران الخطأ الذي وقعت فيه الثورة المصرية. ومثلما وقع بعض العرب في إغراءات عبدالناصر القومية، وقع إسلاميون في شرك إغراءات “الثورة الإسلامية”.

الثورة المصرية؛ أرعدت بإعلامها، وانتشرت بـ “استخباراتها”، وغذّت “حركات”، فكان نتاج ذلك اضطرابات وارتباكات أمنية في محيطها الإقليمي، ثم جاءت النتيجة النهائية بلا أي طائل استفادت منه الشعوب..!

ولم تختلف النسخة الإيرانية عنها. فبعد أربعين سنة من الثورة؛ لم تُفرز تجربة إيران الخارجية؛ سوى معضلاتٍ في محيطها، وبروز محاور صراعٍ دفعت فيها الشعوب فواتير هائلة. إذا كان الإيرانيون راضين عما يدفعونه من فواتير مناطحتهم قوى عالمية؛ فإن ذلك لا يُخوّلهم الإملاء على غيرهم الدخول في مراهنات أمنية وسياسية وعسكرية غير محسوبة.

أربعون سنة كثيرةٌ جداً على إعادة النظر، كثيرةٌ جداً على مراجعة السياسات، كثيرةٌ جداً على دراسة المحيط الإقليمي في الحدّ الأدنى، والتفكير مليّاً في مآلات الأمور.

لقد انهارت الثقة تماماً، وتحوّل الجوار إلى عِداءٍ، وكلّ أذرعة التأثير تقطّعت، كما تقطّعت ـ قبلها ـ أذرعة القومية الناصرية، وأذرعة اليسار، وأخيراً أذرعة الإخوان المسلمين. وحسَم الواقع أمره عملياً. حتى أوهام “الربيع العربي” تبدّدت تماماً، وآلت الأمور إلى نتائجَ اقتنعت الشعوب بأن مُخرَجاتها ليست في صالحهم.

لا أحد في دول الجوار يريد أن يحكم إيران، أو يفرض على قادتها كيف يحكمون. ذلك شأنهم وشأن بلادهم وسياستهم. وليس هناك أوضح من أن ينتبه الإيرانيون إلى أنهم لن يحكموا أحداً، ولو وصل الأمر إلى “شك الغلاصم”..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×