[مراجعات: 18] محمد الماجد: فهرس المصادفات

محمد الماجد

 

يحتفل أدونيس بالصدفة
يحتفل بتلك الفنانة المحكومة بحصافة الغيب.. 
وكأنني أتخّيله، وفي كل مرة يصادف فيها تلك الفنانة التي برعت في تغيير مسار حياته مرات عديدة، أتخيّله دائماً جالساً إلى جانب الفونوغراف، يعيد سماع رائعة أورف (كارمينا بورانا):
“أيها القَدَر
أنتَ كالقمر ..”
العمل الموسيقي الذي لا يكتفي بتشبيه القَدَر بالبدر أو المحاق توهّجاً وانطفاءً – مع ملاحظة أنه في حالة أدونيس كان متوهّجاً على الدوام – بل أيضاً يعكس فيما يعكس حالات النفس البشريّة المتأرجحة بين الروحي المحض، والحيواني الشهواني، وحتى ذلك الطفولي الذي لا يزال يعيش عفويّة الطفولة.
ويبدو أن اقترانات قمر أدونيس ميثولوجيّاً كانت دائماً مع الزُّهرة، الأمر الذي جعل من الصدفة في حياته ضرباً من ضروب المواعيد الغرامية العاصفة.
والآن لنبدأ بعدّ تلك المواعيد أو الصُدَف:

صدفة أولى
تجمعه وهو ما زال طفلاً لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعاً بأول رئيس للجمهورية السورية شكري القوّتلي، الرئيس الذي كان يقوم بجولة في الريف السوري حينها، كان مخططاً لحفل استقباله أن يُقام بالقرب من قصابين قرية أدونيس، يسمع الصغير أدونيس بالخبر، يذهب إلى هناك ولكنه يصطدم بسياج الحماية من حول الحفل فيُمنع ويُطرد أيضاً، ولكنه لا يستسلم، يلتف على السياج ويأتي من زاوية رخوة هذه المرة فيدخل، يختاره الرئيس برمية نَرد واحدة ليلقي قصيدة الحفل، ولا يكتفي بذلك، بل يستعير بيتَين من قصيدة الصغير أدونيس ليلقيهما أثناء خطابه.
التدابير المحكومة بحصافة الغيب تمنح الصغير في أول مواجهة له مع القَدَر منحةً دراسيةً من الرئيس.
شكراً لك أيتها الصدفة
فالقفزة الأولى في حياة الفتى القروي تبدو أعلى من قفزة فيلكس!.

صدفة ثانية
يَخرجُ أدونيس من المعتَقَل على خلفية عضويته للحزب السوري القومي الاجتماعي، يصل إلى الحدود اللبنانية في طريقه إلى بيروت، وبينما هو لا يزال في الحدود، تنشب حرب قناة السويس في العام 1956 فيصدر قرار بالتجنيد، وبفارق لحظات، يعبر أدونيس الحدود إلى لبنان ويفلِت من خدمة العلم.

صدفة ثالثة
يستنفذُ بيروت، أو تستنفذه فيقرر الذهاب إلى نيويورك، يفكرُ في وراثة النبي جبران والناسك ميخائيل نعيمة، ولكنه صدفةً يلتقي بأحد أصدقاءه التونسيين فيقنعه بتغيير وجهته من نيويورك إلى باريس.

صدفة رابعة
يستقبل صديقه ميشيل كامو في مكتبه، فيُعجب الأخير بلوحة معلّقة على الجدار، ويطلب من أدونيس أن يرتّب له لقاء بالفنان صاحب اللوحة، يحدد له أدونيس موعداً ليلتقيه بعد اسبوع، يحضر ميشيل بحسب الموعد ولكنّ أدونيس يفاجئه بالقول بأن لا صديقَ هناك، وأنه هو صاحب اللوحة، ولكن خجله منعه أن يقول له الحقيقة، ومن هنا بدأت أولى خطوات عروضه الفنية.

صدفة خامسة
هذه الصدفة الأخيرة اصطلح أدونيس على تسميتها بـــــ “الفنانة العظيمة”، ليس لها علاقة بالأشخاص ولا بالأمكنة، انما هي صدفة الفن، صدفة الريشة وضرباتها اللونية المتتابعة والتي – على الأغلب – ستقترح على الفنان أشكالاً لا نهائية وغير متوقعة من التكوينات الأكثر دهشة من تلك التي كان يقصدها أو يرمي إليها.

والآن ..
سأستأذن أدونيس لأعيد تشغيل الفونوغراف الخاص به، وسماع (كارمينا بورانا) لمرة أخيرة:

“أيها القَدَر
أنتَ كالقمر ..”

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×