[مراجعات: 9] محمد الماجد: يكاد علمي أن يقتلني

محمد الماجد

على خلفية صوته الساحر وهو يلقي قصيدة من ديوان ( اهدأ، هاملت تنشّق جنون أوفيليا)، استرسلت ابنتاه، أرواد ونينار، ورقتا الياسمين الساقطتان للتو من تلك الشجرة الأدونيسية العالية في حقل من الأسئلة الخضراء، استرسلتا في السّرد عن ذلك الهواء الذي ملء رأتَيهما التشرينيتين وهما ما زالتا صغيرتين، ملئهما بنسيم دافئ ثم بتيارات تأرجحتا طويلاً بينها، بين مطر حامض ونواعير مجنونة ولغة لا تكف عن الدوران، بدت حقولهما فائضة على الدوام، قليلاً حتى تبيّنتا وهما لم تغادرا منعطف الطفولة بعد أن بيتهما أصبح هو الملجأ الوحيد في الغابة، ” كنا ساكنين ببيت الشِّعْر…وإمي بين المطبخ والصالون، وبيّي وكل الكتاب والشعرا يلّي جايين من كل العالم العربي، يلي جاي من العراق أيّام صدام حسين وأبل صدام حسين، ويلّي جاي من السعودية بدو يتنفس، ويلي جاي من السودان ويلي جاي من المغرب، كل العالم العربي، الكتاب والمفكرين بيجو بيسهروا عدنا بالبيت” تقول أرواد عن ذاكرتها وهي ما زالت في السابعة من العمر. ومن بين كل هؤلاء اللاجئين، الفائضين عن حاجة البشر، تذكّرَت فاتح المدرس، فواحدة من أجمل لوحاته رسمها في ذلك الملجأ الكوني. نينار الأخت الصغرى لأرواد، الفنانة البصرية وصاحبة الحوار الأجرأ مع أدونيس، يكفي أن نعرف أن أدونيس بدا محافظاً أمام بعض أسئلتها في ذلك الحوار، مستغرباً ربما من اعترافها بأنها لا تقرأ شعره، نينار ذكرت قصة الكتاب الصادر عن دار السّاقي (أحاديث مع والدي أدونيس)، وقالت أن فكرته لم تكن سوى ذريعة للقاء أبيها أدونيس الذي نادراً ما تلتقيه، فكرت أن مئة سؤال ستبقي ذالك الوالد الهارب في حبسها مدة كافية، ستتعرف عليه أكثر، ستهاجمه أكثر، ستحاصره به، بأفكاره، بكتبه، بالدين، بالمرأة، بالجنس، وبأشياء أخرى.

وفي الوقت الذي بدأت فيه هذه الصورة العائلية للابنتين تأخذ مكانها بهدوء على جدران وثائقي بيار أبي صعب قطعها فجأة صوتُ أدونيس الذي مازال يتلو قصيدة (شباك البيت الذي وُلدت فيه ) مكرراً تلك العبارة اللافتة “يكاد علمي أن يقتلني”. أما ما  كان ينقص تلك الصورة فهو بالطبع وجود خالدة سعيد، الأم والزوجة والناقدة الكبيرة، صاحبة (البحث عن الجذور) و (ثالوث المعنى) والمساهمات الاستثنائية في نقد الشعر الحديث، مَن اصطفتها الحداثة لتكون رسولتها الأولى بين أنبياء كلهم من الذكور، مَن بدت حينها  يتيمة ومجلببة بالأسماء والصفات التي لم تكن لأحد سوى الملائكة، مُكبّةً أبداً على وجع الأرض وعلى أوجاع أخويها الصغيرين أدونيس ويوسف الخال، من وجدتهما وحيدَين، يرتجفان من البرد في محيط سيبيريٍّ بالكامل، فقدّمت انسي الحاج والماغوط والمزيد المزيد من فرو الشعر لهما، من استثمرت في العائلة وفي شجرة العائلة من الجذور وحتى أعشاش النيازك، مَن قاسمت أدونيس خبز الكتابة في أكثر من مناسبة.

ما كان ينقص الصورة حقّاً

تلك الرسولة

تلك الكاهنة التي كانت ترعى نار الشعر والشعراء !.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×