ممارسة الحياة

إبراهيم الزين

 

لا يكفي أن تكون صاحب شهادة ووظيفة، أو عملاً خاصاً آخر لتتنفس الحياة، وتشعر بالرضا، وتستظلّ السعادة.

يجب أن تكسر الروتين، وتخترق الجدولة اليومية، والتي تجعل من المرء ما يشبه الآلة، بحيث يتحرك في جدوله اليومي وفق إيحاء استشعاري درج عليه خلال ممارسته الحياتية اليومية، ما بين الوظيفة أو المدرسة أو الجامعة إلى المسكن، وهكذا.

على الإنسان أن يبحث عن نفسه، عن ذاته، عن مكنون مواهبه وملكاته، ليكتشفها ويمارسها، وأن يحاول إيجاد وصنع المواهب والهوايات بحيث يشكل منها إضافات على حياته، تخلق له عالم آخر غير الذي تعود عليه، فإن استصعب ذلك فهناك ألف طريقة وطريقة لتغيير الوضع الذي درج عليه أكثرنا والذي لا يتعدى أن يكون شبيهاً بالسجن المفتوح، والمقروء الممارسة المملة، سواء للذين ما زالو على رأس العمل، أو المتقاعدين الذين لا يملكون سوى الفراغ القاتل، وهو الأدهى والأمر خاصة للذين لا يجيدون أي مهنة أو هواية، أو حرفـة معينة.

الحياة أطول بكثير من العمر المقدر الذي نعيشه، ونحن نستطيع أن نمد من أعمارنا فيها حسب ما نشاء، بل وأن نعيش فيها حتى بعد انتقالنا إلى العالم الآخر، وأن نحيا الخلودين بإذن الله ومشيئته ورحمته، فما علينا سوى إتقان ممارسة الحياة وفق ضوابطها الوضعية، ونواميسها العبادية، وأعرافها الإنسانية، هذا أولاً، وثانياً إتقانها من خلال استغلالها الإستغلال الأمثل والذي قدمنا بعضه، ولا يمكن أن نفرغ هنا أكثر مما ينبغي حيث سيطول بنا المقام لو فعلنا، أذكر مثالاً فقط لمثالية ممارسة جزء من هذه الحياة اليومية حسب رؤية صاحبها، وبما لا يخالف المبادىء القويمة والأعراف السليمة وهو ذلك المقطع التمثيلي الذي ظهر فيه أحد الأفراد الذي رفض عرض أربعة ملايين ريال في مقابل بيع نخلِهِ “مزرعته”، بل أنه رفض حتى أن يتخلى عن نخلة واحدة مقابل العرض وهو الذي يعتني بها ويداريها ويراقبها وما إلى ذلك مما تحتاجه، عندما اعتبرها مثل الإبن الذي تهتم به والدته، وأنه يشعر بالسعادة والرضا حين يقوم بذلك.

إننا من خلال هذا سنكتشف بأن كل لحظة في الحياة تعني حياة أخرى بداخلها، وأن كل فعل حسن وقول أحسن هو امتداد للعمر، متى ما كان فاضلاً وجليلاً، ولسوف يبقى هذا الذكر الحسن لصاحبه، ولن يغيب عن مدارك الأزمان، وجنبات الدهور، والأمثلة على ذلك كثيرة خاصة لأولئك الذين عاشوا أعمارهم المقدرة، وهم الآن أحياء يعيشون أعمارهم الممتدة امتداد ذكرهم الحسن.

نضيف على ذلك أيضاً أننا بهذه الممارسة إنما نعمر الأرض ونجعلها بتوفيق الله دار بقاء صالحة، هذه العمارة التي تجعل خلفنا يقتدون بنا، سواء بالإعتناء بما نتركه لهم ومواصلة إحياءه وتنميته، أو بالإقتداء بنا، ومحاكاة مواهبنا وحرفنا، ولا أقل هواياتنا التي لابد أنهم يراقبوننا ونحن نمارسها وهم صغار، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يكتسب الأبناء مواهب ذويهم، أو حرفهم ومهنهم، وهذا أمر ملحوظ بين أبناء البشر على اختلاف طبقاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×