الزواج المبكر
هالة الشماسي
اقتراح تعديل جديد على قانون الأحوال الشخصية بالعراق من مجلس النواب العراقي يتيح فيه زواج القاصرات..
خبر قرأته بالهاتف بينما كنت في العيادة انتظر مريضتي وما إن فُتح باب العيادة حتى لمحت ثلاث إناث من أعمار مختلفة يدخلن العيادة، جدة وأم وحفيدة ثلاثة أجيال من نفس العائلة دخلن ليناقشن مشكلة زيادة الوزن التي يعانينها هن الثلاث.
وخلال جلسة العلاج العائلية وبعد بعض الأسئلة والحوار بيني وبين الثلاثي سألتهن ما هو المهم فعلاً بالنسبة إليهن وقبل أن أُكمل سؤالي جاوبت بسرعة الحفيدة ذات الثلاثة عشرة ربيعاً قائلة المهم فعلاً في هذه الحياة هو جمع المال! إلا أن الأم سرعان ما قاطعتها: لا، المهم هو أن تدرسي، وتتخرجين وتكون عندك شهادة لتتوظفي بها. وهنا جاء الرد الأخير من الجدة قائلة: لا، لا هذا، ولا هذا أنتما مُخْطِئَتان، الأهم فعلاً للمرأة هو الزواج.
ومع أن أجوبتهن هذه لم يكن لها علاقة بما قصدته بسؤالي، حيث إنَّ نقاشهن قد خرج عن موضوع الجلسة، وهو تحسين أوزانهن، ودخلنا في جدل جيلي راديكالي.
إلا أن محاورتهن هذه ذكرتني بمحاضرة أحد رجال الدين عن أن النساء أصبحن يؤمنّ بأن الدراسة والشهادة والوظيفة هي أولويتهن الأولى، بينما من المفترض أن يكون الزواج هو الأولوية الأولى للمرأة، والدراسة والعمل شيء ثانوي وغير مهم وليس أولوي.
ومع أن أغلب تعليقات النساء في مواقع التواصل الاجتماعي كانت معارضة تماماً ومستنكرة لهذا الجزء من محاضرة شيخنا الفاضل.
حيث عزين سبب استهجانهن لكلامه، بأن العمل والوظيفة أولاً وأخيراً هي الأمان المادي، والزواج لا يوفر ذلك لأن الزواج أصلاً غير ثابت، ويعتمد على رغبة الزوج في الاستمرار أو لا.
والحقيقة أن الأمان المادي هو من الركائز الأولى في هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية التي تأتي مباشرة بعد الاحتياجات الفسيولوجية.
وعلى الرغم من كل المعارضة النسائية لرأي شيخنا الكريم إلا أني قد سمعت الكثير من التصريحات لرجال دين آخرين قد تكون أكثر جدلاً منه.
ومنها الدعوات للزواج المبكر، وفي الحقيقة كلمة الزواج المبكر لا يسعني عند سماعها إلا بالرجوع سنوات إلى الوراء.
حيث تعود بي إلى يوم امتحان نهائي بالثانوية العامة، إذ خرجت من قاعة الامتحان، وأنا منزعجة جداً، كنت متأكدة أن لدي بعض الأخطاء في بعض الأجوبة التي كانت ستسبب لي نقص في درجاتي بالمجموع النهائي.
وبينما كنت يومها في فناء المدرسة جالسة أندب حظي، وأنوح علاماتي التي ضاعت اليوم، جلست بجانبي فتاة تكبرني من العمر بكثير، حيث كانت تبدو في منتصف العشرينيات أو الثلاثينيات، ولكنها تلبس زي طالبة مثلي.
وعندها باغتتني تلك الفتاة بالسلام، كما عرضت عليَّ بكل لطف أن أشاركها وجبتها، ولكني رفضت الأكل بدماثة إذ لم يكن لي مزاج للأكل.
عندها لاحظت تلك الفتاة انزعاجي، وسألتني ما الذي يضايقني لهذه الدرجة، فأخبرتها أن لدي بعض الأخطاء في الامتحان الذي امتحناه للتو، وأظن أني سأنقص بعض الدرجات من المجموع النهائي للثانوية العامة.
عندها قالت لي: وماذا إذا نقص مجموعك درجة أو درجتان، مادامت علاماتك عالية طوال الفصل.
فأجبتها: نعم، ولكن عندها سينزل المعدل عن 99.999999%.
– وماذا إذا نزل المعدل عن 99.9999999%!!
– لا، لا شيء فقط ستساء أمي.
– ولماذا تستاء؟
– فقط هي تحب رقم 9، مولعة به نوعاً ما.
وبعد أن دار بعض الحديث بيننا عني، وعن رقم 9 وغرام أُمي به سألتها لماذا هي معي في الصف نفسه مع أنها تكبرني بأعوام عديدة.
فردّت: أنا لم أكن أحب الدراسة كثيراً، وكنت عادةً ما أرسب في بعض المواد، ووالداي في الحقيقة لم يكونوا يهتمون سواء نجحت أو رسبت، فلم يكن لهم اكتراث بالدراسة، ولم يكن لديهم ولع برقم 9 مثل والدتك.
– إذاً بماذا كانوا يكترثون؟!
– كانوا يكترثون بالزواج.
– الزواج!!
– نعم الزواج أو بمعنى أصح الزواج المبكر، فأنا لم أر السعادة في وجوههم من قبل كما رأيتها عندما تقدم أول خاطب لي.
– ووافقتي؟!
– نعم، وكنت سعيدة حينها وسعادتي جعلتني أنسى الدراسة وأنقطع عنها.
– وبعدها؟
– بعد عام من الزواج بدأت أشعر بالملل، وقررت الرجوع للدراسة.
– ممتاز.
– ولكني عدلت عن القرار بعد أن اكتشفت أني حامل.
– وبعد الولادة طبعاً احتاج طفلك إلى اهتمامك ووقتك الكامل.
– نعم، وحتى بعد ما كبر طفلي الأول، وقل احتياجه لي حملت بطفلي الثاني وبعده طفلي الثالث، وهذا طبعاً أخذ مني أعواماً عديدة حتى يكبر أطفالي، وأتمكن من الرجوع للدراسة.
– ولماذا لم تستعيني بخادمة تساعدك لتتمكني أنت من الدراسة؟!
– زوجي كان موظفاً بسيطاً وراتبه لم يمكنه حينها من استقدام عاملة ودفع أجر لها.
وبينما كنت أتحدث مع تلك الطالبة الشابة فجأة سمعت صديقتي تناديني بصوت مرتفع، وتخبرني باستعجال أن باب المدرسة فُتح والسائق بالخارج ينتظرنا، عندها هممت بسرعة مع صديقتي بالخروج بعد أن ودعت الفتاة التي كنت أتحدث معها.
وفي طريق العودة للمنزل سألت صديقتي التي كانت برفقتي بالسيارة:
– هل تظنين لو تزوجت الآن ستنسى أمي ولعها برقم 9، وأرتاح أنا من هذا التعب؟!
– نعم قد تستريحين لبعض الوقت، وسَتَحُلّ معك معضلة رقم 9، ولكن ستخلق لك معضلات أخرى ومصاعب لا تنتهي.
– حسناً، فليذهب رقم 9 للجحيم، فالأرقام كثيرة والفرص عديدة والطموح لا يتحقق فقط بالأرقام.
وقبل أن أنهي جملتي الأخيرة هذه كنت قد وصلت للمنزل، وحينها لم أكن أفكر سوى كم لدي من الوقت كي أستريح وبعدها أذاكر لامتحان الغد.
ومع أني لم أر تلك الطالبة الثلاثينية بعد نهاية العام الدراسي ضل قلبي يتمنى لها أن تعوض سريعاً ما فاتها دراسياً، وتحقق طموحاتها التي قد أجلتها سابقاً.
طرح رائع و سرد جميل ..