قوانين ازدهار العلاقات الإنسانية والزوجية

نعيمة آل حسين

  كيف يمكننا بناء علاقات إنسانية متوازنة مع الآخرين وفقاً لقوانين القرآن الكريم وقواعد الحياة وقوانينها؟

 ندخل جميعنا في علاقات مختلفة سواء كانت مع العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء، ونبقى بها سائرين مثلما تأخذنا الظروف ونتحكم فقط في قراراتنا مع الطرف الآخر.

 ولكن مع الوقت نسأل أنفسنا هل تلك العلاقات ناجحة؟ وباقية للأبد؟ أم هي علاقة مؤقتة يمكن أن تنتهي في أي وقت؟ وما هي أبرز العلامات والأفعال اليومية التي تؤكد أنها ناجحة وصحية ومستمرة للأبد؟.

 هذه جملة من الأسئلة المشروعة لماذا؟ لأنّ العلاقات تلعب دوراً محورياً في تشكيل رفاهيتنا وثقتنا بأنفسنا وحتى مساراتنا المهنية.

فالكثير منا يسعى لحصوله على علاقة ناجحة وصحية خالية من المشكلات، وفي معظم العلاقات تكون البداية ورديّة ولكن بعد فترة تظهر المشكلات الكبيرة والعقبات ومحاولة أحد الطرفين السيطرة على العلاقة، وهذا يجعلنا نتساءل عندما نسمع عن علاقة عاطفية ناجحة، كيف حافظ الطرفان على استمرارية العلاقة بينهما؟

 يا ترى هل يكمن السبب في تداخل وتلازم القواعد والقوانين الربانية؟ مع قواعد الحياة بكل وعي؟ يمكنها أن تقودنا إلى حياة أغنى وأكمل وأكثر تناغماً وانسجاماً؟.

 لكونها الوصفة السحرية لحياة أفضل وأكثر سعادة وأكثر نجاحاً، عندما تسير وفق جملة من القواعد والمبادئ التي تسعى لمساعدة الأشخاص في تحقيق التوازن في حياتهم وتحقيق النجاح والراحة النفسية لبناء علاقات صحية ومثمرة ومتوازنة.

 لأنّ القوانين الإلهية الكونية الرائعة والذي يتكرر حدوثها بصورة مستمرة بدون توقف ولو ثانية واحدة من نهار أو ليل، هي التي تتسبب في إحداث توازن غاية في الروعة والجمال.

أيها الأحبة ماذا لو؟

  حاولنا إسقاط هذه القوانين الربانية لتفعيلها في حياتنا لنتعلم معاً في كيفية بناء علاقات إنسانية ناجحة، وعلى رأسها “العلاقة الزوجية” باعتبارها أقدس العلاقات؟.

 من خلال استشهادنا بهذه الآيات القرآنية التي هي غاية الروعة والإبداع والجمال الرباني، لبناء علاقاتنا الإنسانية؟ من خلال هذه المقاربة “المجازية واللطيفة”.

 في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخٌ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان).

هذا التصور يجمع كل قوانين الكون لبناء علاقة غاية في “الروعة والجمال والتميز والقوة، و …،..، “.

فماذا لو؟

  تخيلنا أن البحرين هما طرفا العلاقة سواء كانت علاقة “زواج، أصدقاء، أقارب، زملاء عمل، دراسة، ….؟”

وماذا لو؟

   اعتبرنا البرزخ بينهما هي المساحة والحدود الشخصية التي لا يبغي ولا يظلم ولا يتعدي فيها أيّ طرف على الآخر تحت أيّ مسمى.

أو اعتبارها المساحة المشتركة بينهما، والتي ينشأ فيها مولود جديد للحياة، وهذا المولود قد يكون على شكل “طفل، فكرة، عمل، سعادة، حبّ، تناغم،…،” لكي تتولّد من خلالها علاقة روحيّة في قمة الإنسجام والرقي، علاقة قائمة على قوانين الله في الكون بكل بساطة وأريحية.

 فالبحرين يلتقيان ويمتزجان ويضطربان ويختلطان في منطقة البرزخ، وفي تلك المنطقة لا يبغي أحدهما على الآخر ولا يظلم أحدهما الآخر بحجة أنه الأقوى أو أي مبرر آخر، وهذه آية من آيات الله في الكون، وبسبب ذلك التلاقي الذي يحدث بهدوء وانسجام وتناغم وعفوية، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وهذه آية آخرى من آياته في الكون.

فماذا لو تخيلنا أن ما يحدث 

وكأنه علاقة بين شخصين مختلفين؟. 

 لا سيما أنه قد ثبت علمياً أنّ بحار العالم تختلف من حيث تركيب مياهها، فلكل بحر خصائص فيزيائية تختلف عن البحر الذي بجانبه، فوجدوا أن هناك اختلافات كبيرة في نسبة الملوحة والحرارة والكثافة من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر، حتى نوعية الكائنات الحيّة في هذا البحر تختلف عن تلك التي تعيش في البحر الآخر، سبحان الله على الرغم من هذا الاختلاف وعلى الرغم من مرور ملايين السنين لا يظلم ولا يطغى هذا البحر على ذاك.

وذلك لتأكيد أهمية هذا القانون الكوني الرائع الذي هو أساس التوازن المائي على كوكب الأرض، وهو أساس التفرد والتميز والاختلاف وعدم بغي أي مخلوق على الآخر تحت أي مسمى.

 وأيضاً في قوله تعالى:( وهو الذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزخاً وحِجراً محجُوراً ).

   وهي أن جعل بين النهر العذب والبحر المالح برزخاً منيعاً يمنع طغيان أحدهما على الآخر ويحافظ على التوازن المائي على كوكب الأرض.

 فهذه الآية تتحدث عن معجزة إلهية عظيمة، وهي امتزاج الماء العذب بالماء المالح بصورة مستمرة أيضاً ولا يحدث توقف ولو ثانية من نهار أو ليل، ومع هذا الامتزاج والاختلاط إلا أن هناك أيضاً حاجز منيع ومُحكم، وكأن الله يعطينا إشارة للمرة الثانية إلى أهمية هذه المنطقة، بدونها يتدمر التوازن المائي على كوكب الأرض.

 وإنّ الكائنات التي تعيش في المنطقة الفاصلة بين البحر والبحر أو بين النهر والبحر أي منطقة البرزخ “أو المصب” فهي أيضاً لا يمكنها أن تعيش خارج هذه المنطقة لأنها تأقلمت معها، وهذا يدل على أن منطقة المصب هي منطقة محجورة ولها استقلاليتها ومحفوظة أيضاً برعاية الله تعالى.

 إذ تعتبر منطقة المصبات من أجمل المناطق وأكثرها غنى وقد نشأت كثير من الحضارات حولها، حتى إنّ الكثير من الحضارات ازدهرت في مناطق المصبات.

 إذاً من آيات الخالق الرائعة:

  “المصب ” أو ” البرزخ” فماذا لو تأملنا في هذه الآية بطريقة مختلفة، وعلى شكل مقاربة مجازية ولطيفة؟.

على سبيل المثال:

  ماذا لو تخيلنا، أنّ البحرين هما طرفا العلاقة الزوجية؟ والبرزخ هو المنطقة التي لا يتعدى فيها أحد الطرفين على حقوق الآخر؟

 وهي أشبه بالحدود الصحية أو الحقوق والواجبات الزوجية، باعتبارها “جوهر” نجاحها واستقرارها عندما يتم تفعيلها بشكل إيجابي لتعميق العلاقة بين الزوجين لتقوية أواصر علاقة الحب بينهما، لأنه من المعروف أنّ العلاقات البشرية بشكل عام، والرومانسية بشكل خاص تزدهر عندما يقدر الطرفين قيمة وأفكار ومشاعر الآخر وفهم مشاعره وتوقعاته وحدوده.

لأنّ المؤسسة الزوجية مؤسسة تم تصميمها بإتقان رباني لتتضمن أعلى معايير الجودة والنجاح قدرها المودّة والسكن والرحمة، فهندسة الزواج وتصميمه مرتكزاً على قواعد وأساسيات متينة تعين البناء على تحمل الهزات الأرضية الخفيفة بين أقدام الزوجين أثناء مواجهة التحديات الحياتية من خلال الميثاق الغليظ، (وأخذنَ منكم ميثاقاً غليظاً).

والميثاق القرآني ملزم للطرفين بالوفاء لهذا الميثاق وبلا شروط على الله، على سبيل المثال، عندما يتعامل البعض بمثل هذا القانون “سأعطيك بقدر ما تعطيني، وإلا فلا ؟!!”.

  لأنّ مواثيق القرآن هي عهد من طرف واحد وهما الزوجان في حالة الآية القرآنية المذكورة، فهما الطرف الملزم

 بتلبية ” الاحتياجات النفسية والروحية والعاطفية والجسدية

الغريزية والمادية والاجتماعية لشريك الحياة ” بالإضافة إلى أهمية مراعاة الحقوق والواجبات في الأسرة.

للوصول إلى العفة والحماية الداخلية والخارجية النفسية والأخلاقية والقيمية وهو أهم ما يحصل عليه “الزوجين”، لا سيما في هذا الزمن بالذات من خلال التعامل مع بعضهما، (بالاحترام المتبادل والتقدير وحسن المعاملة، التسلح بالصبر، التواصل بصدق وبوضوح وعمق، اللطف في التعامل، الشعور بالامتنان بوجود كل منهما في حياة الآخر، الالتزام بالتغيير لانتعاش العلاقة وحيويتها، تقبل الشريك بما يحمل من صفات، التغافل والتغاضي الذكي بتصغير العيوب وتضخيم المميزات، بناء الثقة، التسامح والعفو والصفح، الدعم والمشاركة الوجدانية، إظهار الاهتمام والتعبير عنه لتنمية الحبّ، الاعتراف بجهود الشريك، التواصل الفعّال بسؤال الشريك عن احتياجاته، ويخبره أيضاً باحتياجاته وتغذيتها لإشباعها حدّ الارتواء، المرونة والتكيّف مع التغييرات والتحديات، تخصيص الوقت للتواصل الهادف والممتع، حل النزاعات بنضج بطرق بنّاءة، التركيز على الجوانب الإيجابية في العلاقة،

 الحفاظ على العلاقة الحميمية العاطفية الرومانسية، التعبير عن المشاعر بشكل مستمر،  تجنب محاولة تغيير الآخر لأنه لا يوجد شخص تنطبق عليه كل المواصفات التي نريدها، عدم توقع الكمال أو المثالية من الطرف المقابل، الحفاظ على المساحة الشخصية بعدم التخلي عن الأصدقاء الأوفياء وإهمال ممارسة الرياضة والهوايات المختلفة بشكل متوازن، عدم محاولة الاعتماد على الشريك فقط للحصول على السعادة لأنه غير  قادر على إعطائها، والتوازن الفكري والعاطفي يساعد على الحصول على السعادة، والاعتماد فقط على الشريك لاسعادك هي وصفة مؤكدة “للإحباط وخيبات الأمل” لأنك سوف تشعرين أنه يتخلى عنك،

حفظ أسرار الحياة الزوجية، فهم الاختلافات واحترامها، تقسيم الأعمال المنزلية بشكل مناسب بين الزوجين، وضع حدود لتدخلات الآخرين،…،).

 وهذه الحدود والحقوق للحياة الزوجية قادرة على خلق مشاعر وعواطف فياضة من الحب، ليرتوي قلبي الزوجين بالحبّ والحنان بحيث لا يكون عندهما نقص في المجال العاطفي الذي تغمره المودّة والرحمة، الحبّ بمعناه الحقيقي وبأفعاله التي تدل عليه بهدف إقامة حياة كريمة ومستقرة.

 ويمكننا اعتبارها المنطقة المشتركة المزدهرة بينهما، والتي ينشأ فيها: (مولود جديد يأتي للحياة، والمولود قد يكون على شكل طفل، فكرة، عمل، سعادة، حبّ، أهداف وتوقعات مشروعة وطبيعية مشتركة، و…،….، الخ )، لكي تزدهر العلاقة الزوجية بينهما، لتكون تحت قانون الحياة الطيّبة كما وصفها القرآن، أو حياة فيها جودّة تشبع فيها حاجات الزوجين.

 وهل يمكننا التخيّل، بما سيكون عليه هذا المولود الجديد؟ وكيف سيكون مُتفرد ومُتميز يحتاج أن يكبر وينمو بنفسه؟

إذن، فالعلاقة الروحية والوجدانية بين الزوجين هي علاقة مع الله مثل هذان البحران، أحدهما يمتلك تيار امتداده الغرب والآخر امتداده الشرق، ويلتقيان في الوسط في البرزخ في منطقة المصب، في المنطقة التي يظهر فيها قوتهما، تميزهما، يلتقيان، يختلطان، يتمزجان، يذوبان، أو يتماهى كل منهما مع الآخر.

وهكذا هي العلاقة الزوجية في درجة القرب فيها إذ وصفها القرآن باللباس والتصاقه بالبدن (هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ)، (لقد خلقنا لكم من أنفسكم أزواجاً).

 ولكنهما لا يتغيران عندما يلتقيان أبداً، لا يتنازل أحدهما عن اختلافه وتميزه وطبيعته التكوينية التي خلقه الله بها، لكل منهما له صفاته وسماته وخصائصه النفسية والروحية، والجسدية مصداقاً لقوله تعالى: “وليسَ الذَّكرُ كالأُنثى”.

وهما دائماً على طبيعتهما 

مهما حدث من اضطراب أو اختلاط، لا أحد يبغي على الآخر، لا أحد يعتدي على الآخر، لا أحد يظلم الآخر، ولا أحد يلغي كيان وتفرد وتميز الآخر تحت أي مسمى، ” إنه الأغنى، الأكثر علماً، الأكبر، أنه الأكثر ملوحة، الأكثر عذوبة، أنه الأكثر عمقاً أو اتساعاً، الخ،…”.

 وهذا هو قانون العلاقة الزوجية ذات الحدود الصحية، العلاقة الروحية، العلاقة التي تمشي طبقاً لقوانين الله في الأرض، العلاقة التي لن يستطيع أن يكسرها ولا يغيرها لا زمان ولا مكان ولا ظروف ولا تحديّات.

   العلاقة التي تمشي مع تيار الكون المنظم والمتغيّر باستمرار، وتغيره هو سرُّ جماله، والتي سيّجها الله وحماها بقوانين وقواعد “المودّة والرحمة” لكي تحميها من التفكك والانهيار، مصداقاً لقوله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)،(ولهنّ مثلُ الذي عليهنّ بالمعروفٍ وللرجالٍ عليهنّ درجةٌ).

هذا القانون هو الذي يُحدث التوازن في عالم البشر، وخصوصاً في عالم العلاقات، الإنسانية، وغياب هذا القانون هو سبب دمار وخراب العلاقات في عالم البشر وبالأخص العلاقات الزوجية.

ومن خلال ما يرد علينا، من المشاكل من خلال عملنا مجال الإرشاد الأسري والاجتماعي، فهناك الكثير من العلاقات الزوجية فاشلة وهشة، وعلاقات بعض الأبناء بأهلهم غير صحية أو فاشلة، وعلاقات اجتماعية بين الأصدقاء والصديقات فاشلة.

والسبب وراء ذلك هو:

   غياب تطبيق هذا القانون الإلهي، وبدلاً من تطبيق قوانين الله، نطبق ما وجدنا عليه آباؤنا وأجدادنا، نطبق كلام الأشخاص المفضلون لدينا، نطبق كلام الدرامات والأفلام، والمسلسلات، …، بدون بذل جهد وتفكر لتغيير هذه الأفكار لتتناسب مع شخصياتنا وظروفنا، ولا نعطي أنفسنا فرصة للتأمل لتلك النتائج السيئة التي يحصل عليها الكثيرين ممن يسيرون في ذلك الطريق بدون وعي وإدراك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×