سيرة طالب 84] مسجد مميز
الشيخ علي الفرج
(١)
كنا نفتح قلوبنا بدعاء كميل في ليال الجمع، في مسجد الإمام الحسين (ع) بالقديح في تلك الفترة، كان ذلك بعد صلاة العشائين مباشرة، وفي جناح ليلة قمراء وأنا في محراب المسجد أرفرف بلغة السماء، عندما استمتعت بصوت رخيم ممزوج بحزن، وأنا أعبر من عالم الأرض إلى عالم السماء، وأغرق في كينونة المعبد.. نعم، دعاء كميل الذي أسميه كثيرا (دعاء الموحدين)، لأنه من الإمكان أن يقرأه الموحدون بلغات الديانات، وليس فقط المؤمنين، حقا لا يقوله إلا ولي، دعاء يرقى من العالم الانمحاء إلى عتبات الوجود.
انتهى قارئ الدعاء بصوته الذي أبكانا بكاء الطفل.. تفاجأت أن هذا الدعاء الذي يقرؤه المرتل ما يراوح نصف ساعة أو أكثر، لكن انطوى الزمن، وخطفتني بضع دقائق، كأنني تحولت من نصف ساعة إلى خمس دقائق معدودة.. آه تمنيت أن تعود مثل هذه اللمحات مرة أخرى، وأظن أن ثقل الخطيئة مغلول بهذا المسكين، (وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةࣰ وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍ) [سُورَةُ النَّمۡلِ: ٨٨].
(٢)
مرت مدة تقرب من سنتين وأنا أصلي في مسجد الإمام الحسين عليه السلام صلاة الصبح إماماُ، والمصلون معدودون ومعروفون، وفي الواقع أحترم من يصلي صلاة الصبح جماعة في المسجد احترامًا وتقديرًا خاصًا.
كان أحد الشباب المتدينين ملتزماً معنا في المسجد لصلاة الصبح بخصوصه، فيقيم الأذان ويقرأ الدعاء في تعقيب الصلاة، حتى اعتدنا أن نسمع دعاءه بدعاء الصباح أو دعاء العهد.
في يوم من الأيام قال لي: أعتذر عن عدم حضوري في الأيام القادمة، لأني سأسافر الليلة مدة شهر وبضعة أيام، لطلب الشركة بي. قلت له: سنفقدك في صلاتنا ودعائنا.
ثم جئت المسجد اليوم الثاني، وصلينا، مباشرة سمعت دعاء شاب متدين غير معتاد المجيء، وهو ليس ساكنا في قريتنا، فقرأ الدعاء بصوت جميل، واعتاد هذا الشاب أن نسمع صوته، ولم يغب ولا يوماً واحداً، مضت مدة شهر وبضعة أيام، وجاء الشاب الذي كان مسافراً فقرأ الدعاء، وفي اليوم، نفسه، غاب الشاب الثاني، ففهمت أن هذا تنسيق من الشاب الأول. فقلت له: جزاك الله خيرا بما فعلت في أيام سفرك، فلم يغب هذا الشاب الغائب اليوم طيلة مدة غيابك.
فقال لي: لم أفعل أي تنسيق.
فتفاجأت وفهمت أن هذا من فعل الله عز وجل وعناية خاصة، وهذا هو توفيق من الله بعينه للمصلين وتعظيم المسجد بخصوصه.