59 عاشورًا مع الدمعة.. علوية التوبي رحلت.. وبقي الرُّومال تتلمذت على يد "شمّاسية".. وتزوجت في سن 14.. ونشرت مجالسها في أنحاء القطيف
القطيف: ليلى العوامي
يخلو محرم التوبي، هذا العام، من صوتٍ صدح في البلدة الصغيرة لمدة قاربت 60 سنة، صوت أجاد الخطابة وتمرس فيها وألِف مجلدات الرثاء الحسيني وأطواره، كما ألفته جدران الحسينيات وآذان المستمعات النساء.
علوية عباس هاشم علي الشاخوري؛ السيدة التي تشربت الخطابة ولما تبلغ العاشرة من عمرها، بدأت في حفظ القرآن الكريم وهي في الخامسة، وقرأت في مجلسها الأول بعمر 6 سنوات.
كانت تحلم في حسينية تحمل اسمها، ووفقت لذلك بعد أن نضجت تجربتها، وتمكنت من أدواتها.
توفيت قبل 3 أشهر، متأثرة بفقد والدها وبمرض عضال.
بيت علم
ولدت الشاخوري في قرية التوبي الواقعة غرب مدينة القطيف، ونشأت في تربة خصبة غنية بالمعارف والعلوم فجدها لأبيها السيد هاشم الشاخوري قارئ القرآن والمتبحر فيه، كان رحمه الله يقرأ في شهر رمضان 14 مجلساً، توفي شاباً (28 سنة) وترك مكتبة زاخرة بشتى أنواع العلوم، استفاد منها أهله ومنهم السيدة علوية، كما أنه قبل وفاته تطارح العلوم مع أخيه، وهو جدها لأمها السيد محمد الشاخوري. أما أمها فهي بلقيس السيد محمد السيد علي الشاخوري، ووالدها هو السيد عباس السيد هاشم الشاخوري، وبين تلك الأغصان والفروع نبتت فكان لذلك الوسط أثره الكبير في تربيتها.
نبوغها
منذ نعومة أظفارها، وفي سن 5 سنوات، أرسلتها والدتها إلى معلمة بارعة في قرية التوبي، هي زوجة جدها لأمها آمنة الشماسي، المعروفة بـ “شماسية” وهي من الأسرة المعروفة في قلعة القطيف، وكانت ذات علم وخبرة، فتعلمت القرآن الكريم على يديها، ثم انتقلت بعد ذلك لتتعلم الخطابة على يد معلمة أخرى فاضلة وهي زهراء الخلف أم سعيد، التي عرفت بجودة أدائها، فتعلمت على يديها فنون الخطابة ونهلت من أسرارها الكثير.
الطفلة الخطيبة
كانت السيدة بلقيس تلمح في ابنتها مشروع خطيبة بارعة وتأمل أن تراها تتوسط المجلس ذات يوم، وسعت إلى تحقيق أملها ودفعت بكل طاقتها لنجاحه، لذا بدأت تكرس اهتمامها بالطفلة الصغيرة وتغذي في وجدانها قدرتها على القيام بذلك، فأخذتها ذات يوم، عقب أن ألبستها المقنعة وأسدلت على كامل جسدها الحجاب، إلى مجلس السيدة نجيبة الشاخوري، وهو مجلس معروف من مجالس القرية، لتبدأ رحلتها في الخطابة من هناك، وهي بعدُ صغيرة لم تكمل عامها السادس.
تزوجت الشاخوري في عمر 14 عاماً من عبدالجليل علي مرزوق آل غزوي، فأنجبت منه 4 أبناء حسين، ومحمد، وعلي، وجواد، و 7 بنات هن سميحة، ومنال، وفاطمة، وزهراء، وزينب، وغدير، ومروة، أخلصت في تربيتهم هي وزوجها رحمهما الله، وغرست فيهم حب العلم والخلق الرفيع والتودد للناس والتواضع.
وبالرغم من زواجها المبكر وتزايد المسؤوليات على عاتقها لم تتوقف يوماً عن حضور مجالس التعزية والقيام بمهام الخطابة.
مجالسها
شاركت الشاخوري في مجالس عدة داخل بلدة التوبي وخارجها، وذاع صيتها في كامل محافظة القطيف، ومن أبرز المجالس التي قرأت فيها، مجلس السيد علوي الجراش في باب الشمال عصراً لمدة 20 عاماً، ومجلس عائلة (البيك)، بالإضافة إلى مجلسها في التوبي صباحاً وليلاً، كما كانت تقرأ مجالس المحتاجين بلا مقابل مادي.
كان بابها مفتوحاً للصغير والكبير، وابتسامتها لا تفارق محياها حتى في أشد أيام مرضها.
تحقق الحلم
خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها تنقلت الشاخوري بين مجالس القرية، خطيبة متمكنة، قادرة على تحريك المشاعر وإدرار العبرة، ولأن زوجها آل غزوي كان يقدّر ما تقوم به؛ هيأ لها مجلساً خاصاً بها، ووفر لها كل ما تحتاجه من مكبرات الصوت والضيافة وأدواتها، وعُرف مجلسها بـ “مجلس العلوية”، تمكنت خلاله من إحياء المناسبات الدينية، كما كان مقراً لتعليم “الوليدات” فنون الخطابة من الأساسيات حتى الإتقان.
وتتلمذت على يديها العديد من الفتيات، كان من ضمنهن أم هاني الحداد، بتول السيد محمد العوامي، علوية الشاخوري، أختها أم أمين، وبنات الموسى.
علاقتها بالناس
أحبها أهل البلدة كثيراً لما كانت تتمتع به من صفات فاضلة، فقد كانت معروفة لدى الجميع أنها لا تترك القرآن الكريم، تقضي ليلها بصلاة الليل والذكر والمناجاة والدعاء، بلسان لا يفتأ يلهج بذكر الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهاراً، وكان منزلها لا يخلو من الزائرين صباحاً ومساء في استقبال أهالي قرية التوبي، وفي الجانب الآخر لم تكن تترك زيارة المرضى والسؤال عنهم، والتودد إلى جيرانها وأحبابها وزيارتهم.
المرض ورحيل الأحبة
قبل 7 سنوات فقدت الشاخوري والدتها، السيدة بلقيس، وبرغم عمق الجرح الذي خلفه الفقد إلا أنها بقيت صابرة محتسبة.
ومنذ 3 سنوات أصيبت بمرض السرطان، وأصبحت ظروف علاجها تضطرها للسفر إلى الرياض كل أسبوعين، فاعتزلت المجالس والخروج من البيت، ومع ذلك لم يمنعها مرضها من فتح مجلسها الحسيني حتى لا ينقطع الذكر فيه، وإن كان لعدد قليل اقتصر على بناتها وأخواتها، لزوم الأوامر الصحية.
ولم يمهلها القدر لتتعافى من حرارة فقد الأم حتى فقدت والدها في التاسع من شهر رجب للعام المنصرم، ومالبثت أن تدهورت حالتها واشتد وجعها وسبب لها رحيله انتكاسة حادة، فأصبحت أكثر انطواءً وكادت تصوم عن الكلام. وبقيت شهرين بعد رحيله، وما إن أتمتهما حتى لحقت به في التاسع من شهر رمضان.
توفيت السيدة علوية الشاخوري ولها من العمر 65 سنة، بذلت منها 59 عاماً في خدمة محمد وآله.
رحلت العلوية فحزنت قرية التوبي وما حولها لفقدها، لكن ذكرها مازال عطراً، ومجلسها مازال مفتوحاً يستقبل المعزين كما كل عام.
(( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ))
اجبر الله مصابكم وعظم اجوركم واحسن الله لكم العزاء في الفقيدة السعيدة تغمدها الله بواسع رحمته واسكنها فسيح جناته والحقها بمحمد واله الطيبين الطاهرين في مستقر رحمته إنه سميع مجيب ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .اللهـم أنزلها منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين .
اللهـم أنزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
اللهـم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة.. اللهم أنزل عليها شآبيب رحمتك وعزائم مغفرتك .
والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار.
جعفر عبدالكريم الحميدي /القديح