وسط عظمة قصر الحمراء
ليلى العوامي
لم تكن مدينة الزهراء وحدها من جذبتني لزيارة الأندلس (إسبانيا) ولكن قصر الحمراء كان عشق الطفولة.
عشقٌ احتواني منذ طفولتي، منذ أول قصيدة حفظتُها بمشقة ورسمتُها في كشكولي الصغير.
إبن زيدون عشق ولّادة وأنا التائهة بينهما في أبيات القصيد. فمنذ أكثر من ٤٠ عاماً وأنا أقول متى أزور أسبانيا، متى أرى ما أسمعه بعيني؟.
درست التاريخ وتهتُ بين أزقته منذ أن قالوا لنا في الكتب إن طارق بين زياد: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، ومن بعده الخلفاء، إلى أن دخل عبدالرحمن الداخل الأندلس فأسس إمارته.
أتعبني حفظ الأرقام والأسماء ولكنني حفظتهم حتى تشبعت حفظاً، وكان لا بد أن أعزز ما حفظته بالسفر إلى موقع الحدث، هنا الزهراء وهنا الحمراء وهنا أنا بين أطلالهما، فأردد ما قاله ابن زيدون:
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً
فترد الحمراء بحب
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
واليوم وبعد اشتياق طال مداه أزور غرناطة، وألتقي معالم قصر الحمراء. كم كان اللقاء مختلطاً بذكريات الطفولة، وصلت ثم ضربت على جدرانها لأخبر نفسي بأنها حقيقة وليس بحلم.
فعلاً ما عظمك يا محمد بن نصر بن الأحمر أيها المؤسس لهذه الدولة (دولة بني الأحمر). لقد شيدت هذا القصر بعبارة قلتها “لا غالب إلا الله” فأصبح رمزاً من رموز الأندلس.
ما أروع قصر الحمراء فهو من المباني التاريخية الإسلامية، كنتُ أتخيله كما أراه في المسلسلات التاريخية التي كانت تتحدث عن تاريخ ملوك الطوائف والولاة والدولة الأموية.
وها أنا هنا حقيقة أصعد على هضبة عالية لأتجول في هذه القلعة العظيمة المحاطة بسور عظيم هي وباقي القصور والقلاع.
في كل مكان من هذا القصر تجد أعمدة من الرخام وتيجانها زخرفت بالمقرنصات “حاملة القبة أو الإسْقِنْش هو قوس في العمارة تكون على زوايا جدران البناء الأربع لحمل القبة. وأول مثال لذلك في العمارة الإسلامية ما عرف في سامراء أيام العباسيين”.
غير الحفر الذي جُملت به الجدران منها النباتية والهندسية غير التفريعات الورقية، فناء الريحان الكبير، وبهو السفراء، وفناء السرو، وقاعة الأختين، والأختين هما قطعتان من الرخام متساويتا في الطوب والعرض والضخامة، وأشهر أجنحة القصر بهو الأسود الذي تتوسطه نافورة الأسود الشهيرة، ١٢ أسداً من الرخام تخرج من أفواههم المياه.. لماذا؟!
تعجبت كثيراً من هده العمارة، أتعرفون لماذا ١٢ أسداً؟
هم بعدد أرقام الساعة! والكثير المثير في هذا المكان.
ويلوموني في حب قصر الحمراء!
تعلقت به قبل أن ألقاه وحينما التقيته زاد تعلقي.
أربع ساعات من التجوال بين أروقته ولم أتعب، وما زلت أتمنى أن أعود؛ فهذه الزيارة الأولى هي قراءة سريعة لتاريخ هذا المكان المهيب.
وأتمنى في السنوات القادمة أن تكون قراءة متعمقة مركزة في كل تفاصيله، أنا لستُ شاعرة لكني ملهمةً به.
أنا تشكيليةٌ لكني تراجعت في رسم ملامحه من مخيلتي خوفاً من الإضرار بجماله.
و بباب الشريعة مررنا، بـ ٣٧ برجاً عملاقاً تأملنا، وعند نافورة الأسود وقفنا، وبنفسٍ عميق تساءلتُ هل حقا هذه هي الحمراء التي أتعبتنا..؟!