فيديو] حسن الغراب: أرجو أن أعيش لأشاهد “قهوة الغراب” الجديدة عائلتي أسّست 7 مقاهٍ في القطيف والبحرين.. وراحوا
روى الحكاية في مقر "صُبرة" وشكر من سعى إلى المحافظة على القهوة التراثية
شاهد الفيديو
القطيف: صُبرة
لم يكن يتحدث عن ذاكرة؛ بقدر ما كان يبعثر كلام شيخٍ أنهكته الثمانون، فأدرك حقيقة أن كلّ شيءٍ رائح عن هذه الدنيا. كلما قال شيئاً؛ أعقبه بكلمة “وراحوا”.. “وراحوا”..!
تحدث عن 7 مقاهٍ تعاقبت عائلة الغراب على العمل فيها، ثم عقّب “وراحوا”.. تحدث عن شخصيات كبيرة كانت ترتاد المقهى على امتداد عقود طويلة.. “وراحوا”.. تحدث عن والده.. “وراحو”..!
حسب حبيب الغراب، آخر العاملين في “قهوة الغراب”، من الأسرة. ولو كان للجدران القدرة على كتابة ما يُنطق في المكان؛ لامتلأت جدران مقر صحيفة “صُبرة” بكلمة “وراحوا”، لكثرة ما ردّدها مساء البارحة، حين جاء “حجّي حسن” برفقة خالد الفخر القائم على تشغيل “قهوة الغراب” منذ سبع سنوات.
إن شاء الله نعيش
“على الحَيْ مُو بعيد”.. “إن شا الله نعيش ونشوفها”.. والكلام عن “قهوة الغراب” التي سوف تُنقل من موقعها الحالي في حي “الشريعة” إلى المنطقة التاريخية في حي “القلعة”. النقل ضروري، لأسباب تتعلق بمشروع تطوير طريق الملك عبدالعزيز وسط القطيف. ولأن “القهوة” تمثل إرثاً تراثياً مهمّاً، كان القرار أن تُخصص لها قطعة أرض في “القلعة”، ويُعدّ لها تصميم مشابه للتصميم الحالي، من أجل الحفاظ عليها.
القرار تبنته بلدية محافظة القطيف، ووافق عليه أمين المنطقة الشرقية.
خالد الفخر
من الجوالات
وحين سألنا “حجي حسن” عن الموضوع، قال “عرفنا بالخبر من الجوالات”، قاصداً انتشار خبر موافقة أمين المنطقة الشرقية عبر أجهزة الجوال بين الناس. وعلّق على القرار “جزاهم الله خير”.. ولأن ابن الثمانين لديه مشكلة في التركيز، فإنه ليس على يقين واضح مما يجري، ولا كيف سيتم الأمر؛ وقد سألَنا بدلاً عن أن نسأله نحن “مِنْ قايمْ عليها..؟ وكان يقصد من المتصدّي لمتابعة الموضوع؛ فأشرنا إلى رفيقه خالد الفخر؛ فعلّق “والنعم”..!
هكذا كنا نسأله
إن الثمانين ـ وبُلَّغتَها ـ
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
الثمانيني الذي ما زال محتفظاً بخفة ظله، وضع لمسته في حديث البارحة، كان يضحك أحياناً، وفي عينيه تلمع حكمة “وراحوا”. لكنّ الصعوبة مع حديث البارحة؛ كانت في مشكلة السمع لدى “حجّي حسن”.. كنّا نقترب منه ونصرخ في أذنه بالسؤال..!
المشكلة الأكثر صعوبة؛ هي في طريقة السرد، كانت جمله قصيرة جداً، ومخارج الحروف في صوته لا تُفصح عمّا ينطق. يحتاج الأمر إلى إعادة سماع ما قاله. إلا أن القصة ملخّصة في حكمة “وراحوا”. والتفاصيل تأتي من بداية عمله في الثالثة والنصف فجراً، إلى ما عبد أذان المغرب. عمل يومياً لا يتوقف إلا في المناسبات الدينية “الحزينة”، والأعياد، فحسب.
حجي حسن في شبابه
10 هللات
كان يبيع “استكانة” الشاي بقرشين. إنها 10 هللات، من الريال الذي يتكون من 100 هللة. هذا السعر “يجيب الخير”.. “القهوة” فيها خير، لكن “تبغى قوة”. الآن يتحدث “حجّي حسن” عن القوة، لأنه لم يعد في سنّ القوة. ذلك الشاب المبتسم المتحرك طيلة النهار بين زبائنه، يلمّح إلى القوة التي مضت. و “قرشين على قرشين” تتجمع “اليومية”. ومن هذه “القروش” بنى حياته، وتزوج، وأنجب، وعاش دون الحاجة إلى الناس.
بعض الزبائن يدفعون أكثر من قرشين.. أشار إلى زبائنه من قبيلة بني خالد في عنك. آل زمام، الثواب، وغيرهم.. بعضهم يدفع 5 ريالات، ويشرب الشاي والقهوة دون تدقيق في الحساب.. كانوا كرماء معه.
في الثالثة فجراً
ضحك “حجي” حسن ممن لا يبدؤون عملهم إلا بعد طلوع الشمس. وقال مفاخراً “أنا أبدأ في الثالثة والنصف فجراً”. وقال إنه رافق والده في “القهوة” منذ أن كان في سن السابعة. وسرد أسماء زبائن القهوة من الشخصيات المعروفة في القطيف، ووجه أسئلته لنا:
الشيخ عبدالحميد الخطي
هل أدركت محمد صالح الفارس..؟
هل أدركت سلمان عبدالهادي..؟
هل أدركت منصور نصر الله..؟
وتذكر من زبائنه:
الشيخ علي المرهون..
الشيخ عبدالحميد الخطي..
وعقّب “وراحوا”.. وأضاف “الله يرحم الجميع”.
لم يكن “حجي حسن” يتحدث كما يتحدث الآخرون. كان ينثر ـ بعفوية شديدة ـ إدراكه للحقيقة المطلقة، حول الوجود والفناء، حول الحياة والموت، حول المرور من هذه الدنيا والرواح عنها..!
كان يُشير إلى الناس الذين شاهدهم وعاشرهم وعرفهم.. “وراحوا”..!