هل نحن عاملون؟!
عبدالله حسين اليوسف
مع نظرات في الكتب والصحف
سلسة إحياء تراث آل أبي خمسين في الأحساء
العلامة الشيخ باقر أبوخمسين (رحمه الله)
تحقيق /عبدلله الشيخ حسن أبوخمسين
الطبعة الأولى
1445 هجري/2023م
جزء من مقدمة التحقيق:
ومن الجانب الأدبي نجده في بعض المقالات يلتفت إلى دور الأديب، وعمله في هذه الحياة، فإضافة إلى الدور الجمالي الذي يقوم به في مقاومة القبح، هناك دور أخلاقي مطلوب منه، وهو علاقته بالمجتمع، فهو من هذا المجتمع وإليه، يقول عن دور الأديب في المجتمع : (فإذا ألقت إليه بفكرة فيها انبعاثه إلى الأمام، وفيها صلاح مجتمعه وتوجيهه إلى ما فيه وعيه وسلوكه الطريق اللاحب، فهو قد فتح الخط الذي عجزت عنه القاذفات والناسفات).
يبدأ المؤلف بقوله :
قال الإمام علي (عليه السلام ): “ما أخذ الله سبحانه على الجاهل أن يتعلم حتى أخذ على
العالم أن يعلم “.
حكمة خرجت من قوس الحقيقة، فأصابت كبد الواقع، وكلمة عظيمة صدرت من فكرة ثاقبة عرفت نفسية المجتمع، ونقطة حساسة من عمل بمفهومها أصاب الطريق السوي، فهل نحن بها عاملون؟
لم ينجح قط رجل يفرض نفسه على المجتمع فرضا، أو تفرضه الظروف الاستثنائية التي سرعان ما تزول بزوال مقتضياتها، وأحوالها كما لم ينجح قط رجل لا يعرف كيف يسير إلى الهدف الذي يروم وصوله، فيسير عليه، وتسير الأمة من خلفه
في طريق مستقيم واضح السبيل لا يرى فيه عوجا، ولا أمتا؟
ولكن، هل يعني هذا أن يبقى العالم قابعا في زاوية بيته ؟
لا يتلمس أمراض الأمة، فيصف لها العلاجات النافعة، ولا يتحسس قطرات الدمع من مآقي اليتيم فيكفكفها بما يبرد به غلته المحروقة، أو يتلمس زفرات القلب الحزين؛ فيرد الزفرة التي تركته صريع الحسرة؟
إنَّ عليه أن يتلمس كلَّ هذا حتَّى يعرف موضع الداء، فيصف له الدواء. كما يحتم عليه الواقع أن يخاطب كل فرد بما يناسب نفسيَّته الخاصة؛ لينجح إذا أراد أن يقتلع الجذور التي سببت العقدة النفسية، والتي من وطأتها أصبح صريع طغيانها. فإنَّ لكل فرد طبيعة خاصة لها علاج خاص، كما يقول الأطباء.
يخطئ من يقول: إنَّ رسالة محمد (ص) قاصرة على أمة، أو على عصر، أو على محيط. وبعد عن الحقِّ من يقول : إن رسالة محمد (ص) لا تجاري المدنية ولا تتلاءم مع الحضارة، ولا تكفل سعادة الفرد والأمة، وضل الطريق من يقول: إن الدين حجر عثرة في سبيل التقدم، أو إنه يكبت مشاعر الإنسان، ويهدر طاقته .
نعم لم يخطئ من قال: إن بعضا من حمل رسالة محمد (ص)، لم يعرف كيف يؤديها كما أراد محمد (ص)، الذي كان يؤكد على أصحابه:
“أمرنا معاشر الأنبياء أن تخاطب الناس على قدر عقولهم “.
لأن الأمة التي كانت تعتمد الحجر، والصخر، والكتف كوسائل لعيشها غير الأمة التي تستخدم الكهرباء في أبسط شؤونها، والعصر الذي لم يعرف إلا السفينة الشراعية يختلف عن عصر الغواصة والطائرة، والبيئة التي لم تعرف إلا الزراعة غير البيئة التي عرفت الثورة الصناعية.
والحق إنَّ بعض من ادعى أنه من رجال الدين هو الذي أصبح حجر عثرة في مسيرة هذا الدين العظيم نفسه، حيث عاقه عن الولوج إلى عقلية أجيال كثيرة من أبنائنا بما حاطه من الأوهام والخرافات، وبما نسج عليه من أثواب بالية تركته لا يصلح إلا أن يكون محصورا في داخل الجامع، أو حبيسا بين جدران المدرسة الدينية فقط .
إذن، فلنعقد العزم على خلق جيل جديد من رجال الدين يستوعبون حقائق الإسلام المحمدي الأصيل، ولنكن جادين في صنع رواد يعرفون كيف يغزون عقول الشباب من أبنائنا الذين أصبحوا يرددون ما يفتريه أعداؤنا كالببغاوات، ولا يعرفون إلا ما يقوله الغرب وما يوحيه الشرق ويتبعون كل ناعق، ويميلون مع كل ريح ؟!
أما إسلامهم ومقدساتهم فقد صارت جزءًا من أمس الذي لا يعود، فهل نحن عاملون ؟!