فيديو] محكمة عبد الله بن حسين في “صابات” سيهات قصة 14 ممرّاً بين منازل الديرة في ذاكرة الأجيال

شاهد الفيديو

سيهات: معصومة المقرقش

تصوير: فاطمة الشويخات

ممرٌ طويل شديد الحلك ليلاً، يعجّ بالمارة وطالبي الحوائج نهاراً، تفوح منه رائحة مسكٍ مختلطة برطوبة طين جدرانه وجذوعه. تروي متانة بنائه، وروعة مسقوفاته حكاية مجلس عمدة استطاع أن يبني أحكامه، ويفصل العدل بين الخصوم، ويسيّر المحاكمات، فلم يُسمع أن عاشقاً سار إلى طريق مجلسه منتصف الليل يُدندن، ولا ضحكات نسوة تعالت نهاراً، ولا صراخ أطفال، ولا هروب لصٍّ، ولا مشاجرات باعة وأصحاب دمّ… كلٌّ يمشي عبر هذا الممر مشي الهوينى احتراماً للقابع فوق هذه الساباط.

فما هي الساباط ولمن؟ وما سرّ بناء المجلس الذي تربع فوقها..؟ وما حكاية المحاكمات التي أطلقها صاحبها منها ليطبق القانون ويحكم..؟

الصابَات أو الصاباط أو الصباط؛ جمعها سَوَابِيطُ وسَابَاطَاتٌ، أو صوابط، أو أصبطة.. من العناصر المعمارية الإسلامية القديمة، وهي سقيفة بين حائطين بينهما ممر نافذ. وغالباً ما يكون السقف بين المباني أو في داخل بناء كبير، ويكون على ارتفاع مقبول لمرور البشر والدواب، والتسقيفات تختلف بين أنواع العقود من دائرية ومدببة، وقد تكون بعض الساباطات مملوكة لصاحب البيت وللمارة الحق في المرور.

ساباط عبد الله بن حسين

طبقاً للباحث والمهتم بتراث المدينة عبد الغني منصور صليل يعدّ ساباط العمدة عبد الله بن حسين آل نصر في سيهات القديمة أحد أهم الساباط في محافظة القطيف، وأكبر سوابيط المدينة الـ 14، وقد كانت تجري في الغرفة التي تعلوه أهم واجبات سلطة العمدة الذي كان يُعدّ حاكماً محلياً في القرية التي يتزعمها. كما كانت تجري فيها أهم المحاكم الخاصة، وردُّ الحقوق المغتصبة، وفضُّ نزاع قومٍ اختلفوا، والأمر بملاحقة المجرمين وأصحاب المشاكل وإحضارهم وتأديبهم وسجن من يستحق السجن منهم.

رأس السلطة

وقد أدار العمدة من مجلسه – كما يشير آل صليل- تنظيم معاملات الناس وشؤونهم؛ حيث يعدُّ رأس السلطة التنفيذية والمتحكم في زمام أمورها، وملاذاً لحلّ الكثير من مشكلات سواءً كانت خلافات على ملكية أراضي، أو خلافات ثأر.

ساحة للقصاص

ويلفت إلى أن العمدة بعد أن ينظر إلى قضية الجاني يصدر قراراً بضرورة إحضاره في الساحة الواقعة بين الباب الجنوبي لحسينية النصر، وتُسمى الآن (حسينية الشيوخ)، وبين الباب الشمالي للساباط، ويتلو رجال العمدة نوع الجناية على الجاني والحاضرين ثم يجلد أمام الناس.

استقبال الوفود

والعمدة عبد الله بن حسين -بحسب آل صليل- كان بمثابة الحاكم الذي فرض على الجميع احترامه، إذ كان يقوم بواجبه في الحفاظ على أمن المدينة، ومنح القطع السكنية والزراعية، كما كان قريباً من الناس ومحبوباً، إذ يستقبلهم في الأعياد والمواسم الدينية والاجتماعية.

شكاوى ومنازعات

جعفر آل نصر الذي ارتبط بالعمدة نسباً في كونه ابن عم والده عبد المحسن بن محمد بن نصر.. يقول إن عبد الله ورث العمدوية عن والده حسين بن نصر، وأن العادة جرت أن يستقبل العمدة حالات الشكاوى والنزاعات في مجلسه العام فينظر في القضايا أمام الحاضرين، كان ذلك في وقتٍ لم تكتمل فيه مؤسسات الدولة من مراكز أمن ومحاكم، فكان العمدة يقوم بتلك المهام بحكم مسؤوليته عن إدارة شؤون بلدته.

شديد الحلك

ويصف آل نصر ساباط ابن عم والده بأنها طويلة ومظلمة حتى في النهار، ولكن يمكن للمار أن يمشي فيها من خلال الضوء الذي ينبعث من أشعة الشمس التي تتخلل عبر مدخليه الجنوبي والشمالي، وبعض الفتحات عند الدرج المؤدي إلى مجلس العمدة، أما في الليل فهو شديد الحلك، يُحتاج فيه إلى مصباحٍ حتى يستدل الماشي لطريقة.

وينوه بأن الساباط كانت تؤدي إلى مجلسه وبيته مباشرة، وإلى بيوت إخوانه وأبناء عمومته، وهو يقع فوق الجزء الشرقي من الساباط، وقد أزيلت تماماً عن بيوت العائلة عام 1410 هجرية، بعدما تحوّلت إلى مبانٍ آيلة للسقوط.

مجلس فوق ساباط…؟

أما عن السبب الذي جعل العمدة آل نصر يُخصص الغرفة التي تعلو ساباط منزله مكاناً لإدارة شؤون بلدته، فيقول المهتم بالتراث عبد الرسول الغريافي إنّ مجالس كبار القوم تكون عادةً في الدور الثاني، لا الأول (الأرضي) للخصوصية أولاً ولتكون بمعزلٍ عن أفراد الأسرة ونسائها ثانياً.

قريب للرعية

أما أصحاب البيوت البسيطة والمكونة من دور أرضي فيشير الغريافي إلى أن مجلسها في الدور الأرضي، وعادة ما تكون قبالة المدخل، وعبد الله بن حسين كان يستقبل وفوداً من شتى أنحاء المنطقة لما يتمتع به من سلطة قوية تشبه سلطة الحاكم خاصةً قبل توحيد المملكة ؛ ويعدُّ من كبار العُمد إذا ما قورن ببقيتهم الذين تنحصر عمدويتهم في حيّ من الأحياء أو القرى الصغيرة، وقد اتخذ له مجلساً خاصاً بعيداً عن غرف منزله وقريباً من أسماع رعيته.

3 حقب في بيت واحد

الغريافي الذي وقف على ساباط عبد الله بن حسين عام 1410 هجرية قبل إزالتها والتقط صوراً لها من عدة زوايا مختلفة، لاحظ من خلال تلك الزيارة أن منازل آل نصر عامةً يظهر فيها الفن المعماري لثلاث حقب زمنية واضحة تتجلى في أنماط البناء المختلفة، أولها البناء بالجص، والمسح الناعم بالجص، وهي ذات الحقبة التي تظهر فيها الزخارف الجصية كألواح جصية منقوشة بسمك بوصة ونصف، تزين بها جدران المنزل وبعضها يتيح دخول الهواء من أجل التهوية، وكذلك الأقواس وهي أقدم أنماط المنزل.

تباينات العمارة

أما عن النمط الثاني في بناء المنزل نفسه فيقول الغريافي إنه البناء الحديث، بالإسمنت، ويتبع نظام البناء بالسافات المكونة من طبقة من أحجار الفروش وفوقها طبقة من الإسمنت، مشيراً إلى النوع الثالث الذي يتجلى في السقوف؛ فهناك سقوف الجذوع كما يظهر في تسقيف الساباط، والنوع الثاني من السقوف وهي الباسجيل المكون من الچندل الاسطواني وزخرفة من شرائح البامبو الملون والبارية. كما يوجد فيه سقوف جذوع النخل.

أما النوع الثالث وهو أحدثها ففيه سقوف المرابيع والليحان. وهذه ثلاثة أنماط من السقوف جمعت في بيت واحد وتظهر فيه التباينات التي تدل على أن هذه البيوت جرى لها التحديث وفقاً للنظام المتبع في البناء الحديث.

ازدواج فريد

ولفت الغريافي إلى أن ساباط عبد الله بن حسين تميزت بأنها مزدوجة؛ بمعنى سقف ثم فراغ غير مسقوف يتخلله ضوء أشعة الشمس نهاراً ثم سقف وهكذا إلى نهاية الساباطات.

سوابيط ا14
ولمدينة سيهات القديمة  ـ بحسب المهتم بتدوين تراث المدينة علي الباشا ـ 14 ساباطاً موزعة حسب موقع منازل أصحابها، ولكن أشهرها هو ساباط العمدة عبد الله بن حسين، وجميعها أزيلت بفعل المدينة والتطور، ولم يبقَ من طينها وجذوعها إلا صور الذكريات المتناثرة هنا وهناك.

ولفت إلى أن مدينة سيهات القديمة أي (الديرة) عند تقسيمها إلى أربعة أقسام مربعة اتضح أنها مكونة من خمسة مداخل للبيوت المسقوفة ذات منفذ واحد ينتهي إلى باب أحد المنازل، وهذه المداخل شبيهة بالساباط، كما يوجد سوابيط متكاملة ذات منفذين يبلغ عددها تسعة، إذن المجموع أربعة عشر ساباطاً، ومن الملاحظ أن المربع أو القسم الجنوبي الشرقي من سيهات القديمة ربما يخلو من وجود سوابيط.

أشهر السوابيط

أما عن أشهر تلك السوابيط الكبيرة والصغيرة التي احتضنتها المدينة القديمة؛ فهي:

ساباط سيد فلاح، والحمود، الشافعي، المحسن، الخريدة، عبد الرحيم، الذي أشتهر بأنه ساباط خصصته النساء لجلساتهنّ وقت الظهيرة لسف الخوص أو الحياكة، وساباط الرميح، الحلال… وغيرها.

‫4 تعليقات

  1. مقال رصين بقلم اجاد كتابة موضوع بنكهة الأجداد والأحباب، بارك الله في من كتب عن التراث وللتراث.

  2. موضوع جميل و معلومات مفيدة.
    شكرا لصبرة، شكرا للكاتبة و المصورة.
    شكرا للباحثين على إثراءهم لهذا الموضوع الشيق و المهم.

  3. وفقكم الله… و انتظار مواضيع و محتويات العودة إلى الزمن و حزاوي و قصص الأجداد.

    كل شكر ا.متصومة على التألق

  4. شكرا جزيلا على الموضوع الاكثر من رائع
    معلومات لاول مره نسمعها عن مدينتنا سيهات
    وشكرا لك أستاذة معصومه على طرح مثل طرح المواضيع التراثية

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×