خلطة حنّاء الحمير أكثر تعقيداً من حنّاء البشر الجسّاس لا يخجل من هوايته.. ويرد على الساخرين بالقرآن
الجارودية: فيصل هجول
حتّى حنّاء الحمير؛ يحتاج إلى خلطة خاصة، وعناية خاصة، وطريقة خاصة. ولا يقلّ صعوبة عن الحنّاء الذي يُستخدم للبشر، إن لم يكن أكثر تعقيداً منه. حتى الأماكن التي تُحنّى من جسد الحمار؛ لها رسالتها البصرية عند من يشاهد الحيوان. هذه الأسرار يعرفها أبناء الجسّاس الذين ما زالوا يمنحون لهذا الحيوان مثلما كان أسلافنا الريفيون يفعلون من الرعاية والعناية.. وحين زارت “صُبرة” إسطبلهم، جنوبي الجارودية، تعرّفت على بعض من هذه الأسرار..!
10 أشهر
بما أن الحنّاء زينة؛ فإن الحمير لا تُحنّى طيلة شهري محرم وصفر، كما هو جارٍ في عادات الناس في القطيف. وما إن يُطلّ هلال شهر ربيع الأول؛ حتى تأخذ الحمير زينتها، وتحصل على حنّائها، على يد أصحابها. تلك عادة فلكلورية، تكاد تُعرف بـ “موسم زينة الحمير”، وهي ما زالت مستمرة رغم تراجع دور الحمار وظيفياً بحلول السيارات والشاحنات. كانت العناية بالحمير أساسية بوصفها بوسيلة النقل والشحن التقليدية. ثم انتهى هذا الدور. إلا أن دوراً آخر استجدّ، هو دور “الاقتناء” والعناية. وهذا ما يحافظ عليه بعضٌ من أبناء جساس الذين يقطنون بلدة الخويلدية.
21 حماراً
في نخلهم المعروف بـ “الغرسة” الواقع جنوبي الجارودية 21 حماراً. ولهذا العدد من الحمير حظوة من العناية والرعاية إلى حدّ عجيب. يستمتع أبناء جساس بالوقت برفقة هذا الحيوان الآفل زمانه. وينتظرون موسم الحناء كما كان أسلافهم ينتظرون هذا الحدث. وعصر أمس، السبت، كان مشهد “الحنّايَهْ والحمير” جاهزاً لعدسة “صُبرة”.
تجربة 10 سنوات
يخبرنا ابن الـ 20عاماً محمد إبراهيم الجساس عن تجربته في صبغ الحمير بالحناء. إنه اليوم الأول له في التجربة.. يقول “منذ أكثر من 10 سنوات تعلقت بالحمار وبتربيته.. صاحبته كالصديق مستمتعاً برفقته وبالعناية به.. وبالرغم من كل هذا الحب إلا أن هذا اليوم هو الأول لي في “التحنية”. في الأوقات الماضية كنت إما شاهداً أو مساعداً لأخواني وأبناء عمومتي، عندي الدراية والمعرفة بالطريقة، ولكن التخصص كان يحكمنا، “ليعطي الخبز خبازه”.
خلطة خاصة
ويتابع إبراهيم القول بأن أخاه “خليل” هو أحد الحنّائين المتخصصين، موضحاً أن خلطة الحناء ومكوناتها يجب أن تكون محترَفة.. عادةً ما تتكون من “حناء، شاي، ميسون، رمان مغلي”. وهذا المزيج لا يكون جاهزاً لصبغ الحمير إلا بعد مرور يوم كامل لتكون الخلطة أكثر امتزاجاً وتماسكاً وتعطي لوناً مميزاً يدوم على جسد الحمار لأطول مدة ممكنة.
تحجيل وقصة
حسب جسّاس؛ فإن وضع الحناء على الحمير ممكن في أي وقتٍ من السنة.. لا مشكلة في موافقة الموسم للشتاء أو الصيف، فلا الرطوبة ولا البرد الشديد يكونان مانعين من ذلك.
وعن طريقة الصبغ يقول “لا شكل بعينه في رسم صبغ الحناء على جسد الحمار. فكل صاحب حلال يصبغ حسبما يراه مناسباً لحماره. إلا أن الطريقة الغالبة تكون بصبغ أطراف الحمار الخلفية حتى منتصف الساق، ويسمى “تحجيل” وصبغ الأطراف الأمامية من الأسفل ووصولاً للصدر وتسمى “القصّة”. وايضاَ تُصبغ نهاية الأذنين بشكل مثلث، إضافة لناصية الحمار بشكل معين في العادة أو مثلث”.
وعن الذيل يقول إن البعض يصبغ طرف الذيل، إلا أن ذلك يحتاج لخبرة خصوصاً لكون الذيل عضواً حركياً يعتمد عليه الحمار في الكثير من نشاطه، وبالتالي يكون الذيل في حركة مستمرة، ما يعني أنه يستوجب تغطية الذيل بعد صبغه لكي لا يلطّخ الحناء أماكن أخرى لا تُحنّى، مثل ظهره وبطنه.
ميزانية حنّاء
تنفيذ أعمال الحنّاء الـ 21 حماراً، يحتاج إلى ميزانية تصل إلى 250 ريالاً. والأهم ليس المال، بل الحصول على درجة لونية بين البرتقالي والبني، وكلما كان اللون داكناً كانت للحمار هيبة أكثر، ولذلك يعمدون إلى تكرار العملية ثلاث مرات سنوياً، أو كلما بهت اللون وبدأ بالاختفاء.
والخيل والبغال
كان إبراهيم الجساس يتحدّث بعفوية لـ “صُبرة”.. تحدث بفخر بعمله وهوايته.. إنه لا يرى أي فرق بين الحمار والخيل أو أي حيوان آخر، ويذكر بأن الحرج غير موجود في قاموسه. وإذا ما وجّه أحدهم شيئاً من السخرية من هذه الهواية، فإن رده الجاهز على أي شخص يحاول الاستصغار أو الاستهزاء بما يقوم به من عمل؛ هو الاستشهاد بالآية القرآنية (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق مالا تعلمون).
شارك في التصوير: فيصل هجول، صبحي قاسم، محسن الخضراوي، فتحي عاشور.